أحمد بوزفور - لماذا يكتب الكُتَّاب؟

حين نطرح هذا السؤال على الكُتَّاب يجيبون إجابات عامة: من أجل الناس.. من أجل القِيَم.. المجتمع.. الرسالة.. المسؤولية.. الالتزام ...إلخ

وهم في ذلك صادقون. لأنهم يفكرون في السؤال، ويفكرون في الجواب، ثم يجيبون، فأقوالهم صادقة لأنها مطابقة لاعتقادهم.
لكنهم يكذبون مع ذلك، لأنهم يجيبون ــ حين يجيبون ــ وهم خارج الكتابة. يجيبون وهم يفكرون، لا وهم يكتبون، فأقوالهم كاذبة لأنها مخالفة لواقع الكتابة.. لحقيقة الكتابة.
كيف نعرف إذن لماذا يكتب الكُتَّاب؟

لنسأل كاتبا كبيرا من حجم ستيفان زفايغ. ولنسأله وهو يكتب.. لنبحث في كتاباته المتخيلة عن شخصية كاتب يطرح على نفسه هذا السؤال، ولنر كيف يجيب:
(( لم أحاول قط أن أكتب ( من قبل ). أنا لا أعرف مثلا حتى ما إن كانت توجد تقنية يمكننا أن نتعلمها لنرتب الأحداث الخارجية وفق تتابعها الزمني، مع انعكاساتها الفورية على روحنا. كما أتساءل أيضا ما إن كنت قادرا على قرن المعنى بالكلمة المناسبة له وإعطاء الكلمة معناها المضبوط، ومن ثمة تحقيق هذا التوازن الذي أشعر به بسهولة لدى كل سارد جيِّد أثناء قراءاتي. لكنني لا أخط هذه السطور إلا لنفسي، وليس غرضُها البتةَ إفهامَ الآخرين ما لا أكاد أستطيع شرحَه حتى لنفسي. إنَّ هذه الأسطر ليست إلا محاولة أُصفّي بها حَدَثاً، بصفة نهائية، فأثبته في معنى معين، وأضعه أمامي فأدركه على مختلف أوجهه. ذلك أنه حَدَث يشغلني دون انقطاع، ويقلقني بعد أن أضحى على هذا القدر من التخمُّر المؤلم. )).. الليلة المذهلة.. ستيفان زفايغ. ترجمة محمد بنعبود

وإذن فزفايغ ( أو الكاتب الذي تخيله زفايغ ) يتوصل إلى أنه يكتب
1 ــ ليجسد أحاسيسه في كلمات يراها أمامه ثابتة على الورق. الإحساس هو أقصر الأشياء عمرا في الكون وأسرعها عبورا.. أسرع حتى من الضوء. لكي نفهمه ينبغي أن نوقفه. أن نثبته. أن نُجسِّده في كلمة نكتبها على الورقة أمامنا، لكي نتأمله ونقلِّبه بالتأويل ( على مختلف أوجهه ). يكتب الكاتب إذن لكي يمكنن الزمان ( إذا صح هذا التعبير )، أي لكي يجعل الزمان العابر مكانا ثابتا. ( ربما كان هذا هو ما يسميه الكُتَّاب: الخلود. خلود الإحساس وليس خلود الكاتب ).
2 ــ والكاتب يكتب ثانيا لكي يفجّر ( هذا التخمّر المؤلم ) في داخله. الكاتب يفرز إحساسات شتى.. بسرعة وكثرة هائلتين.. وهو محتاج، لكي يبقى سَوِياً إلى أن يُفجِّر تخمّرَ هذه الإحساسات بتجسيدها في كلمات.
الإحساس يخرج. النص يقوم. و ( الأستاذ بَقَى منسجمون ) كما تقول ليلى مراد لنجيب الريحاني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى