عبد الكريم العامري - مسرحية قطع غيار

( هل يعقل ان نكون قطع غيار للاخرين..؟)


شخوص المسرحية :

1- الرجل – في الخمسينيات من عمره

2- المرأة – في الاربعينيات من عمرها



المكان: منزل بسيط في منطقة منعزلة بأطراف المدينة، ثمة نافذة، وباب بالقرب منها، فيما وضعت منضدة فوقها راديو وأمامها كرسي وسط المكان.

الرجل الخمسيني يجلس وحيداً في المنزل بينما يسمع صوت عاصفة قوية في الخارج، الريح تحرك ستارة النافذة، ينهض الرجل من مكانه باتجاه النافذة ليغلقها..
الرجل: يا لك من نافذة لعينة، تبدين مثل مغرمة بالريح كلما أوصدتك تنفتحين، منذ يومين والعاصفة لم تهدأ.. ستجعلني سجين المنزل حتى تتوقف.. (يذهب نحو الباب يفتحه وينظر الى الخارج ثم يغلقه) العاصفة تشتد وتزداد عنفا، اقتلعت الشجرة التي قضيت سنينا في رعايتها وخربت حديقتي التي كنت أقضي ساعات العصر فيها.. متى تنتهي العاصفة..؟ حتى وان انتهت من اين لي القدرة على اعادة اعمار ما خربته العاصفة.. (يذهب حيث الراديو يحاول أن يلتقط محطة اذاعية لكنه لم يفلح) ياااه، حتى الاذاعات غيبتها العاصفة، اللعنة، الآن صرت منقطعا تماما عن العالم، أي عاصفة هذه وأي بلاء..؟ لا يمكن أن أكون محاصرا بين أربعة جدران، لا بد من الذهاب الى السوق لجلب الوقود والقوت.. (يذهب نحو النافذة، يزيح الستارة قليلا وينظر الى الخارج) لم تهدأ.. ما زالت في أوجها.. يبدو أني سابقى حبيس المكان لبضعة أيام، سأبقى وحيداً في المنزل (يضحك) هذا يذكرني بفيلم قديم،
Home Alone للممثل ماكولي كولكين، الذي يلعب دور كيفن مكاليستر، سأكون مثله، الفرق الوحيد أنه كان في الثامنة وأنا تجاوزت الخمسين من عمري، هو لديه عائلة وانا.....(يصمت) لا يهم، بدأت اهذي واستذكر افلام الأمس.. أنا الآن في اقامة جبرية فرضتها علي ارادة العاصفة، بل هذا سجن اجباري.. الطبيعة أحيانا تجبرك على تغيير مسارات حياتك، ربما هو أمر جيد لأنها تخرجك من نمطية العيش.. (يجلس على الكرسي وهو يحدق بالراديو) هذا كان جليسي في ليال طويلة، عرفت كل المذيعين والمذيعات، أحياناً أطلق العنان لخيالي لأرسم صورة مذيعة الأخبار، شابة بفم كحب الرمان، وحاجب كالهلال، وعينين ناعستين تحدقان بحروف الخبر..مرات اتخيل المذيع، أحاول أن اعيد صورته في خيالي، من صوته يبدو رجلا ضخماً بشاربين كثين يختلف عن المذيع الآخر الذي يقدم البرامج الصباحية أتخيله قريبا من الأنثى وهو يلوك كلماته..الحقيقة كان كل أولئك يؤنسونني في هذا المكان المنعزل.. آسف جدا لأني ثرثرت كثيراً، في مكان منعزل عن العالم تحلو الثرثرة، ولعلمكم، الثرثرة ليست بالأمر السيء خاصة في مثل حالتي على الأقل استطيع الآن أن اعيد تاثيث أفكاري، وأنظم حساباتي..

(ينهض من كرسيه مقتربا من جدار وضعت فيه صور له بأماكن مختلفة) لم تكن حياتي مثيرة لمن لا يعرفني، أبدو كرجل بسيط أليس كذلك..؟ ربما وجهي مألوف لبعضكم ذلك لأني عشت في أماكن كثيرة قبل أن أنزوي في هذا المكان البعيد عن المدينة.. جرّبت عددا من المهن، في شبابي كنت بحارا قضيت عقدين من عمري في البحر، زرت عواصم ومدنا لم يزرها غيري، تعرفت على أناس كثيرين، أحببت البحر كثيرا لكنه لم يحببني يوما، البحر لا يعرف صديقا، أكل احلام كثيرين وكدت اكون واحدا من أولئك الذين ابتلعهم البحر، كانت ليلة ليلاء بعاصفة كهذه حملت سفينتنا الى اعلى ثم ألقت بها بعنف وتناثرنا ما بين الموج، القدر وحده اخرجني من تلك المحنة، عندها كرهته، كرهت البحر ولم أعد اليه ثانية.. هكذا رجعت للبر واشتغلت بالتجارة، تجارة المواد الغذائية، بدأت مثل كل تجار البلاد صغيرا ثم كبرت تجارتي في أيام القحط، صرت بين ليلة وضحاها سيد السوق وعرابها، كانت سوقا سوداء لكنها ليست سوداء بالنسبة لي ما دامت تدر علي بالمال، كانت ابيض من القطن، حصلت فيهاعلى أموال طائلة، وهكذا وجدتني سجينا في دائرة المال، كل شيء في حياتي كان المال، لم اهتم لنفسي قدر اهتمامي بالمال، المال يأتي بالسعادة مثلما كان يقول أبي قبل ان انخرط بالاكاديمية البحرية، المال يأتي بالسعادة، بالمال تستطيع ان تشتري كل شيء، العقارات والسيارات وذمم الناس أيضا، اشتريت الناس بمالي وكنت أظن أن الرياح تجري كما تشتهي السفن، لكنه القدر هذه المرة قادني للأفلاس، هبطت اسعار السوق هبوطا حادا، هبطت معه احلامي في تأسيس امبراطوريتي، خسرت كل شيء، المال الذي يأتي بالسعادة والناس أيضا.. كل من كان حولي فلت مني، الذين كانوا يسبحون بحمدي هربوا، صرت وحيدا امام فكوك الدائنين، لم يكن أمامي الا الهروب، الهروب بعيدا وتغيير اسمي، صرت أهيم من مدينة الى أخرى حتى استقر بي الحال في شمال البلاد، هناك، كان القدر أيضا في مواجهتي، اشتعلت الحرب بين فصيلين متناحرين على ادارة المنطقة، في البدء لم أكن طرفا في تلك الحرب حتى قذف بي القدر الى آتونها، صرت طرفا فيها مقابل حفنة من الدولارات، قاتلت ضمن فصيل لا أعرف الا اسماءهم، أنا البحار السابق والتاجر الهارب صرت مقاتلا أحمل بندقية وبضع رصاصات، أصبت بطلق ناري في ساقي وكانت آخر لحظاتي مع تلك الحرب التي لا ناقة ولا جمل لي فيها.. (يصمت قليلا ثم الى الجمهور) ألم أقل لكم أن حياتي لم تكن بسيطة، حياتي عبارة عن عواصف متتالية وقدر يتبعني أينما حللت، القدر الذي حاولت أن أتجنبه يباغتني في صور مختلفة، قدري الذي لا استطيع الإفلات منه.. (صوت العاصفة يزداد، طرقات على الباب) العاصفة تطرق بابي لم يكفها الفضاء الواسع لتدخل بيتي.. (الطرقات تزداد على الباب) لا..هذه ليست طرقات العاصفة، من تراه يطرق بابي في هذه الساعة النحس..؟

(يقترب من الباب) من الطارق..؟ (يصمت قليلا والطرقات تستمر) من في الخارج..؟ (الطرقات تستمر وتستمر، يفتح الباب وتنسل الإمرأة بسرعة الى الداخل، الرجل ينظر لها بدهشة)

الرجل: أنت..أنت ما الذي تفعلينه..؟

المرأة: ساعدني يا رجل، لا مكان ألجأ اليه الا منزلك..

الرجل: لا أحد هنا غيري ..

المرأة: لا يهم..

الرجل: وماذا سيقولون عنا..؟

المرأة: لم أر منزلا في الجوار، منزلك في مكان منعزل..

الرجل: أحب أن أبقى بعيدا عن الناس..

المرأة: خير ما فعلت لا يأتي من الناس الا المشاكل..

الرجل: كيف ستبقين مع رجل عازب..

المرأة لليلة واحدة أو اثنتين الى أن تهدأ العاصفة..

الرجل: ربما تستمر العاصفة الى نهاية الشتاء..

المرأة: قلت لك حين تهدأ العاصفة سأرحل (تجلس على الكرسي، تحدق في المنزل) منزلك جميل يا سيد..

الرجل: عبد الجبار، اسمي عبد الجبار..

المرأة: عاشت الأسامي، تشرفت بك..

الرجل: عمري 57 عاماً، لم اتزوج قط..

المرأة: (تبتسم) لك طول العمر يا سيد عبد الجبار ..

الرجل: ها...أردت أن تسألينني لماذا لم أتزوج رغم أن عمري تجاوز الخمسين، حسنا سيدتي، فأنا رجل مزاجي لم تدخل أية أمرأة في مزاجي..

المرأة: (ضاحكة) وأين ستجد المرأة التي تدخل مزاجك ما دمت سجينا في هذا المنزل المنعزل..

الرجل: لم أكن هنا من قبل، كنت بحارا، زرت بلدانا كثيرة، ذهبت الى الصين واسبانيا وايطاليا وزرت الدول الإفريقية ايضا..

المرأة: ولم تدخل امرأة في مزاجك...ها..؟

الرجل: كلهن لم يدخلن مزاجي..

المرأة: رجل غريب..!

الرجل: وأنت إمرأة غريبة، تدخلين منزلي وتستجوبينني بطريقة استفزازية..

المرأة: (ضاحكة) لم استفزك..أنت من بدأ الحديث..

الرجل: وأنت من اقتحمت منزلي..

المرأة: وتسميه اقتحاما، أنت فتحت لي الباب، لم يكن امامي الا منزلك، دخلته ولم أعلم ان فيه رجلا عازبا..

الرجل: وماذا كنت تظنين..؟

المرأة: كنت أظن أني سأرى فيه عائلة، اطفال ونساء..

الرجل: وأي عائلة تعيش في هذا المكان المنعزل..؟

المرأة: لا يهم المكان ما دانت السعادة هي الهدف..

الرجل: وهل وجدتيني سعيدا..؟

المرأة: لا أعنيك أنت، أنا أعني العائلة وأنت فرد بلا عائلة..

الرجل: مقطوع من شجرة..؟

المرأة: لو لم تكن مقطوعا من شجرة لما رميت نفسك في هذا المكان..

الرجل: وأنت...ما الذي جاء بك الى هذا المكان المنعزل..؟

المرأة: (لا تجيب، تتحرك نحو النافذة وتنظر الى خارجها)

الرجل: (مستغربا) لم تجيبينني، ما الذي يخيفك..؟

المرأة: ما الذي يجعلك ان تظنني خائفة..؟

الرجل: أمرك غريب..اسالك سؤالا وتجيبينني بآخر..

المرأة: لأن اسئلتك بلا مفاتيح، مثل حياتك، أراها هائمة بلا مستقر، تبتعد عن الناس دون سبب وتتخذ منزلا في اطراف المدينة..(تصمت قليلا) لماذا أنت هنا..؟ ما الذي يبعدك عن الناس لتعيش وحيدا، ألا تؤلمك الوحدة..؟ كيف تقضي وقتك بين اربعة جدران دون انيس..؟

الرجل: (يحاول منعها عن الكلام) توقفي..توقفي..أنت تمطرينني بالأسئلة ..ما بك..؟ اعطي نفسك فرصة للتنفس..

المرأة: (تنظر له بدهشة)

الرجل: رضيت بوجودك هنا على مضض، قبلت أن تدخلي الى منزلي، لكني لا اتحمل أسئلتك الغبية..من قال لك أني وحيد في المنزل، لست وحيدا، معي كل تلك الأمتعة وألأثاث، معي ذاك الراديو، معي تلك الصور..مع هذا الكرسي والمنضدة..كل هذا وتعتبرينني وحيدا..

المرأة: (صامتة)

الرجل: بعت نصف عمري للآخرين، اعطيتهم سنوات شبابي، اعطيتهم قوتي، ما الذي اعطوني..؟ قولي لي، ما الذي اعطوني غير القلق والكوابيس..

المرأة: (ما زالت تحدق به)

الرجل: وتأتينني أنت في آخرة النهار لتفتقي ذاكرتي وتنبشي فيها بأسئلة لا جدوى منها.. تسألين وتسألين ولا تتوقف اسئلتك (يصمت قليلا) لكنه ليس ذنبك، بل هو ذنبي لحظة فتحت لك الباب وسمحت لك بالدخول..

المرأة: (بعصبية) غاضب أنت لأنك فتحت لي الباب..

الرجل: لست غاضبا من هذا..

المرأة: ألم أقل لك أنك رجل غريب..

الرجل: أتذكر ما قلتيه، لا حاجة باعادته..

المرأة: (تنهض وتتمشى في المكان) غريب لأنك تخاطب امرأة بخشونة بدلا من أن تمنح مشاعرك فرصة للتعبير، لوكنت بمكانك أقصد لو كنت رجلا لما تصرفت كما تتصرف معي أنت..

الرجل: (ينظر لها مستغربا)

المرأة: ربما هي المرة الأولى التي تدخل بيتك امرأة، وستكون المرة الأخيرة ان كانت تصرفاتك هكذا..

الرجل: وكيف تريدينني أن أتصرف..؟

المرأة: فكرة رائعة..! لنتبادل الأمكنة والشخصيات، أنا رجل وانت امرأة..

الرجل: يا الله، ما هذا..أتريدينني أن اصبح امرأة..؟

المرأة: (بسخرية) أيها الشرقي المتعجرف، ما الذي يحدث لو اصبحت امرأة لساعة واحدة..؟

الرجل: فكرتك لا تروقني..

المرأة: ليست سوى فكرة، ننفذها، لا يراها أحد ولا يسمعها غيرنا.. نجربها لترى الفرق..

الرجل: أي فرق اكثر من هذا..(يشير الى جسده وجسدها) أنا رجل وانت امرأة..

المرأة: قلت نتبادل الأدوار..

الرجل: وقلت لا يمكن أن يحدث هذا، كيف تريدينني أن أصبح امرأة..

المرأة: لساعة واحدة..

الرجل: ولا لدقيقة واحدة..

المرأة: أرأيت، ها أنت ذا تتهرب مني ومن فكرتي..

الرجل: فكرتك سخيفة، ما الذي ساجني منها..؟

المرأة: على الأقل ستقتنع أن تصرفك معي ما كان لائقا..

الرجل: عدنا ثانية للإهانة.. (محذرا) تذكري أنك في منزلي..

المرأة: لم يعد منزلك وحدك..أنا معك.

الرجل: يا الله، أتريدين أن تشاركينني المنزل أيضا، أي مصيبة أنت..؟

المرأة: (ضاحكة)

الرجل: وتضحكين..؟

المرأة: لأنك وصفتني بالمصيبة..أنا مصيبة.؟ وهل هناك مصيبة أجمل مني..؟ قوام ممشوق ووجه جميل..هل هو مصيبة.؟

الرجل: (يضحك)

المرأة: ها أنت ذا تضحك..

الرجل: اضحك لني لم أنصف الوجه الجميل والقوام الممشوق (يضحك) ولم يكن تصرفي لائقا..

المرأة: أنت تسخر مني أم هذا اعتراف منك بخطأك..

الرجل: لا هذا ولا ذاك..

المرأة: حيّرتني يا رجل.. ما هذا، من أي مادة خلقت..كانك زئبق لا يمكن الامساك بك..

الرجل: (ضاحكا) ها آنذا أمامك، امسكي بي كما تشائين، هاك يدي امسكيها لتتأكدي بأني لست زئبقا..

المرأة: (ساخرة) ما شاء الله دمك خفيف..أنت تضحك أيضا وتتندر (تقترب منه وتهمس به) وفّر تندرك للقادم من أحداث..

الرجل: (يبتعد عنها) وهل هناك ما هو أغرب من وجودك معي..؟

المرأة: تضرّع الى الله أن لا يجدوا مخبأك هذا أقصد منزلك..

الرجل: (ينظر لها ثم يتقدم نحوها)

المرأة: أوصد الباب جيدا والنوافذ..كانوا يطاردونني لولا العاصفة لسقطت بأيديهم..

الرجل: أهاربة أنت من اهلك..؟

المرأة: لا أهل لي، عشت طفولتي في ملجأ ..

الرجل: لماذا الهروب اذن..؟ ألم تكن حياتك في الملجأ سعيدة..؟

المرأة: من يعيش في ملجأ للأيتام كيف يكون سعيدا..لم يكن ملجأ كان معتقلا ووعاء لتفريغ شهواتهم ونزواتهم والحصول على متعهم ينتقون ما طاب لهم من أجساد ثم يبيعونها كالأغنام الى تجار البشر..

الرجل: (يكاد أن لا يصدقها) أنت تكذبين صح..

المرأة: ما فائدة الكذب على رجل لا اعرفه..

الرجل: أين هو القانون..؟ لماذا لم تلجأي للشرطة..؟

المرأة: القانون.. هو كذبة، القانون لهم وليس لامراة ضعيفة مثلي..

الرجل: وما العمل الآن..

المرأة: اغلق الباب جيدا..

الرجل: ها أنت ذا تورطيني في امر لا علاقة لي به..

المرأة: أنا بحاجة الى رجل يحميني..

الرجل: جئت للرجل الخطأ..لا مكان لك هنا..

المرأة: أتطرد امرأة تستنجد بك..؟ اين مروءتك ورجولتك..؟

الرجل: لا مروءة مع الخطر، أن تضعينني في فك الخطر، ما اتخذت هذا المكان سكنا الا لكي ابتعد عن المشاكل..

المرأة: أي بشر أنت.. أخبرني أين رجولتك ايها الشرقي المتعجرف، ألم تقل لي من قبل أنك رجل ولا يليق بك أن تكون امرأة لدقيقة واحدة..؟ لقد خيّبت ظني..

الرجل: وما كان ظنك بي.. تأتينني بكل مصائبك وتريدينني أن أوافقك على كل شيء، لا أعرف أي مصيبة ارتكبتيها لتقنعينني بأنك مطاردة من قبل تجار البشر، أي تجارة تلك والبلاد مليئة بالقوادين والعاهرات ..اذا كنت صادقة فيما تقولين كان بامكان مطارديك الحصول على اجمل النساء في اماكن كثيرة دون ان يكلفوا انفسهم بالبحث عنك ومطاردتك، اذا كنت تظنينني ساذجا فأنت واهمة، فقد خبرت النساء وعرفت أساليبهن في استدراج الرجال والايقاع بهم..

المرأة: (تصرخ به) اصمت...اصمت يا رجل.. أتظنني جئت لاستدرجك وأوقع بك..ومن تكون انت..؟

(صوت رعد قوي وعاصفة في الخارج)

المرأة: ما انت الا نقطة سوداء في هذا المكان المهجور، كائن أكل الدهر عليه وشرب ولم يعد قادرا على مواجهة الناس.. من انت بحق السماء، اقنعني بانك بشر، اقنعني بانك تمتلك المشاعر والاحاسيس ، اقنعني بأنك لست قطعة من نفايات الزمان..

الرجل: عليك ان تقنعينني أنت أولا أن أولئك الناس مغرمون بك حد الخروج في العاصفة والبحث عنك..

المرأة: ليتهم ياتون لترى كيف يلقمون فمك ترابا عندها لا ينفع البكاء على حليب مسكوب..

الرجل: (يذهب حيث النافذة وينظر الى الخارج ، يلتفت نحوها) تعالي انظري..

المرأة: (تركض نحو النافذة وتنظر بحذر) ذاك واحد منهم ( تركض الى الداخل) اغلق النافذة وابتعد عنها..

الرجل: (يغلق النافذة ويقترب من المرأة) ماذا لو طرق الباب..؟

المرأة: دعهم يطرقونه ولا تفتح لهم ربما سيظنون ان المكان مهجور..

الرجل: (متذمرا) يا لها من ورطة أخرى..كيف سنخرج منها..؟

المرأة: ألديك حل..؟

الرجل: أنت من ادخلني لهذا الشرك وعليك اخراجي بسلام..

المرأة: (تفكر) هل لديك قبو نختبئ فيه..

الرجل: اختبئ وانا في منزلي..؟ يا الله، ما هذا..؟

المرأة: لا بد من الاختباء..هل لديك حل آخر..؟

الرجل: لست مجبرا على مساعدتك ان جاءوا اسلمك لهم واخلص من المشاكل..

المرأة: وهل تظن انك ستتخلص مني بهذه الطريقة المبتذلة..؟

الرجل: هم يريدونك انت ولست أنا..

المرأة: لكنهم سيضطرون لمسح آثار الجريمة وهذا قد يجعلهم ان يفكروا بقتلك او اختطافك..

الرجل: انت ورطة حقيقية..

المرأة: جد لنا مكانا نختبئ فيه..

الرجل: لا يوجد أي مكان للاختباء، لم افكر يوما اني سأختبئ لهذا كل شيء في منزلي واضح..

المرأة: انت تعقد الامر..

الرجل: انت من عقّدت حياتي وغيرتيها، أي قدر رماك علي..

المرأة: لا وقت لديك للندم، هم قادمون، سيقطعون اعضاءك عضوا عضوا ويبيعونها..

الرجل: يبعون اعضائي..؟ وهل بقي فيّ عضو يصلح للبيع..؟

المرأة: قلبك وكليتاك وعينك وربما هناك عضو صالح آخر تحت ثيابك..

الرجل: (بسخرية) اطمأني متوقف منذ سنوات..!

المرأة: (تنظر له بشفقة) كلهم يقولون هذا لكن ساعتها يتعنترون ويشتد بأسهم..

الرجل: (يذهب حيث النافذة ، ينظر الى الخارج)

المرأة: هل ما زال هناك..

الرجل: صاروا اثنين..

المرأة: سيتكاثرون ان لم تطردهم العاصفة..لقد انتهينا..

الرجل: واخيرا تستسلمين..

المرأة: لانك لم تجد حلا..

الرجل: سينزل المطر غزيرا استغلي الفرصة واخرجي دون ان يرونك..

المرأة: قدماي لا تعينانني، الا تراها تنزف دما (ترفع ثوبها) تعال تفحصها..

الرجل: (ينظر لساقيها) لدي هنا ضماد..

المرأة: (بغنج) أنا انزف..سأموت في منزلك..

الرجل: لن تموتين (يذهب حيث صندوق الاسعافات الاولية يخرج ضمادا وعلبة دواء يتقدم نحوها ويمسك ساقها يحاول شد الضماد) لا بأس عليك ستكونين بخير..

المرأة: هل انا بخير حقا..

الرجل: جرح بسيط سببته لك بعض الاشواك..لا بد من تنظيف ما علق بساقيك من اشواك..

المرأة: نظفها يا رجل..(تمد ساقها امام وجهه)

الرجل: (يتأمل الساقين، يقوم بمسحها)

المراة: (تغمض عينيها)

الرجل: (ينظر لها) ما بك...هل آلمك..؟

المراة: (بغنج) يداك يا رجل..

الرجل: ما بهما..؟

المرأة: باردتان..لم ار يدين ناعمتين وباردتين كيديك..

الرجل: (يبعد يديه بقوة)

المرأة: لماذا توقفت..استمر، استمر يا رجل..دلكهما لي، اشعر بالتعب..

الرجل: (ينهض) لقد انتهيت..ليس سوى جرح بسيط لا يستدعي القلق..

المرأة: (بغنج) لكني قلقة..(تقف امامه وتنظر في عينيه) عيناك براقتان..

الرجل: (يبعدها بقوة) من انت بحق السماء...؟

المرأة: (تقترب منه حتى تكاد ان تلتصق به وتهمس في اذنه) قلت لك..أنا قدرك..

الرجل: (يبعدها) انت تتلاعبين بي..ما الذي تريدينه مني. من ارسلك لي.. (يمسكها بقوة) كل ما قلتيه لي كذب في كذب..صح.. كله كذب أليس كذلك..؟ لم يطاردك احد..لم تهربي من مأوى الايتام..صح.. كل ما قلتيه كان كذبا أليس كذلك.. حتى اولئك الذين هم في الخارج ليسوا حقيقة.. كانوا وهما انظري (يذهب الى النافذة) لا احد هناك، اين ذهبوا. لم يكونوا حقيقة أليس كذلك ..لا تصمتي..تكلمي..اخبريني من تكونين. لماذا انت هنا..

(صوت رعد قوي وبرق يملأ المكان ويشتد صوت العاصفة)

الرجل: من أنت بحق السماء...من أنت..

(الضوء في الداخل يأتي متقطعا.. اظلام تام مع صوت العاصفة)

الرجل: (لوحده بينما تغيب المرأة ويسمع فقط صوتها)

صوت المرأة: انا قدرك...انا قدرك..(تضحك) انا قدرك..

الرجل: (يضع يديه على اذنيه) قدر لا يحمل الا القلق. اغربي عن وجهي عليك اللعنة..

(موسيقى تتصاعد مع صوت الريح ثم تسود حالة صمت، الرجل ساقطا على الأرض. ينهض، ينظر في المكان ولا يجد أحداً، يذهب حيث النافذة ينظر الى الخارج ومن ثم يركض نحو الباب يفتحه وينظر الى الخارج. يغلق الباب، يتقدم نحو الكرسي ويجلس، يقلب الراديو. صوت المرأة ينبعث من الراديو..)

صوت المرأة ينبعث من الراديو: الى جميع المستمعين الكرام، اغلقوا أبوابكم ونوافذكم ولا تفتحوا لغريب.. الغرباء ينسلون من النوافذ والأبواب.. اقداركم بين ايديكم حافظوا على اعضائكم..

الرجل: هذا أنت.. عليك اللعنة. (يرمي الراديو بعيدا)

(اظلام- ستار)

1-6-2016 البصرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى