إدورد وليم لين - 11 - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر.. للأستاذ عدلي طاهر نور

تعليم البنات

قلما يتعلم البنات القراءة والكتابة. وكذلك لا يتممن الصلاة حتى بنات الطبقة الراقية. ويستخدم بعض الأغنياء (شيخة) لتزور الحريم يومياً فتعلم بناتهم وجواريهم إقامة الصلاة وتلاوة بعض سور من القرآن. وقد تعلمهن القراءة والكتابة، إلا أن هذا، حتى لنساء الطبقات الراقية، شيء كالذي يندر أن يتم. وهناك عدة مدارس تعلم فيها البنات الخياطة والتطريز الخ. ولكن إذا سمحت الظروف يعهد بالبنات إلى (معلمة) تعلمهن تلك الأشغال في منازلهن

الفصل الرابع

الحكومة

قاست مصر - هذه السنوات الأخيرة - تقلبات سياسية عظيمة، وزالت تبعيتها للباب العالي إلا قليلاً. وقد استقبل حاكمها الحالي محمد علي تقريباً، بعد أن أباد الغز أو المماليك الدين شاركوا أسلافه الحكم؛ إلا أنه أعلن ولاءه للسلطان، وأصبح يؤدي الخراج للأستانة كما هي العادة. ثم إنه خضع لأحكام القرآن الأساسية والسنة. وهو - خلافاً لذلك - يتميع بسليطة لا حد لها. فهو يستطيع أن يقضي على أي فرد من رعاياه بالموت دون محاكمة أو تعيين سبب. وكفاه أن يحرك يده حركة أفقية بسيطة ليتضمن ذلك حكم الإعدام. ولكن يجب ألا يفهم من كلامي أنني ألمح بميله إلى سفك الدماء بلا موجب. أن من طبع هذا الوالي الصرامة الحازمة لا القسوة الشريرة. وقد دفعه طموحه المطلق إلى جميع الأعمال، فكان يجلب لنفسه المدح تارة أو الملامة تارة أخرى. ويجد في قلعة العاصمة مجلس للقضاء يسمى (الديوان الخديوي)، يرأسه في غياب الباشا نائبه (الكخيا) حبيب أفندي. ويبت رئيس الديوان الخديوي في الأمور التي تخرج عن اختصاص القاضي أو التي تكون واضحة بحيث لا تحتاج إلى الرجوع إلى القاضي أو أي مجلس آخر.

وقد أقيمت في أنحاء العاصمة دور كثيرة للشرطة، في كل منها بلوك نظام أي فرق منظمة. ويسمى الشرطي (قلق) أو (قراقول). ويقبض على من يهتم بالسرقة أو السطو الخ ويقاد إلى دار الشرطة الرئيسي في الموسكي حيث يسكن أغلب الفرنج. وبعد أن تثبت التهمة كتابة يقاد المتهم إلى (الضابط) إي رئيس شرطة العاصمة. وبعد أن يسمع الضابط القضية يرسل المتهم للمحاكمة أمام الديوان الخديوي. وعندما ينكر المتهم الجريمة الموجهة إليه، ولم يكن هناك دليل على الإدانة، يجلد ليحمل على الاعتراف بجريمته. وحينئذ، إن لم يكن قبلاً، يعترف المتهم بالجريمة إذا كانت طبيعتها لا تعرضه لعقوبة شديدة. ويعترف اللص عادة بعد هذا التعذيب بقوله: (إن الشيطان أغراني ففعلت) وعقوبة المجرمين يرتبها نظام مستبد ولكنه لطيف حكيم. ويكون عادة بإلزامهم للقيام ببعض الأشغال العمومية مقابل قوت قليل، مثل نقل القمامة وحفر القنوات الخ. وقد يجند الشبان الأقوياء متى كانت التهمة طفيفة. ويستحق محمد علي على استخدامه المجرمين لإصلاح البلد وتحسينه المدح الذي كان وقفاً على سابا كون الفاتح الحبشي وملك مصر الذي يقال إنه أدخل هذا النظام؛ إلا أن الباشا كان شديداً في معاقبة الجرائم التي ترتكب ضد شخصه فالإعدام هو العقوبة العادية في أحوال كهذه

وهناك عدة مجالس دنيا لإدارة شؤون الأقاليم المختلفة، وأهمها: أولاً. (مجلس المشورة) ويقال أيضاً (مجلس المشورة الملكية) تمييزاً له عن المجالس الأخرى. ويختار الباشا أعضاء هذا المجلس والمجالس المشابهة الأخرى ممن يتحلون بمواهب أو صفات أخرى. ولذلك تخضع جميع قراراتهم لأرادته ورغباته؛ وهم آلته ورهن إشارته، ويكونون لجنة تشرف على إدارة البلد العامة وشؤون الباشا التجارية والزراعية. وتعرض العرائض الموجهة إلى الباشا أو إلى ديوانه المتعلقة بالمصالح الخاصة أو بشؤون الحكومة على أعضاء المجلس وتخضع لتقديرهم وحكمهم، إلا إذا وقعت في اختصاص المجالس الأخرى المذكورة فيما بعد. ثانياً (مجلس الجهادية) أو (مجلس المشورة العسكرية) واسمه يدل على مدى اختصاصه. ثالثاً مجلس (الترسخانة) أو البحرية. رابعاً (ديوان التجار) وقد أنشئ هذا المجلس الذي يتكون أعضاءه من تجار مختلفي البلد والدين تحت رئاسة (الشاه بندر) لينظر في بعض الأحوال الناشئة عن المعاملات التجارية الحديثة مما لم ينص عليه في القرآن أو السنة

ويتولى قاضي القاهرة القضاء في مصر لمدة سنة واحدة ثم يرجع عند انتهائها إلى الآستانة. وجرت العادة أن يقوم القاضي من القاهرة مع قافلة الحج الكبيرة إلى مكة فيقضي واجبات الحج ويبقى في المدينة المقدسة سنة واحدة، وفي المدينة المنورة سنة أخرى يقضي بين الناس. ويشتري القاضي منصبه بالممارسة من الحكومة التي لا تقيم أي اعتبار لمواهبه. غير أنه يجب أن يكون ذا علم ولو قليلاً، وأن يكون عثمانياً حنفي المذهب. وقلما يجيد القضاة اللغة العربية لأن معرفتها لا تلزمهم. ولا يكاد القاضي في القاهرة يعمل شيئاً غير التصديق على حكم (نائبه) الذي ينظر في أغلب العادية والذي يختاره القاضي من علماء استنبول، أو التصديق على قرار (المفتي) الحنفي الذي يقيم دائماً في القاهرة ويصدر فتواه في القضايا الصعبة، ولكن النائب على الأكثر قليل المعرفة باللغة المصرية العامية

ولذلك يجب على القاضي في القاهرة، حيث يتكلم أغلب المتقاضين العربية، أن يضع غاية ثقته في (الباش ترجمان)؛ ومنصب هذا دائم، ومن ثم فهو يعرف أنظمة المحكمة، وخاصة نظام الرشوة، وهو على أتم استعداد لأن يلقن هذا النظام لكل من يستجد من القضاء والنواب. وقد يكون القاضي جاهلاً بالشرع جهلاً غليظاً في كثير من تفاصيله، وقد حدثت عدة أمثلة من هذا النوع، ولكن يجب أن يكون النائب بارعاً في الشرع علماً وعملاً

وعندما يرفع الشخص قضية يذهب إلى المحكمة ويطلب من الباش رسول أن يرسل (رسولاً) ليحضر الخصم، ويتناول الرسول قرشاً أو قرشين يقسمهما مناصفة بينه وبين رئيسه على انفراد. ويحضر المدعي والمدعى عليه في بهو المحكمة الكبير: وهو غرفة كبيرة تواجه فناء فسيحاً، ولها واجهة مكشوفة بها صف من الأعمدة والعقود، ويجلس فيها كتبه يسمى الواحد منهم (شاهداً) وعمله أن يصغي إلى أقوال الطرفين في القضية ويدونها، ورئيسهم الباش كاتب، ثم يقصد المدعي أي وأحد من هؤلاء الكتبة ويقرر أمامه ظروف القضية. . . فيثبتها الشاهد كتابة، ويتناول جعلاً قدره قرش أو أكثر، ثم بعد ذلك يصدر حكمه إذا كانت القضية لا قيمة لها والمدعى عليه يعترف بعدالتها، إلا قدم الطرفين إلى النائب في غرفة داخلية. وبعد أن يسمع النائب القضية يأمر المدعي أن يستصدر من فتوى من مفتى الحنفية الذي يتناول جعلاً يندر أن يقل عن عشرة قروش، ويزيد غالباً على مائة قرش أو مائتين، ويصدر النائب حكمه في القضايا التافهة منفرداً وبأقل تعب. أما القضايا المهمة أو المعقدة فأنها تنظر في غرفة القاضي الخاصة أمام القاضي نفسه والنائب ومفتي الحنفية الذي يستدعي للفصل فيها بفتوى؛ وقد تزيد القضية صعوبة أو أهمية، فيستدعي بعض علماء القاهرة؛ وبعد أن يصفى المفتي إلى القضية يصدر حكمه كتابة، فيصدق القاضي عليه ويختم الورقة بختمه، وهذا كل ما عليه أن يعمله في أي قضية. ويستطيع المتهم أن يبرئ نفسه باليمين إذا لم يقدم المدعى شهوداً، فيضع يده اليمنى على القرآن ويقول: بالله العظيم ثلاث مرات، مردفاً: وبما يحتويه هذا من كلام الله. ويجب أن يكون الشاهد عدلاً أو يزعم أنه كذلك، وألا تكون له مصلحة في القضية. ويلزم لكل دعوى شاهدان على الأقل أو رجل وامرأتان، ويجب أن يزكي الشاهدين شخصان آخران. وشهادة الكافر على السلم لا تجوز شرعاً في حالة العقوبة الشديدة. والشهادة لصالح الابن أو الحفيد أو الأب أو الجد لا تقبل كذلك شهادة الأرقاء، ولا يستطيع السيد أن يشهد لصالح عبده.

(يتبع)

عدلي طاهر نور

مجلة الرسالة - العدد 435
بتاريخ: 03 - 11 - 1941

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى