محمد جبريل - أفق البحر..

أخلي وجهه للذهول‏,‏ حين قال الضابط أمام البوابة الحديدية المواربة‏:‏ لم يعد الدخول متاحا إلا لأبناء المدينة؟ فرك عينيه‏,‏ وفتحهما‏,‏ يحاول استيعاب المعني‏:‏ أنا من الإسكندرية‏..‏ ما تمنعني من دخوله ميناءها الشرقي‏.‏ ذلك زمن ماضي‏,‏ هو الآن مدينة تقتصر علي ناسها‏!‏ هل جففت الأرض‏,‏ وتراجع البحر‏,‏ لتفصل المينا الشرقية عن المدينة بالفعل؟ هل صارت مساحة المياه الهائلة‏,‏ بعد أن تحولت إلي بنايات وشوارع وميادين وحدائق‏,‏ محرمة عليه؟ لا يملك حتي أن يطل علي الحدود المائية ما بين قلعة قايتباي ولسان السلسلة؟
اعتاد في كل صباح أن يفتح النافذة المطلة علي البحر‏,‏ يدخل الضوء وامتزاج رائحة الملح واليود والأعشاب‏,‏ وما يتناثر في امتداد الأفق من فلايك وبلانسات وصيادين‏.‏ يعبر الطريق إلي الكورنيش الحجري‏,‏ تتغير ألوان الموج ما بين زرقة السماء‏,‏ والسمرة الداكنة بخيمة السحب المتكاثفة‏.‏ في أسفل يرتطم رذاذ الموج بالمصدات الأسمنتية‏,‏ إذا كان الوقت شتاء فإن الرذاذ يعلو‏,‏ يتحول إلي قطرات غزيرة تغرق ملابسه‏,‏ فلا يغيب إحساسه بالنشوة‏.‏
لم يدر بباله ولا تخيل أن المشهد الذي اعتاده يختفي‏,‏ يحل بدلا منه مشهد آخر تماما‏,‏ تحده المسافة نفسها‏.‏
صحا علي اختفاء الكورنيش الحجري والأمواج والبلانسات والقوارب والمصدات الأسمنتية‏,‏ وصيادي الجرافة‏,‏ والطراحة والسنارة‏,‏ وعسكري السواحل‏,‏ اختفت المياه‏,‏ وافترشت الشمس مساحة الأرض الخالية من الظلال‏.‏ انبثقت كحلم مساحات جفت مياهها‏,‏ في المسافة بين السلسلة وقايتباي‏.‏ نصف الدائرة انتقل إلي الناحية المقابلة في نصف دائرة معكوسة‏.‏
أهمل زيادة اللوردات والأوناش والرافعات‏,‏ وإلقاء مكعبات الأسمنت‏,‏ والردم‏,‏ فسر ما حدث بأنه لحماية المينا الشرقية من تأثرات النحر والنوات‏.‏ لم يتصور أن ينتهي ذلك كله إلي الأرض الواسعة‏,‏ المنبسطة‏.‏
أذهله موت البحر والأمواج‏,‏ كأن الرمال امتدت من الشاطئ فغطت البحر تماما‏,‏ واختفي الموج‏,‏ لم يعد ما يشي بالحياة في المساحة الواسعة‏.‏ النافذة لا تطل علي المينا الشرقية‏,‏ ولا يترامي أمام البيت سوي اختلاط الرمال والحصي وقطع الحجارة‏.‏ البحر مجرد تصور في نهاية الأفق‏,‏ وإن ظل في سمعه صوت اصطخاب الموج‏,‏ وتكسره علي مكعبات الأسمنت والكورنيش الحجري‏.‏
قرأ في الجريدة أن الأرض الرملية ستتحول إلي حي جديد‏,‏ حاول تصور ماذا ستكون عليه البنايات والشوارع والميادين والبوابات‏,‏ وما إذا كان الناس الذين سيقيمون فيها من أهل الإسكندرية‏,‏ أم يفدون إليها من مدن أخري؟
روي أبوه عن انتقاله من داخل المدينة إلي الشقة المطلة علي البحر‏,‏ لم يكن الكورنيش الحجري قد أنشئ‏,‏ ولا وضعت المصدات الأسمنتية في داخله‏.‏ كانت الأمواج تبسط مدها دون تكسر علي ما يعيق تقدمها‏.‏ البيوت والأكواخ والأكشاك في مقدمة بنايات المدينة‏,‏ علي حافة الشاطئ مباشرة‏,‏ تمتد أمامها المساحة بين الشاطئ والداخل‏.‏ يبتعد الناس عن الشاطئ بقدر توقعهم للخطر‏,‏ ليس في أيام الموج المصيرة‏,‏ وإنما في أيام النوات‏,‏ تلامسها الأمواج في الشتاء‏,‏ تقتحمها‏,‏ تتحول إلي نوات قاسية‏,‏ يرتفع مستوي سطح البحر‏,‏ وترتفع الأمواج‏,‏ تكتسح الناحية المقابلة‏,‏ تجرف ما تناثر أمام الشاطئ من الأكواخ والكبائن والبيوت الصغيرة‏,‏ في المواجهة المقابلة للشاطئ تخلفها وراءها‏,‏ ربما امتدت إلي البنايات العالية في داخل المدينة‏,‏ تعلو الأبواب وأسفل الجدران‏,‏ قد تقتحم الدكاكين والطوابق الأرضية‏,‏ وتهبط إلي البدرومات‏.‏ يلجأ السكان إلي الأحياء البعيدة‏,‏ أو ينشغلون بمنع تأثيرات المياه‏,‏ إن ثارت النوات كنست أمامها كل شيء‏,‏ ربما تهدمت البيوت‏,‏ وعامت قطع الأثاث فوق الأمواج‏.‏
شكل الكورنيش الحجري مصدات تمنع الأمواج من اجتياح بيوت الصيادين في مواجهة الشاطئ الرملي‏.‏ عرف سكان البيوت في قلب المدينة أن خطر مد الأمواج قد زال‏,‏ وأن الكورنيش الحجري يحصر المياه في داخل المينا الشرقية‏.‏ تبدلت الأوضاع‏,‏ شيدت البنايات ذات الطوابق الأربعة‏,‏ علي امتداد نصف الدائرة المحيط بالبحر‏,‏ حتي لا تحجب الرؤية عن أربعة طوابق‏.‏ القدرة علي رؤية البحر من أي موضع مسألة مهمة‏,‏ لا يقتصر أفقه علي المطلين من البنايات المواجهة‏.‏ سكنت فيها عائلات فرت من مد الأمواج إلي الداخل‏.‏ انتقلت بيوت وأكواخ الصيادين إلي بيوت في السيالة والأنفوشي ورأس التين‏,‏ وإلي أحياء المدينة البعيدة عن البحر‏.‏
أول ما يذكره من الكورنيش حين طلب الرجل ذو البدلة الكاملة والطربوش‏,‏ وفي يده قلم الحبر ودفتر الإيصالات‏,‏ علي تقاضي نسبة الاثنين في المائة‏,‏ نطقها المية اتنين‏,‏ قال أبوه وهو يدفع المبلغ‏:‏
أنشئ الكورنيش منذ سنين بعيدة‏..‏ لماذا تصرون علي تحصيل هذه النسبة؟‏!‏
اكتفي الرجل بهزة رأس خالية من المعني‏.‏
كانت فرصة الاختيار متاحة أمام أبيه لاستئجار الشقة المطلة علي البحر‏.‏ لم يكن التمليك قد عرف طريقه إلي الشقق‏.‏ استقر علي الطابق الثاني‏,‏ فلا يكون في مستوي الطريق‏,‏ ولا يتعبه السلم إن تقدمت به السن‏,‏ علي ناصيتين‏,‏ فلا تكون مخنوقة‏,‏ تضاعف الإيجار عبر السنين لكنه ظل معقولا‏.‏
تلاشت صور الإسكندرية‏..‏ المدينة الداخلية‏.‏ تبدلت صورة البحر الذي يحيط بها‏,‏ ويبتعد إلي مسافة بعيدة عن صف البنايات الممتد علي طريق الكورنيش‏.‏
لم يعد الكورنيش الحجري فاصلا بين المينا الشرقية وامتداد البنايات أمامها‏.‏ ردمت مساحة المياه‏,‏ فاختفي الفاصل‏.‏ هو لا يطل من الكورنيش الحجري علي المشاهد بين السلسلة وقلعة قايتباي‏:‏ البلانسات‏,‏ والقوارب‏,‏ والأمواج‏,‏ وصيادي السنارة والطراحة والجرافة‏,‏ والمارة‏,‏ والجالسين علي المقاعد الرخامية‏,‏ وباعة الفشار والآيس كريم‏.‏
جفت الأرض تماما‏,‏ عدا حفر متناثرة امتلأت بالأسماك الميتة‏.‏ اتجهت الأسماك إلي ما بعد الشاطئ الجديد إلي قلب البحر‏,‏ ومات الكثير منها فوق الأرض المختلطة بالرمال والمياه‏.‏ أهمل التصريحات التي ناقشت إن كانت الآثار الغارقة قد رفعت‏,‏ أم ظلت في أماكنها‏:‏ ما شغله هي المساحة بين قلعة قايتباي والسلسلة‏,‏ وعمقها في البحر‏,‏ وفي البنايات التي كانت تطل عليه‏,‏ في الصورة التي ألفها‏,‏ المدينة التي ألف ملامحها‏,‏ وإن تابع من الصحف وكلام الناس‏,‏ وبمشاهدة ما يحدث‏,‏ عمليات التنقيب في المينا الشرقية‏.‏ الرافعات والغواصون والخرائط والقطع الأثرية داخل الأعماق‏,‏ جزيرة أنتي رودس‏,‏ المدينة الملكية‏,‏ قصر كليوباترة‏,‏ قصر تأملات مارك أنطونيو‏,‏ القصور الغارقة الأخري‏,‏ أعمدة الرخام والجرانيت‏,‏ تمثال إيزيس‏,‏ وتماثيل علي هيئة أبو الهول‏,‏ تماثيل صغيرة من الذهب‏,‏ قواعد التماثيل ذات النقوش والكتابات اليونانية‏,‏ أدوات مائدة طعمت بالأحجار الثمينة‏,‏ كؤوس ذات زخارف نباتية‏,‏ أوان محلاة بالفسيفساء‏,‏ أقنعة‏,‏ حلي‏,‏ مباخر‏,‏ شمعدانات‏.‏
غابت الملامح‏,‏ لم تعد الأمكنة إلي ما ألفه الناس‏:‏ البيوت بامتداد طريق الكورنيش والكازيونهات والمحال الكبري‏,‏ ومرسي القوارب‏,‏ والسور الحجري بين السلسلة والقايتباي‏.‏ ما كان يمثل طرف الساحل صار جزءا من إسكندرية الداخل‏,‏ هو مثل كرموز وغربال والباب الجديد والقباري وكفر عشري والورديان ومحرم بك وغيرها من الأحياء في داخل الإسكندرية‏.‏
صار من غير المتاح أن يستغرق في مشاهدة اتساع مشهد البحر إلي نهاية الأفق‏.‏ الأفق هو شاطئ البحر‏.‏ ظلت أسراب الطير تحلق‏,‏ وإن لاحظ اختفاء طيور النورس‏,‏ يميزها من لونها الأبيض وصيحاتها‏.‏
لم يتصور تلاشي مساحة المياه‏,‏ المكملة لاستدارة المدينة‏.‏ صارت امتدادا لأرض المدينة‏.‏ في باله أن خللا ما‏,‏ تحولا ما فرض طبيعته علي المدينة كلها‏.‏ الأحياء والميادين والحدائق والشوارع والأرصفة واللافتات وعلامات المرور وأسلاك الفضائيات‏..‏ الأماكن التي اعتاد الناس الحياة فيها‏,‏ التنقل بينها‏,‏ دون أن يحدقوا أو يدققوا النظر‏.‏ يطمئنون إلي إحساس الألفة‏.‏ بدت علي غير ما كانت عليه قبل أن تغيب المينا الشرقية‏.‏ لا يقتصر التغير علي المنطقة ما بين البحر والمنطقة المطلة عليه‏,‏ لكنه يجده في المساجد والمقاهي ودور السينما‏,‏ حتي الكازينوهات التي مثلت واجهة للمدينة‏,‏ قبالة البحر‏,‏ تغيرت نظرته إليها‏,‏ حتي الأسماء التي تشحب بملامسة البحر تبدل شعوره أمامها‏.‏
لم تعد كل الشوارع تفضي إلي البحر‏.‏ بدل اقتطاع مساحات المياه من التصرفات المألوفة والتوقعات‏.‏ تصطدم نظراته بالبنايات في المساحة البديلة‏,‏ يري البحر بالتخيل‏,‏ وأنه هناك وراء الأفق الجديد‏.‏
تناسي التحرك العفوي في اتجاه البحر‏.‏ غابت الملامح التي يدركها دون أن يراها‏:‏ البنايات‏,‏ التقاطعات‏,‏ المفارق‏,‏ إشارات المرور‏,‏ العلامات الضوئية‏,‏ اللافتات‏,‏ الشورع المتقاطعة‏,‏ والتي لا نهاية لها‏,‏ عربات الترام والباصات والسيارات‏,‏ وعربات الحنطور‏,‏ وعربات الكارو‏,‏ ومحطات البنزين‏,‏ والباعة‏,‏ وزحام المارة‏,‏ لم يعد الناس يتجهون إلي البحر لرؤيته‏,‏ بدا البحر أفقا غائبا‏,‏ يبتعد عن مدي النظر‏.‏
بدل سيره كل صباح إلي الشاطبي والعودة‏.‏ يمضي علي رصيف البنايات التي كانت تطل علي البحر قبل أن يبتعد‏,‏ يتجه عند ورش القزف إلي الناحية المقابلة‏.‏ يسير بخطوات متسارعة إلي قرب رأس التين‏,‏ ويعود‏.‏ البحر هو ما يريد السير إلي جواره‏.‏
داخله اطمئنان أن طريق الكورنيش من الشاطبي إلي مرسي القوارب لن يفقد قيمته‏.‏ كل الشوارع داخل المدينة تصب فيه‏.‏ حين تشيد البنايات في موضع ما كان المينا الشرقية‏,‏ فإن الشوارع التي تتخللها ستشكل‏,‏ علي نحو ما‏,‏ امتدادا للشوارع المتفرعة من طريق الكورنيش‏.‏
ظهرت في مساحة الأرض بنايات وميادين وشوارع وساحات وحدائق تحيط بها‏,‏ وتتوسطها شجيرات صغيرة‏,‏ مقلمة‏,‏ علي هيئة دوائر ومربعات ومثلثات‏,‏ وممرات يغطيها الحصباء الملون‏.‏عادت الظلال بارتفاع الأسوار‏,‏ وتوالي إقامة البنايات‏:‏ عمارات عالية‏,‏ وذات طابقين أو ثلاثة‏,‏ وفيلات‏.‏ تمازجت أشعة الشمس بالظلال في الشوارع الممتدة‏,‏ والمتقاطعة‏,‏ وفي الزوايا والأركان‏.‏
صعد إلي سطح البيت حاول تبين ما وراء الأسوار العالية‏,‏ والأشجار الكثيفة‏.‏ التقطت عيناه بالكاد ما يشبه الأجزاء المتناثرة من البنايات والواجهات ومساحات الخضرة‏,‏ صممت الإنشاءات‏,‏ وما يحيط بها فيصعب رؤيتها حتي علي قاطني الطوابق العالية في عمائر الكورنيش‏.‏
ترامت عبر النافذة نسمات باردة‏,‏ تحمل رائحة ورود‏,‏ تختلف عما اعتاده أنفه من اختلاط روائح الملح واليود والطحالب والأعشاب‏.‏ حدس أن الرائحة الجديدة من الحدائق في مساحة الأرض التي غطتها الإنشاءات‏.‏ حاول النفاذ بنظرته بين ما أتيح له رؤيته من البنايات أول مساحة الأرض‏,‏ يبحث عن أماكن الحدائق التي يتضوع الجو برائحة ورودها‏.‏
صار كل شيء جميلا بما لا يتصوره‏,‏ أهمل حتي السؤال عن الآثار التي كانت في قاع البحر وهل طمرت‏,‏ أم رفعت من مواضعها؟
تحولت المدينة إلي حيين‏,‏ قسمين‏,‏ مدينتين‏,‏ الإسكندرية التي يعرفها‏,‏ ومدينة أخري تأتي أخبارها دون أن يتاح له رؤية الكثير مما تضمه‏.‏
يرنو من فوق السطح إلي الجهة التي اعتاد أن يشاهد منها نصف الدائرة الواسعة‏,‏ ما بين السلسلة والقلعة‏,‏ تراوح حركة الموج بين الهياج والحصيرة‏.‏ اختلف ما ألف مشاهدته‏.‏ أفق البحر إلي حيث تغيب الرؤية‏.‏ إلي اليسار خليج الأنفوشي‏,‏ حافته ورش القزف‏,‏ وتتناثر في مساحته بلانسات وقوارب صغيرة‏,‏ تنتهي إلي الجزيرة الصغيرة الصخرية‏,‏ وانحناءة الطريق إلي سراي رأس التين‏.‏ تتحول نظراته بالتعود إلي الميناء الغربية‏,‏ البواخر الضخمة والأرصفة والمخازن وشون الغلال والرافعات وبلوطات الأخشاب والأجولة وأحياء الإسكندرية البعيدة‏.‏ يشاهد الإعلانات المتوهجة بأنوار النيون فوق البنايات العالية بميدان محطة الرمل‏,‏ آخر رؤيتها مئذنة القائد إبراهيم‏,‏ وتصاعد قضبان المترو إلي مناطق الرمل‏.‏
لم يعد هذا هو المشهد الذي كان يتوقعه في صعوده إلي السطح‏.‏ كسرته الأبنية والإنشاءات في موضع المينا الشرقية‏.‏ اهتزت الصورة‏,‏ وربما تغيرت تماما‏.‏ حلت مشاهد لم يسبق له رؤيتها‏,‏ عرفها من الرؤية المباشرة‏,‏ ومن كتابات الصحف‏,‏ وبرامج الإذاعات‏,‏ وقنوات التليفزيون‏,‏ ومن روايات الذين أتيح لهم أن يترددوا علي المساحة الجديدة‏,‏ الهائلة‏,‏ المدينة التي بدأت ملامحها في الظهور‏,‏ مدينة كاملة لها مرافقها وبناياتها ومساجدها وحدائقها وملاعبها وملاهيها‏,‏ وقضبان الترام‏,‏ ومحطات البنزين‏,‏ والنافورات‏,‏ والأسبلة الرخامية‏.‏ حتي الشرطة صار لها مبناها المستقل‏,‏ روي أنه أضخم ما في المدينة‏,‏ تحفظ النظام وأمن السكان‏,‏ بما تضمه من أجهزة حديثة‏.‏
تبدو صورة ما سيحدث في امتداد المدينة شاحبة‏,‏ أو مشوشة‏.‏
أيقظه الضابط من ذهوله‏:‏
لكي تدخل فلابد من تصريح‏!‏
التفت إلي الواقفين جواره‏.‏
ظلوا علي سكونهم وصمتهم‏,‏ وإن لاحظ في الأعين نظرات أقرب إلي الشرود‏,‏ أو إلي الأسي‏.‏ وثمة سحب متكاثفة إلي نهاية الأفق‏,‏ غطت السماء برمادية شاحبة‏,‏ وشطت بأمطار قريبة‏.‏
أعوزته الكلمات التي يعبر بها عما يعانيه‏,‏ فسكت‏.‏ أزمع بينه وبين نفسه أن يغلق فمه‏,‏ خشي إذا حرك شفتيه أن يقول ما يجر عليه مشكلات لا يريدها‏.‏
قبل أن يعود قال الضابط كالمتنبه‏:‏
ما يدرينا أنك تطلب الدخول لفعل إجرامي؟
وعلا صوته بنبرة مهددة‏:‏
حتي لو اضطررت للعودة فلابد من تفتيشك‏.‏
وأشار إلي الجنود بتعبيرات تعكس المعني‏.‏
أحاط به الجنود‏,‏ أخرجوا كل ما في ثوبه‏,‏ قلبوه‏,‏ تشمموه‏,‏ تحسسوا أجزاء جسده‏.‏
ظلت نظراته ثابتة إلي البوابة المزدحمة بالجنود‏,‏ وبالبنايات الممتدة وراءها‏,‏ وهو يغالب التعثر والحزن‏,‏ في خطواته الممتدة إلي داخل المدينة‏.‏

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى