عبد القادر وساط - رسالة ابن علي إلى والي سجن الكثيب

السلام عليك ورحمة الله تعالى وبعد،
إذا جاءك كتابي هذا فمُر الحُراسَ أن يأتوك بسجين الرجز، ثم قم بمناظرته في علم العَروض واعملْ على كشف غوايته وفضح عمايته، فإنه رأس من رؤوس الضلالة ووجهٌ من وجوه الجهالة، يجادل في العَروض بالباطل ويدعو إلى الفرقة بين شعراء الأمة، ويحثّ النحاةَ على العصيان، ويَدفع الرجّازَ إلى الخروج على السلطان.
واعلم أنه يَرُوغ كما يروغ الثعلب، ويصور الباطلَ في صورة الحق والحقَّ في صورة الباطل، وأنه قد يجادلك فيطيل جدالك. فإذا مرّ شطر من الليل و لم يعدل عن أقواله، فاضربه مائة سوط، ثم ضعه بعد ذلك في زنزانة مظلمة، وإياك أن تدرأ عنه الحد بالشبهات.
واعلم أني أصدرتُ أوامري كذلك بالبحث عن أستاذه، صاحب ديوان السندباد، من أجل إرساله هو أيضاً إلى سجن الكثيب، قبل تسييره إلى جزيرة دَهْلَك. فلأنْ أندمَ على عقوبته خيرٌ لي من أندمَ على العفو عنه. ذلك أنه قد حمل نفسه على أمر عظيم، حين أنكر أن يكون المنسرح هو البحر الرسمي للدولة، وزعم أن هذا البحر لا يعدو أن يكون رجزاً. بل إنه خالفَ رأي عبد الله الطيب - مستشارنا في العَروض- وادعى أن لكل تفعيلة نسباً، إلا ( مفعولات ) التي في المنسرح، فهي لقيطة لا نسب لها. وقد دأبَ صاحبُنا هذا، منذ فترة من الزمن، على نشر أباطيله بين الشعراء، حتى مال بعضهم إلى موافقته. وهو اليوم يتوارى عني في بادية قومه، بناحية تازة، كأنّ رجالي لن يَهتدوا إلى مكانه، أو كأنني لستُ مصمماً على عقابه.
وأما جزيرة دَهلك، التي أنوي تسييره إليها، بتأييد من الله تعالى، فهي جزيرة في بحر اليمن، ضيقة، حرجة، حارة، وحجارتها من الصنف الذي قال عنه الشاعر القديم:
جلاميدُ أمْلاءُ الأكُفّ كأنها = رؤوسُ رجالٍ حُلّقَتْ بالمواسمِ
وكان الخليفة سليمان بن عبدالملك نفى إليها الشاعرَ الأحوص، مع أنّ لهذا الشاعر قصيدة جميلة على المنسرح، يقول فيها :
الله بيني و بين قَيّمِها = يفرُّ مني بها و أتَّبعُ
واعلم أنني سأبعث كذلك إلى سجن الكثيب بعضَ الشعراء الذين يتجرأون على قول الشعر وهم لا يتقنون قواعد النحو والصرف، ولا يعرفون أصول العروض والقوافي، ولا يتوسعون في اللغة. وسوف يرسل إليك صاحب شرطتي قائمة بأسماء هؤلاء المتشاعرين المناكيد.
والسلام عليك ورحمة الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى