سعدي عباس العبد - نص الاسكافي.. نبذة عن حياة الأحذية

تعبر الحذاء , فناء الدار . تمشي فوق الشارع المعبّد بالحفر .. تمرُ الحذاء على دكان الاسكافي منهكة الجلد , غزيرة الثقوب .. متلفعة بمعطف من الوحل المجفّف.. تقف متسربلة بالغبار والفتوق .. فيما كان الاسكافي , ينظر بقدمين حافيتين حافيتين جدا .. يحدّق بالوجه الحافي الذي يرتديه الزبون , الزبون الذي يمتهن الكديه او ملاحقة الفلس في جيوب العابرين .. كان الزبون ساحق الاحذية , جنديا في فصيل ابي الركاع , الفصيل الملحق في لواء الزعيم عبد الكريم قاسم , .. لم ار في دكان ابي في ذلك الضحى .. الضحى الذي تعطّلت فيه عن الذهاب للمدرسة , غير غابة من الاحذية تلتحم , او تمشي بكامل عاهاتها على جانبيّ اصابع ابي , تمشي بجلودها المشققة على سندان الركاع , احذية رثة , كانت تمشي رشيقة انيقة , فيما مضى , قبل انّ يخرّبها المشي , المشي بلا معنى , المشي الذي ترك حلوق الاحذية مفتوحة على اتساع الشوارع مفتوحة على درجات السلالم , مفتوحة على اروقة البنايات الحكومية .. على باحات البيوتات .. دائما الاحذية كانت ضحايا المشي وهي تصعد الحافلات وهي ترتقي السلالم مسرعة وهي تركض , وهي تركل مؤخرات مشاكسين , او فقراء , او عاهرات , او ايّ شيء من هذا القبيل .. وعلى الدوام تتحلّق الاحذية حول سندان الركاع , وعلى الدوام اسمع بكاء الاحذية تحت ضربات المطرقة .. ورغم ذلك , كانت لاتمسك عن النمو .. كانت تنمو مثل غابة جرداء ... حشود وارهاط من الاحذية , بالوان مختلفة , وبعاهات متباينة , احذية باطوال واحجام متفاوتة , بارقام مختلفة , رقم لا يشبه رقم , ولون لايشبه لون , .. امبراطورية من القنادر العتيقة , تملآ دكان أبي الركاع , . امبراطورية من امهات القنادر , قنادر لا زالت رغم الفتوق والعاهات , تحتفظ بآثار اناقة غاربة ..قنادر تقتعد الرفوف , رفوف الدكان منكمشة الجلود وبعضها يطلق انينا فاترا .. انين مخلّفات المشي .. انين يتسرب من بين اصابع الركاع انين يتدفق من انكماش الجلود , وعنف المسامير السادية ... الاحذية ذات الجلود السود , في حداد مزمن . تنعي الشوارع التي هرّبت المشي إلى الفتوق , سواد القنادر , احتفاء , بالجنائز .. جنائز الاحذية المشاءة, .. عاهات الاحذية مصدر رزق ابي ..الاحذية لا يشغلها سوى القدم . في دورة الحياة القصيرة .. كم هو قصير عمر الحذاء , اقصر من شارع السعدون مشيا ذهابا وايابا .....احذية الفقراء لا تعمّر شاحبة , عمرها شحيح , يناهز 2 كم في الشوارع الوعرة .................
.. الركاع يعوّل في الرزق على قنادر الفقراء .. الرزق قفل صدىء , مفتاحه عالق في القنادر . او باب الرزق , بابا من الاحذية , ........ لو يكن ابي ركاعا لفتوق الاحذية , لكان شيئا اخر بالتأكيد .. ربما حلاقا .. او بستاني , كلا المهنتين تتطلبان .. تمشيط اللحى .. لحى الاشجار والانسان .. بيد انه , على نحو ما , سيبقى اسكافي بساتين , يشذب عاهات الاغصان , او يرمّم نهايات الجذوع بالمقص يشذب لحى الاشجار , وبالاشجار يشذب لحى الفقر ..
على كلّ حال , لاتجدي الامنياتي .. فهو الان محض ركاع سكير , عبثا تذهب الامنيات والاحلام .. الاحلام لها تأثير ومفعول العرق , لا تستغرق معها السعادة , او لاتستقيم طويلا , او لا تقيم إلاّ لوقت معلوم ومؤقت وشحيح , سعادات السكر , طمأنينة قلقة , واكاذيب شبيه بالحبّ من طرف واحد .. مثلما الحبّ العابر شبيه , بنشوة العرق , النشوة ذات الأخطاء المتلاحقة , التي تكون باستمرار على عجلة من امرها , نشوة العرق , لا يعتد بها ولا يعوّل عليها , نشوة تحترف الخدعة تحيلك في لحظة , إلى اسعد رجل في العالم , تصنع منك وزيرا للمالية في حكومة فاسدة , لا يعوّل عليها .. حكومة اقرب ما تكون إلى حانة , يديرها رئيس وزراء سكير .. مهنته ترميم احلام الشعب او الفقراء , بمزيد من جرعات العرق , ....... والندل وزراء عاطلون او سكارى على طول القمع والسلب والنهب .. يعني كما ابي الركاع , الشبيه بالوزير , مع فارق لا يعتد به في حسابات الاحلام
فالوزير على نحو ما , ركاع , ركاع بنوك وسبائك ذهب , مطرقته , النصب والاحتيال والحيّل والاكاذيب .. فالوزير , في ذروة ثمالته , وزير في بريق الذهب . او يتلاشى ضميريا في قبضة المال والسلطة ,,

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى