كاهنة عباس - عن خفايا الوحدة

لقد نزل الإنسان إلى هذا العالم، فقيرا ضعيفا عاجزا ، فلم يكن بدّا من وصف حالته تلك إلا رجوعا إلى العدد أي إلى الواحد دون جمعه .
الوحدة إذا ، هي واقع الإنسان، لذلك كانت فاقدة لأي توصيف ممكن ،ما عدا العدد .
كتب علينا ،أن نولد في الوحدة و نحيا في الوحدة، و نشقى أو نتألم في الوحدة و نسعد في الوحدة ونموت في الوحدة ،لأنها قدرنا ونصيبنا، فما يجمعنا بالآخرين لا يتجاوز الحاجة أو التواصل بواسطة اللغة ،ولئن اختلفت معانيها في ما بيننا .
لكن الوحدة المشتقة من العدد، ليست إلا نقيض الجمع بأن نتكاثر ،فنصبح مجموعة بل مجموعات دون أن تنسجم أفكارنا ومشاعرنا ، فما يقابل عبارة الوحدة لغويا هي الرفقة : أي أن يكون الشخص صحبة الآخرين، أن ينضم إلى الجماعة .
ومن هو هذا الآخر أو الجماعة التي تزيل بوجودها تلك الوحدة أو الإحساس بها ؟ كيف نجتمع بالآخر أو بالجماعة ونحن نجهل من يكونا؟ فهل تكتفي اللغة بوصف الجمع بين الفرد مع غيره من الناس دون تحديد هوية كل منهما ؟
للإجابة عن هذا السؤال، يمكن القول بأن الوحدة صنفان : وحدة الجسد أي العزلة بالابتعاد عن الآخرين ماديا ، ووحدة النفس المنقطعة عن التواصل مع الآخرين فكريا ووجدانيا ،رغم الاقتراب منهم والانضمام إليهم .
والوحدة في الحالة الثانية هي الأكثر انتشارا، لأنها تفترض تلاقي غرباء ،دون دراية منهم بحالة الغربة التي تجتاحهم ....
ما معنى الحب في غياب الوحدة ؟ وما معنى الرحمة والتآزر والتسامح والتعاون والتلاقي والاختلاف لولا الوحدة ؟ ما معنى التواصل واللغة والسلطة والخضوع في غياب الوحدة ؟ما معنى كل ما نشعر به من أحاسيس، لو لم تكن الوحدة هي الأصل لا بتشبيهها بأول الأعداد وهو الواحد فحسب،بل لأن جميع الحالات والوضعيات الأخرى هي صادرة عنها ومنبثقة منها .
أ ما من سبيل بالإقرار بحقيقتها ،بأن الالتجاء إلى الآخر شبيه بالاستنجاد بزورق مثقوب يشق أعماق البحر؟
لا ، لا ، الوحدة لا تعترف بجوهرها حتى لا تتشتت، لذلك تختار الوهم حتى تتحد بالواحد الذي لا جمع معه إلا من جهة الإمكان .

كاهنة عباس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى