يوسف القط - مايو قبل يوليو.. قصة قصيرة

الإسكندرية
الترام الأزرق الصاعد إلى محطة مصر ، يئن من حمله البشري . كل شيء فيه يشخشخ كأنه يستغيث ، وكانت الساعة تقترب من الثالثة عندما قفز إلى سلم الترام رجل ملتح ، وراح يحشر نفسه في استماتة وهو يصيح :
ـ هو الله..
وما أن أطلقها مدوية حتى سرت غمغمة خاشعة بين الركاب الواقفين حشرا في الممر بين المقاعد ، وفي المؤخرة وعلى مقربة.. نفخ شاب أسمر في ضيق ، وهو يروح على وجهه بجرناله في يده.. ثم قال زاهقا ، وقد سبل عينيه:
ـ مين يصدق أننا في شهر مايو !!
وفي الركن اهتزت امرأة ، وقال شخص سائح في عرقه:
ـ وما بالك بيوليو..
نزعت المرأة ملاءتها السوداء ، وعلقتها على كتفها ، قال الشاب الأسمر كأنه يزفر:
ـ كالعادة ..
استدارت المرأة لتواجه الشاب الواقف وراءها ، وهي تقيسه بعينيها الغارقتين في الكحل .. من شعره المدهون وحذائه اللامع .. وسحب الترام سحبة مفاجئة فتطوح كل الواقفين ، ودخل الشاب في المرأة ، كأنهما التحما .. وزعق الرجل الملتحي :
ـ جهنم وبئس المصير ..
انتفضت المرأة ، وتقلص وجه الشاب غيظا . التفت المرأة برأسها ومصمصت بشفتيها. عندها التفت الشاب ذي الشعر المدهون إلى الواقف وراءه في حدة :
ـ ما تحاسب يا بني آدم.. إنت أعمى ؟!
فقال الآخر في هدوء :
ـ الله يسامحك.
ـ الله ياخدك .. ثور صحيح..
رفع الآخر صندوق بضاعته من سجائر وحلويات وأمشاط .. بينما اهتزت عضلة وجهه الهضيم :
ـ أما أفندي ما يختشيش ..
ورفع يده ولكمه في صدره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في جريدة "السفير " السكندرية ، 2 سبتمبر 1968.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى