إدورد وليم لين - 9 - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل الأول

وملابس أغلب الموسرات من الطبقة الدنيا تتألف من سروال كشنتيان السيدات الراقيات، إلا أنه من أبيض القطن أو الكتان الواحد الشكل؛ وقميص أزرق ن الكتان أو القطن لا يكون بسعة قميص الرجال، يصل إلى القدمين؛ وبرقع أسود من غليظ الكريب؛ وطرحة زرقاء قاتمة من الموصلي أو الكتان. وبعضهن يلبسن فوق القميص أو بدلاً منه ثوباً من الكتان كثوب السيدات الراقيات (شكل 26)، وبعضهن يلبسن قميصاً قصيراً تحت القميص الطويل ويضفن إليه أحياناً صديرياً أو عنترياً. وتشمر أكمام الثوب فوق الرأس حتى لا تضايق الشخص أو لتحل محل الطرحة. وقد يتدثر بعضهن فوق هذه الثياب بمعطف ذي مربعات شطرنجية يشبه الحبرة ويلبس مثلها أو مثل الطرحة ويتكون من قطعتين من القطن المنسوج أشكالاً مربعة زرقاء وبيضاء، أو خطوطاً متشابكة تصبغ أطرافه بصبغ أحمر. ويسمى (ملاية) (شكل رقم 27). ويزين أعلى البرقع بلآلي زائفة، وقطع صغيرة من النقود الذهبية، وبعض الحلي الذهبية الصغيرة المسماة (برق) وأحياناً بخرزة من المرجان تحتها قطعة من النقود الفضية وبعض النقود الذهبية وغالباً بحبات من النحاس أو الفضة تسمى (عيون) تعلق في الأطراف (شكل رقم 28). وتلف الرأس بمنديل أسود يسمى (عصبة) بحاشية حمراء وصفراء، يطوى منحرفاً ويعقد عقدة واحدة من الخلف (شكل رقم 29). وقد يلبس الطربوش والفاروديه بدلاً من العصبة. وأحس الأحذية التي ينتعلها نساء الرعاع تكون من الجلد الأحمر المراكشي المنثني الطرف ولكن يغلب أن يكون طرفها مستديراً. والبرقع والنعال شائعا الاستعمال في القاهرة والوجه البحري. أ في الصعيد فقلما يستعملان وعند الضرورة يستبدل بالبرقع إسدال الطرحة على الوجه. والملاحظ أن نساء الطبقات السفلى حتى في العاصمة لا يتنقبن. والثياب الشائعة في معظم القطر المصري هي القميص الأزرق أي الثوب، والطرحة. أما في أقاليم الصعيد الأقصى، وعلى الأخص ما فوق مدينة أخميم، فأغلب نسائها يتغطين بقطعة من الصوف الأسمر القاتم تسمى (هلالية) تلف حول الجسم وتضم أطرافها فوق الكتفين (شكل رقم 30) وتستعمل قطعة مثلها كطرحة. وهذا الثوب القاتم اللون بالرغم من جماله يشوه هيئتهم كالوشم الأزرق الذي يرسمنه على شفاههن. والكثير من نساء الطبقة الدنيا يتحلين بحلي زائفة مختلفة من أقراط وعقود وأساور ومن خزام الأنف أحياناً، وبعضها موصوفة ومصورة في ملحق الكتاب.

ويرى المصريات أن واجب تغطية الرأس وما خلفه أولى من تغطية الوجه، وحجب الوجه أولى من حجب أكثر أجزاء الجسم. وكثيراً ما رأيت في هذا البلد نساء لا تكاد تسترهن أسمالهن الحقيرة، وأخريات في زهرة الشباب أو في متوسط العمر لا يحملن على أجسادهن غير خرقة ضيقة تشد حول الوركين.

الفص الثاني

الطفولة وتربية الأطفال

يسترشد المسلمون في تربية أطفالهم والاعتناء بهم بأوامر الرسول (صلعم) وتعاليم الأئمة. ومن أول الواجبات عند ولادة الطفل التأذين في أذنه اليمنى، ولا بد أن يكون المؤذن ذكراً. ويقرأ بعضهم الإقامة، وهي تشبه الآذان تقريباً، في الأذن اليسرى. والغرض من ذلك حفظ الطفل من الجن. وقد يتلى للغرض نفسه عبارة: (باسم الرسول وابن عمه علي)

وكانت استشارة المنجمين قبل تسمية الطفل واتباع ما يختارونه له، عادة شائعة في مصر والبلاد الإسلامية الأخرى. وقلما يتبع أحد الآن تلك العادة القديمة فيختار الأب لابنه اسماً من غير احتفال ولا تكلف؛ أما تسمية البنت فتكون عادة باختيار الأم. وكثيراً ما يسمى الأولاد بأسماء الرسول (صلعم) (محمد، أحمد أو مصطفى) أو أهل البيت (علي، حسن، حسين الخ. . .) أو أصحابه الأفاضل (عمر، عثمان، عمر الخ. . .) أو الرسل والأنبياء مثل: (إبراهيم، اسحق، إسماعيل، يعقوب، موسى، داود، سليمان الخ. . .) أو يسمون عبد الله، عبد الرحمن، عبد القادر وما شابه ذلك. . . أما البنات فكثيراً ما يسمين بأسماء نساء الرسول أو ابنته الحبيبة أو غيرهن من نساء عائلته مثل خديجة، عائشة، أمنه، فاطمة، زينب أو يسمين بأسماء تعني محبوبة، مبروكة، نفيسة الخ. . . أو بأسماء الزهور أو أي معنى لطيف آخر.

ولما كان الاسم لا يتحتم توارثه على العموم، فقد جرت العادة أن يميز الشخص بعلم أو أكثر: إما (كنية) مثل (أبو علي)، (ابن أحمد). . . الخ. أو (لقب) مثل (نور الدين)، (الطويل) الخ. . . أو (اسم) يتعلق بالبلد أو المولد أو الأصل أو المذهب أو التجارة أو الحرفة. . . الخ. مثل: الرشيدي، الصباغ، التاجر. وكثيراً ما يتوارث بعض هذه الأعلام وعلى الأخص الألقاب والنسب فتصبح لقب العائلة.

أما ملابس أطفال الطبقتين الوسطى والعليا فهي كملابس الوالدين، ولكنها قذرة غير مهندمة. ويلبس أطفال الفقراء إما قميصاً وطاقية من القطن أو طربوشاً، وإما أن يتركوا عراة حتى سن السابعة أو ما بعد ذلك. وقد لا يصعب عليهم الحصول على خرقة تستر بعض الجسم كما في أغلب القرى. ويلاحظ أن البنات الصغيرات اللاتي لا يملكن إلا قطعة من رث النسيج لا تكفي الجسم والرأس معاً، يفضلن تغطية الرأس، وأحياناً يدفعن الدلال إلى حجب الوجه بفضلة من النسيج بينما يترك الجسم كله مكشوفاً. أما الراقيات في سن الرابعة أو الخامسة، فيلبسن كأمهاتهن النقاب الأبيض. ويحلق رأس الولد، حينما يبلغ الثانية أو الثالثة أو قبل ذلك، وتترك له خصلة في وسط الرأٍس وأخرى فوق الجبهة. وقلما يحلق رأس البنات. ويحمل الأطفال فوق أكتاف أمهاتهم ومربياتهم على هيئة ركوب الخيل، أما إذا كانت المسافة قريبة فيحملون فوق الورك.

لا تظهر الموسرات في تربية أطفالهن تسامحاً زائداً وشفقة مفرطة، ولكن الفقيرات لا يبذلن نحوهم إلا العناية القليلة بقدر ما تقتضيه الطبيعة من الحاجة الضرورية. وقد جعل الشرع تمام الرضاعة حولين كاملين إلا إذا وافق الزوج على غير ذلك، فيفطم الطفل عادة بعد السنة الأولى أو بعد سنة ونصف سنة. وينشأ الطفل - ذكراً أو أنثى - في الأوساط الموسرة، بين جدران الحريم، أو على الأقل داخل المنزل. ويستمر هكذا - تحت رعاية النساء - حتى يعهد به إلى معلم يعلمه القراءة والكتابة كل يوم. ومن المهم ملاحظة أن ما يتعلمه الطفل في الحريم من واجبات الاحترام المشوبة بالعطف والمحبة نحو الوالدين وكبار السن، يهيئه للاتصال بالعالم الخارجي كما سترى بعد قليل.

وكثيراً ما يصطحب النساء أطفالهن عند الخروج للزيارة أو للتنزه؛ فتحمل كل جارية أو خادمة طفلاً أو تجلسه أمامها على الحمار، إذ جرت العادة أن تركب الخادمات مثل سيداتهن الحمير. وكان النساء إذا ركبن الحمير أدلين كل ساق علىجانب ولكن قلما ينعم الأطفال الأغنياء بهذه التسلية الهينة؛ فقد أثر على صحتهم طول الحجاب وشدة العناية وإفراط التغذية؛ فيصبحون لذلك كثيري التقلب، متكبرين، أنانيين. ويندر كذلك أن يشتد نساء الطبقة الوسطى في تربية أطفالهن. ويتوقف تقدير الزوج لزوجه أو تقدير الناس لها إلى درجة كبيرة على كثرة النسل والعناية بالأطفال؛ لأن الشرقيين رجالاً ونساء، أغنياء وفقراء، يعتبرون العقم لعنة وعاراً. ومن الشائن أن يطلق الرجل امرأته بلا سبب ما دامت قد ولدت له طفلاً وما دام الطفل حياً. فالمرأة الولود تكون موضعاً لحب الزوج واحترام الناس، وبيتها يكون مثابة للسرور والإيناس.

(يتبع)

عدلي طاهر نور


مجلة الرسالة - العدد 432

بتاريخ: 13 - 10 - 1941

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى