عبد الكريم العامري - وباء | مسرحية من فصل واحد

شخوص المسرحية

رجل1

رجل2

الطبال


زقاق قديم في مدينة ابتليت بالعمى وتكاد ان تكون مهجورة.. اظلام في العمق.. رجل 1 ورجل2 يمسكان ببعضهما ويمشيان حتى يصلا الى منتصف الزقاق)

رجل1: ما هذا، بين ليلة وضحاها افقد بصري ..انا لا ارى شيئا العتمة تخنقني كيف سادبر اموري..؟

رجل2: لست وحدك في هذا البلاء، كل الناس في المدينة اصيبوا بالعمى يقولون انه وباء..

رجل1: (مستغربا) وباء اصاب الجميع..؟ كيف..؟

رجل1: لا تسألني عن ذلك هو وباء وكفى.. هذا ما سمعته ممن بقي في المدينة..

رجل1: هذا يعني ان كثيرين هاجروا..

رجل2: يبدو ان الامر كذلك لاني لم اسمع صخبا في اسواق المدينة كما كان..

رجل1: لم اكن اشكو من اي مرض ولدي مناعة كافية كيف اصابني الوباء..؟

رجل2: يقولون ان هذا الوباء لن تمنعه اي مناعة ولن تستطيع ان تتفاديه حتى وان كنت في صندوق مغلق..

رجل1: البارحة قبل ان انام كنت ابصر..

رجل2: (ضاحكا) واليوم انت اعمى..!

رجل1:اريد ان ابصر.. لا اريد ان اقضي بقية عمري اعمى..

رجل2: سمعت ان هناك رجلا في المدينة يحاول ان يخلصنا من هذا الوباء..

رجل1: كيف وقد فقدنا البصر..؟

رجل2: هو يعمل في دائرة الابحاث وعنده مفاتيح كل شيء..

رجل1: هل اصابه الوباء هو الاخر..

رجل2: لا.. سمعت انه الوحيد الذي لم يصبه الوباء..

رجل1: كيف لم يصبه..؟ الم تقل ان هذا الوباء لن توقفه اي مناعة..؟

رجل2: لا ادري كيف..! هذا ما سمعته من الناس وانت تعرف في مثل هذه الظروف تكثر التكهنات..

رجل1: وماذا سمعت ايضا..؟ اخبرني.. اعطني بصيص امل اكاد ان اختنق..

رجل2: سمعت ايضا انه صنع جهازا يعيدنا الى ما قبل الوباء..

رجل1: ما هذا.؟ انت تضحك على عقلي.. كيف يعاد الزمن؟

رجل2: كل شيء وارد نحن في عصر التكنولوجيا الرقمية..

رجل1: اي تكنولوجيا هذه.. لا اصدق تلك التفاهات..

رجل2: صدقتها او لم تصدقها ما نريده هو ان نتخلص من الوباء اللعين بأي طريقة.. علينا ان نشجع الرجل لا ان نشكك في عمله..

رجل1: لا اشكك في عمله، لكن ما تقوله لا يدخل في العقل..

رجل2: كل شيء جائز.. هل كنت ستصدق انهم استطاعوا ان يستنسخوا حيوانا..؟ واستطاعوا ان يصوروا المريخ..؟

رجل1: تلك امور تختلف عن اعادة الزمن الى الوراء لا يمكن لاحد ان يعيد الزمن .. ما راح راح وانقضى الامر.

رجل2: لماذا نتحاجج بهذا الامر، ما نريده نحن هو ان نتخلص من الوباء وباي طريقة..

رجل1: حسنا، حسنا.. لو افترض واقتنعت بما سمعته واعادنا ذلك الجهاز المزعوم الى العصر الحجري ما الذي سنفعله وكيف سنعيش..

رجل2: (ضاحكا) جميل جدا، سنعود الى اصولنا.. ربما ستكون انت انكيدو وانا جلجامش..(يضحك)

رجل1: انت تسخر مني..

رجل2: بل قل يضحكني تفكيرك.. انا اتحدث مع رجل متعلم، انت مدرس تاريخ وكنت تحدثنا في جلساتنا عن عشبة الخلود التي ضيعها جلجامش وكنا نصدقك..بربك، هل هناك عشبة في العالم تجعلك خالدا..؟

رجل1: هذا ما يقوله التاريخ وليس انا..

رجل2: اذن هو نفس الامر، لو فرضنا اننا نصدق حكاية جلجامش فلم لا نصدق حكاية الرجل الباحث..؟

رجل1: قلت لك تلك حكاية من التاريخ.. وهذا فعل لابد من وجود قرائن لاثبات نجاحه.. العودة بالزمن امر صعب تحقيقه..

رجل2: ما زلت غير مقتنع.. اذن ابق في عميك وانس ما قلته لك..

رجل1: لكني اريد ان ابصر..!

رجل2: ادعو ربك ان يبصرك.. ربما ينفعك الدعاء..

رجل1: وهل يصل الدعاء في مدينة كهذه..؟

رجل2: لم لا يصل..؟ ما بها هذه المدينة كل شوارعها نظيفة..

رجل1: وماذا عن النفوس الوسخة.. هل ينفع معها الدعاء..؟

رجل2: والله حيّرتني معك.. وتريد ان تبصر.. ما الذي افعله لك..ها انذا راض بحالي ولا اتذمر لاني لست الوحيد الذي اصابني الوباء..

رجل1: هذا ليس وباء.. هذه مؤامرة..!

رجل2: (يضحك) دخلنا في العميق.. مؤامرة؟ اتقول مؤامرة..؟ لمصلحة من تلك المؤامرة..؟

رجل1: تعرفهم جيدا.. اولئك الذين لم يصبهم الوباء.. في بروجهم العالية يراقبوننا يتجسسون على افعالنا يحبسون عنا الهواء ويحاولون ان يقتادوننا حيثما شاؤوا..

رجل2: لا تجعل من الحبة قبة.. خذ الامور على بساطتها..

رجل1: على بساطتها وانا لا ابصر شيئا.. الظلمة تخنقني.. المكان يقلقني.. كل شيء هنا يقلقني..

رجل2: يا رجل اصبر.. الصبر جميل..

رجل1: اي جمال تتحدث عنه..؟ لا ارى جمالا ولن اراه ابدا..

رجل2: ستراه حتما.. قلت لك اصبر.. لا تستعجل قدرك..

رجل1: هو من استعجلني .. هذا القدر!

رجل2: اذن، ارض بما انت فيه وستفرج..

رجل1: قبل العمى كنا ننتظر الفرج وبعده ايضا.. ياله من حظ عاثر..

(يدخل الطبال)

الطبال: يا للشؤم كيف ساحضر الحفل وانا لا ارى شيئا ما الذي سيقوله عني المحتفلون.. لم تجدوا عازفا الا هذا الاعمى..يا لحظي الاسود اذا اعتذرت سيطالبونني بالمبلغ الذي صرفته..

رجل2 الى رجل1: أرايت.. لست وحدك الجميع هكذا..

الطبال: (ينتبه لصوت رجل2) هل من احد هنا.. سمعت صوتا..من هنا؟

رجل2: نحن معك ايها الطبال..

الطبال: (مندهشا) ها.. هل تعرفني..؟ كيف عرفت انني طبال.. هل رأيت الطبل الذي في يدي..؟

رجل2: ومن لا يعرف صوت الطبال.. انت طبال المدينة الوحيد وشخصية عامة كيف لا اعرفك..

الطبال: صوت..؟ قلت صوت..؟ هذا يعني انك لم ترني..

رجل2: انا مثلك تماما.. ما اصابك اصابني واصاب كل الناس..

الطبال: حقا..؟ كل الناس عميان..! هل هي لعنة نزلت بنا..

رجل2: ليست لعنة.. هذا وباء..

الطبال: اي وباء يفقدنا البصر..

رجل2: انا مدرس تاريخ ولست طبيبا.. من اين اعرف هذا الوباء..

الطبال: قلت مدرس تاريخ..؟

رجل2: هل انت اصم ايضا..؟ نعم انا مدرس تاريخ..

الطبال: مدرس تاريخ..حسنا يا سيدي اسألك هل في تاريخك امة من الامم مر بها هذا الوباء..؟

رجل2: كثير من الامم اصيبت بالعمى لكن ليس كمثل الذي اصبنا به..

الطبال: هذا يعني اننا مميزون..

رجل2: مميزون بكل شيء.. بالكذب والنفاق والعمى ايضا..

الطبال: نحن لا نكذب ولا ننافق..

رجل2: لكنكم تطبلون لهذا وذاك..تطبلون لكل جزار..

الطبال: اللحوم الحمراء تغرينا..لم لا نطبل للجزار وهو يشبعنا..

رجل2: يشبعكم ذلا وقهرا..

الطبال: يبدو انك تخوض بالمكان الخطير.. الجزار الذي تقصده ليس الجزار الذي قصدته انا..الان فهمت..!

رجل2 الى رجل1: أرأيت .. هذا سبب الوباء الذي حل بنا..

الطبال: تتحدث معي..؟

رجل2: ليس معك انا احدث صاحبي..

الطبال: وهل هنا احد غيرنا..اين هو ..انا لم اره..!

رجل2: يبدو انك للآن لم تصدق انك اعمى.. تحدث يا صاحبي قل له انك هنا معنا..

رجل1: يبدون انك ايها الطبال سبب بلائنا..

الطبال: (مستفزا) كنت صامتا طيلة الوقت وعندما نطقت تتهمني بالبلوى. انا مثلكما اصبت بالعمى ..

رجل1: ومن لم يصب به.. يبدو ان هذا الوباء لا يعرف الا الفقراء..

الطبال: ليت العمى وقتيا..سيعود لنا البصر غدا او بعد غد..

رجل2: اتعرفان لم لا نبصر رغم ان اعيننا مفتوحة..

الطبال: قل لنا بربك يا مدرس التاريخ لم لا نبصر..

رجل2: حين يرى الرب ان لا فائدة من تلك الاعين يطمسها.. كنا نرى كل ما يغضبه ونرضى جلبنا لأنفسنا البلوى بأيدينا وصرنا نندب حظنا..

رجل1: الرب لا يطمس ما صنعه ما قلته ليس صحيحا..

رجل2: واذا بقينا على حالنا دون ان نصلح ما فسد سيوقف ايدينا وارجلنا ومشاعرنا ايضا..

الطبال: ليطمس اي شيء الا الايدي.. انا استرزق من هذه اليد.. كيف سامسك الطبل .. كيف اطبّل..ظ

رجل2: انت لا يهمك الا الطبل.. طبلت كثيرا ما الذي تغيّر..ظ

الطبال: اسأل الناس كم مرة غيّرت الايقاع وجعلت الرؤوس تهتز..

رجل2: ايقاع طبلك لا ينفع الا اولئك الراقصين..اما الذين يتضورون جوعا فهم لا يسمعونه..

الطبال: انا اعطبل للجميع.. الفن من اجل الجميع..

رجل2: ان لم يحدث الفن تغييرا فلا خير به..

الطبال: تقصد اننا معشر الطبالين سبب هذا البلاء..

رجل2: كلنا نشترك فيه.. كل ذي صاحب لسان ولم ينطق الحق مشترك في هذه البلوى..

الطبال: حسنا يا مدرس التاريخ.. اعدك اني لا اطبل بعد اليوم شرط ان تعيدوا لي بصري..

رجل1: ومن يعيده لك..؟ مدرس التاريخ هذا ما شأنه بعماك..؟ هو مثلك قابع في العتمة.. كلنا مثلك يلفنا الظلام..

الطبال: الى متى يستمر هذا العمى..؟

رجل2: حتى نغير ما بأنفسنا..

الطبال: حسنا هذا جيد..ساغير ملابسي وقصة شعري واطلق لحيتي وشاربي..

رجل2: وهل ترى هذا تغييرا..؟ التغيير ايها الطبال ليس بالملبس وقصة الشعر، التغيير لا يحدث اثرا الا اذا كان بالقلوب والانفس..

الطبال: وهل اجري جراحة لقلبي..

رجل2: جهلكم هذا جعل كل من هب ودب ان يسيطر على مصائركم..

الطبال: تقصد الحكومة..؟ ها.. الحكومة.. قلها ولا تستحي.. تريدني ان اشترك في تغيير الحكومة.. انقلاب يعني.. نذيع به البيان رقم 1 (يصمت قليلا) لماذا هو البيان رقم 1 لم لا يكون البيان رقم 5 لاننا شهدنا اربعة انقلابات من قبل ..؟

رجل2: لم تعد الانقلابات تنفع.. الرؤوس كثيرة ومن الصعب جمعها في سلة واحدة..

الطبال: بدأت اشك فيك أنت لست اعمى، انت مبصر وتريد ان تزحلقني للمعتقل..

رجل2: قبل ان ترى في عينيك ابصر في قلبك.. اجعله مجسا تستطيع ان ترى ما ينفع الناس..

الطبال: ألم اقل لك.. انت مبصر..

رجل1: حقا ما يقوله هذا الطبال..؟! هل انت مبصر..؟ وتحدثني عن رجل الابحاث وجهاز اعادة الزمن الى الوراء وصدقت انا المسكين خزعبلاتك..

رجل2: نعم، انا مبصر بقلبي لاني اعرف حقيقة ما يحدث.. كونا مثلي، ليكن قلباكما مبصران واطلقا سراح عقليكما من عفونة ما انتم فيه.. انتفضا على نفسيكما ولا تصفقا الا لمن يستحق.. انصفا بلدا ما زال يغط في العتمة اخرجاه الى النور حينها ستعرفان قيمة ان تكونا مبصران.


اظلام

ستار


12 نيسان 2018

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى