إدوارد وليم لين - 6 - المصريون المحدثون.. شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر للأستاذ عدلي طاهر نور

(تابع الفصل الأول)

يلاحظ أن أهل القاهرة وسكان الأقاليم الشمالية حيث يكثر المهاجرون لاعتدال الجو: هؤلاء لقلة تعرضهم للشمس يمتازون بوجوههم الشديدة الصفرة وببشرتهم الناعمة الملمس، بينما الآخرون يزداد لونهم ظلمة وبشرتهم غلظة. أما في مصر الوسطى وفي الصعيد الأعلى فيشتد وهج الشمس وتزيد سمرة الوجه كلما صعد الأنسام نحو النوبة حيث يكون الجو أشد حرارة، وحيث يحل النوبيومن محل المصريين تدريجياً. وسحنة المصريين المسلمين بيضية الشكل جميلة الهيئة. فالجبهة معتدلة الحجم نادرة الارتفاع شديدة التقوس، والعينان بعيدتا الغور، أو تبدوان كذلك نتيجة لخفض الحاجب من بهر الشمس، سوداوان لامعتان، تشبهان بعض الشبه أعين الأجناس الحبشية، والأنف مستقيم غليظ بعض الشيء، والفم جميل التكوين، والشفتان اقرب إلى الغلظ، والأسنان جميلة الشكل تشبه إذا نظرنا إلى الموميات أسنان المصريين القدماء واللحية سوداء خفيفة جعداء. وقلما ترى عيون رمادية، إلا في ذرية الأجانب من أوربيين وغيرهم أو في سلالتهم. وقد أعتاد الفلاحون لدوام تعرضهم للشمس كسر جفونهم؛ وهذه من ميزات البدو. وأكثر المصريين مصابون بالعور أو بالعمى. وهم لا يحلقون اللحية كلها وإنما يحلقون ما فوق الفك الأسفل وما تحته وكذلك ما تحت الشفة السفلى ما عدا العنفقة على مثال الرسول (صلعم). وقد ينتفون تلك المواضع. والقليل منهم يحلق اللحية كلها ما عدا الشاربين فلا يحلقهما أحد، وهم يطلقون لحاهم بمقدار قبضة اليد تقريباً

وهذا هو المتبع عادة. وتلك كانت عهدة الرسول صلى الله عليه وسلم، هم لمحافظتهم على السنة لا يطيلون الشاربين ولا يمدونهما على الأقل فوق الشفة العليا حتى لا يضايقانهم عند الأكل أو الشرب. وعادة الخضاب ليست شائعة في مصر ولأنهم يحترمون الشيب. ويحلق المصريون شعر الرأس كله، أو يتركون خصلة صغيرة فوق الناصية تسمى (شوشة). ويقال إن هذه العادة الأخيرة - التي تكاد تكون عامة بينهم - منشأها خوف المسلمين عند وقوعهم في أسر الكفار أن يعمد هؤلاء - عند ذبحهم - إلى وضع أيديهم النجسة في الفن ليحملوا الرأس منه إذا لم يجدوا شعراً. وقد تكون اللحية قصيرة أيضاً، ولكن الراجح أن تلك العادة أخذت عن الأتراك، لأنها لا تشاهد عامة عند البدو، ولأن عادة حلق الرأس ظهرت بين العرب منذ عهد قريب، ثم إنها للنظافة. ويتبع المصريون عادات أخرى لنظافتهم لا محل لذكرها هنا. ويلاحظ أن كثيراً ما يشم رجال الطبقة السفلي وغيرهم أذرعهم وأحياناً أيديهم وصدورهم كما يفعل النساء، (وسنصف هذه العادة عند الكلام عن النساء)

وتتألف ملابس رجال الطبقتين العليا والوسطى من الأجزاء الآتية: أولاً، سروال فضفاض من الكتان أو القطن يشد حول الوسط بشريط طرفاه مطرزان بالحرير الملون وإن كانا تحت الملابس الخارجية. ويصل السروال إلى ما تحت الركبتين بقليل أو ينزل حتى الكعبين. إلا أن الكثير من العرب لا يلبسون السراويل الطوال لأن النبي (ص) حرمها عليهم. بعد ذلك قميص أكمامه واسعة جداً تصل حتى المعصم، يصنع من نسيج الكتان الأبيض الرخص أو من نسيج القطن أو الحرير الموصلي أو الحرير المخلوط بالقطن، وكلها مفوفة بيضاء. ويرتدي أغلب الناس فوق هذا، عندما يبرد الطقس (صديرياً) قصيراً من الجوخ أو من الحرير الملون المفوف أو من القطن، ولا أكمام له. يضاف إلى هذا رداء طويل من الحرير المفوف أو القطن يسمى (قفطان) أو على حسب التعبير الغالب (قُفطان)) ينزل حتى الكعبين وأردانه الطويلة تمتد إلى ما بعد أطراف الأصابع ببضع بوصات وتشق من فوق الرسغ بقليل، أو من وسط الذراع بحيث تكشف اليد؛ إلا انه يمكن سترها بالكم عند الضرورة، لأن من العادة أن تغطى اليدان في حضرة شخص عظيم. ثم يلف حول هذا الثوب شال ملون أو قطعة طويلة من الحرير الموصلي الأبيض المنقوش. وأخيراً، الحلة الخارجية العادية وهي عبارة عن كساء طويل من الجوخ، من أي لون كان، يسميه الأتراك (جبة) ويسميه المصريين (جبة) ولا تتعدى أكمامه المعصم تماماً وبعض الأشخاص يلبسون (البنش) - وهو قباء من الجوخ - أكمامه كإكمام القفطان طولا ولكنه أوسع منها ويرتدونه - على الأخص - في الحفلات فوق الجبة، ولكن الكثير منهم يستبدلونه بها؛

وهناك رداء آخر يسمى (فرجية) يشبه البنش تقريباً وأكمامه طويلة غير مشقوقة، ويلبسها غالباً رجال العلم. ويتوشح شقاءً بنوع من المآزر الصوفية السوداء يسمى (عباية)، وقد تشتد فوق الرأس، وفي الشتاء أيضاً يتدثر كثير من الناس بشال من الحرير الموصلي، أو غيره (مثل الذي يستعملونه للعمامة) يلف حول الرأس والكتفين.

أما غطاء الرأس، فيتكون من قلنسوة قطنية صغيرة مطابقة للرأس تماماً وتغير كثيراً. ثم يوضع (الطربوش) - وهو غطاء من الجوخ الأحمر - محكم على الرأس أيضاً، يتدلى من قمته شرابة من الحرير الأزرق القاتم، وأخيراً يلف على الطربوش قطعة طويلة من الحرير الموصلي الأبيض المصور، أو شال كشميري وهذه هي العمامة. وقلما يستعمل الشال الكشميري إلا عندما يبرد الجو. وقد يلبس البعض طربوشين أو ثلاثة، الواحد فوق الآخر. أما عمامة الشريف وهو الموصول نسبة بنسب الرسول فخضراء، وله وحده هذا الامتياز؛ كما أنه ليس من المعتاد أن يلبس أحد غير الأشراف ثياباً خضراء ناضرة

أما الجوارب فلا يستعملها إلا بعض الناس شتاء، ويتخذونها من الصوف أو القطن. وأما الحذاء فهو من الجلد المراكشي الأحمر السميك وطرفه الأمامي مدبب معقوف إلى أعلى. وينتعل البعض حذاء داخلياً من الجلد المراكشي الأصفر الناعم ذا نعل من الجلد نفسه، فيخلع الحذاء الخارجي وحده عند الدوس على البسط ولهذا السبب يلبس الحذاء الخارجي مكعوباً

ويحمل المصريون في خنصر اليد اليمنى خاتماً من العقيق أو غيره ينقش عليه اسم حامله ويصاغ عادة من الفضة. ويرفق الاسم غالبا بعبارة خادمه (أي خادم الله أو عبده) أو بعبارات أخرى تعبر عن إيمان الشخص بالله الخ. وكان الرسول (ص) يستقبح استعمال الذهب، ولذلك قلما يلبس المسلمون خواتم من ذهب. ولكن النساء يتحلين بمختلف الحلي (من خواتم وأساور الخ) من هذا المعدن الثمين

ويستعمل الخاتم لختم الرسائل وغيرها من المكاتبات! ويعتبر الخاتم أصدق من إمضاء اليد، وطريقة ذلك أن يلطخ الخاتم بقليل من الحبر بإصبع من الأصابع، ثم يضغط على الورقة بعد أن يأخذ الشخص من ريقه بإصبع آخر ويبلل المكان المراد ختمه. وكل فرد تقريباً يحمل خاتماً متى كان يستطيع ذلك ولو كان خادماً. ويضع محترفو الكتابة والعلماء وغيرهم في منطقتهم دواة (دواية) من الفضة أو النحاس الأصفر أو النحاس الأحمر، وهي عبارة عن محبرة أو صندوق به أوعية للحبر والأقلام. ويحمل البعض بدلا منها أو علاوة عليها مطواة أو خنجر، وتلك عادة قديمة. أنظر حزقيال، الإصحاح التاسع الآية الثانية

ويحمل المصريون شبكهم معهم أينما حلوا (إلا في المساجد) أو يحملها لهم خدمهم؛ وأن كانت العادة لم تجر بالتدخين في الشوارع. وهم يضعون كيس التبغ في صدر القفطان الذي يتهدل فوق الحزام، كما يضعون فيه أيضاً مناديلهم المطرزة بالحرير والمرصعة بالذهب، بعد أن تطوى باعتناء

وقد يرغب الكثير من أفراد الطبقة الوسطى أن ينفوا عنهم فكرة الإثراء فيرتدوا فوق ملابسهم مئزراً قطنياً أسود اللون لا تميزه عن مآزر العامة ميزة

المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين


مجلة الرسالة - العدد 429
بتاريخ: 22 - 09 - 1941

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى