فوزى يوسف إسماعيل - مسرح المونودراما/ الست نظيرة

الفصل الأول
يرفع الستار..
(عن منزل ذو أساس متواضع.. يوجد على اليمين كرسيان من
الخيرزان.. ومن اليسار كنبه عليها مخدع وملاءة بيضاء.. وفى
الوسط رفان من الخشب القديم عليهما أوانى من النحاس .. له
بابان من اليمين واليسار.
نظيرة : (تبلغ من العمر الخامسة والأربعون عاما .. عليها أثار الشقاء
وكأنها فى الثمانين من عمرها.. تدخل وهى على وجهها فرحه
غامرة )
(تضحك)
هأ هأ..
(تتوسط المسرح.. تحضن شئ ما على صدرها).

تتساءلون لما أضحك..أننى فرحه للغاية..(تضحك) هأ هأ.. سأحكى
لكم عن سر فرحتى.
(تحكى وكأنها تسرد ذكرياتها الماضية).
أننى أدعى نظيرة.. جنسيتى مصرية.. متزوجه من زوج يدعى
حسانين.. نعم يعمل أرزوقى كما يقولون .. سأحكى لكم عن كل
التفاصيل فيما بعد ولكن بعد ما أكمل بطاقتى الشخصية أولا..أعول
بنتا وولدان..لا لا أنهم الآن فى عمر الشباب.
(تنظر يمينا ويسارا) سأجلس هنا على هذه ..
(تذهب إلى الكنبة لإحضار الوسادة من عليها وتضعها وسط المسرح
ثم تجلس عليها)
لآن الحديث سيطول بيننا.. عندما كنت فى الثامنة
عشر من عمرى سرت فتاة جميلة ذو بشرة أخّاذ.. وشعر مسترسل
على كتفى هاتين.. لم أفقه شيئا عن شريك حياتى الذى أرتبط به..
ولكنى كنت بدأت أستنبط بعض الأشياء من حولى.. أبى كان متزمتا
فى قرراته.. كان يمنعنى أن أبقى طويلا خارج البيت.. ولكنى كنت
أشاهد المارة من نافذتى وذلك الجهاز..
(تنهض مسرعة وتذهب إلى باب فى اليسار وتدخله ثم تخرج وحاملة
جهاز تليفزيون قديم أبيض وأسود.. تضعه وسط المسرح)

ألم تعلموا شيئا عن هذا الجهاز.. أنه تليفزيون.. لقد تعلمت منه الكثير..
نعم تعلمت منه دون أن يلم أبى .. فقد رأيت برامج المرأة وشاهدت فيه
المسلسلات. (تضحك) هأ هأ. هذا ما يسمونه الصندوق السحرى..
(تحمله وتضعه بجانب الرفان ثم تعود للوسط المسرح وتجلس على
الوسادة).
فرحتى كانت لا تسعنى عندما أعلمنى أبى بأننى سأخطب لأحـــد
الشباب.. بينى وبينكم كنت أحلم بعريسى القادم ذو المواصفات التى
تبهر العين.. حلمت..
(تنهض مسرعة وتقترب من الباب الأيسر وتنظر فيه برهة ثم تعود
إلى وسط المسرح)..

أنه ما زال نائما فلم يسمعني عندما أبوح لكم بهذا السر.. نعم كنت
أحلم به شابا يانعا ذو بشرة ناعمة آخاذة.. عيناه عسليتان تسبلان
شعره ناعم أسود قاتم ذو قوام فارة..نعم كل فتاة تحلم بهذه المواصفات
فى الشاب الذى تحلم به.. الآن الفتيات يسمونه فتى الأحلام.
(تضحك عاليا) هأ هأ..
(يتغير فاجأه ملامحها إلى الحزن ثم تجلس على ركبتيها وهى تعود
للضحكات عاليا)
هأ هأ.. هأ هأ.
أتعلمون أتعلمون ما سر ضحكاتى هذه.. أننى وجدت غير ذلك.. وجدته
قصير القامة.. ذو شعر أكرت.. يرتدى نظارة غليظة لضعف نظره..
(تقف) ولكن عندما اعترضت.. جاء أبى إلىّ ينهرنى.. وقال لى :
(تقف مكان أبيها وهو يكلمها).. بصوت جهورى..خدوهم فقرا يغنكم
الله.
هذا المثل الذى قاله أبى أقعدنى يائسة.. (بحزن) لا حيلة لى فى أن
أواجهه.. حتى أمى التى كانت تنصحنى بحسن اختيارى شريك حياتى..
تلعثم لسانها وكأنها لم تقل شيئا.
(وهى تتحرك يمينا ويسارا) كنت حائرة..لم أستطيع الدفاع عن نفسى.
كنت أعلم جيدا بأن مستقبلى أضع له حدا من هذه اللحظة.. كى أهنئ
مع شريك حياتى.. (تتوسط المسرح) نعم .. هذا شريك حياتى الذى
أفنى معه حياتى..
(كأنها حزينه) لقد قضيت ليلتى وأنا فى حزن عميق.
(تجلس القرفصاء وتضع وجهها وسط ساقها)..
كنت منكسرة الهمة.. ولكن..(تنهض واقفة) أصريت على المواجهة..
نعم سأواجه أبى بكل ما أستطيع.. ولكن كيف..
(يكسو وجهها الحزن والبؤس)
ولكن.. كيف أواجه أبى.. ألم تسمعوا جيدا قول الله تعالى..لا تقل لهما
أفُ..ها أنا لا أستطيع أن أقل له أفُ.. ولكن لا بد وأن أعبرعن رأيى.
نعم .. قلت له لا .. فلى رأى يا أبى.. لكن أبى كان قاسيا علىّ حينما
رفضت هذا الشريك.. ورفض أبداء رأيى وزوجنى حسانين .. ولكن
عملت بالمقولة التى قالها أبى..خدوهم فقرا يغنكم الله.. وتم زفافى عليه
(تدور فى المسرح وتدق على ظهر كفها وكأنها تدق الدفوف.. تغنى)
مبروك عليكى عريسك الخفة يا عروسة.. مبروك عليكى.
(تنتهى وتقترب من حافة المسرح وكأنها تحدث الجمهور) يقولون
فى المثل .. ظل رجل ولا ظل حيطة.
(تبتسم) وها أنا فى بيت العدل كما كان يشتهى أبى وتتمنى أمى..
لقد حققت رغباته.. ولكن حتى زفافى عليه لم أعلم فى أى وظيفة يعمل
أسألكم سؤالا .. يهل يوجد عروسة تزف على عريسها وهى تعلم كيف
يعمل.. (تبتسم) أنا.. من انشغالى فى معارضة الزواج هذا نسيت ماذا
يعمل زوجى.. وكانت المفاجأة ..
(تنظر يمينا ويسارا).. سأقوم بالاطمئنان عليه حتى لا يكون مستيقظا
فيسمعنى..
(تذهب إلى الباب جهة اليسار وتضع أذنها على الباب).. أنه نائم ..
(تتويط المسرح).. المفاجأة أنه لا يعمل عملا يضر لنا مالا نعيش منه..
فكان يخرج صباح كل يوم ويعود فى المساء يعمل فى عمل خاص
كالعتالة.. رضيت بقضاء الله وقدره.. وصبرت قليلا حتى أرى ماذا
سيحدث.. يا ألهى.. لا اعتراض..
(تسير يمينا ويسارا ثم تتوسط المسرح) كان محدود الدخل.. نعم يعمل
يوما ولا يعمل اليوم التالى.. لماذا ؟ لأن العتالة التى كان يعمل فيها
كانت شديدة.. أنظروا ما تبقى من بيتنا..
(تذهب إلى المقعدين فى اليمين) ها هما المقعدين اللذين تبقى من حطام
الدنيا..
(تذهب إلى الكنبة) وها هى الكنبة التى تبقت أيضا من حطام الدنيا..
(تذهب إلى الرفان) وها هو المطبخ عليه بعض الأوانى القديمة..
(بحزن تتوسط المسرح) أنا لا أعترض على شئ.. لأننى عشت معه
على الحلوة والمرة.. (تضحك) هأ هأ .. أنظروا ما أنا فيه .. أقول لكم
سرا.. لا بد من كل زوجة ألا تعترض على شئ.. وتعيش مع زوجها
على الحلوة والمرة.. كنت .. كنت أواسيه .. نعم أواسيه وأشد من أزره
وأشجعه على تحمل المحن.. لقد صرت معه صابرة على السراء
والضراء.. فالحياة ليست ترفيه لمن يريد.. الحياة شقاء وعمل وكفاح..
لقد صبرت معه على السراء والضراء.. كنت.. كنت أعيش بأقل القليل..
ها هو الرباط المقدس.. ناموس الحياة بين الزوج والزوجة.. بأن تتحمل
الزوجة أعباء زوجها .. تساعده بأقل القليل فى ظروفه هذه.. نعم عليها
ألا تتكبر على شئ فلا تتطلب منه أكبر من طاقته.. وأنا كنت كذلك..
فقد جاءنى من يثقل علىّ أعبائى.
(تتألم من حملها) آه أه .. لقد قال لى الطبيب أنى حامل.. حامل.. آه أه..
(يعلو صوتها وهى تتألم ثم تسقط على المسرح نائمة على ظهرها
ممددة يداها وقدماها.. صارخة)..
حااامل..
يسدل الستار ..
الفصل الثانى
يرفع الستار ..
(عن نفس البيت والديكور.. الإضاءة مظلمة)..
نظيرة : (مازالت راقدة على ظهرها ممددة يداها وقدماها.. يحيطها دائرة
من الضوء).
(تنهض فاجأه واقفة.. ثم تضاء الأنوار من حولها)..
(تتوسط المسرح وهى تنظر لحملها)..
ها هى لقد كبرت بطنى..
لقد حملت فى توأم..أتعرفون عندما اكتشفت سر حملى هذا كم صرفت
من مال.. أنظروا معى.. وقع الطبيب علىّ الكشف بخمسة وخمسون
جنيها.. خلاف السونار الذى دفعت فيه أربعون جنيها آخرين.. وطلب
من إجراء أشعة بملغ أربعون جنيها أيضا.. كانت المتابعة الأسبوعية
تكلفنى ثلاثون جنيها أو أربعون فى الأسبوع الواحد.. أنتم تعلمون
الحساب جيدا.. لذا فأطلب منكم أن جروا عملية حسبية على هذه
الأرقام.. وترون كيف كانت النتيجة.
(تسير حتى الباب فى اليمين وتعود إلى أن تتوسط المسرح مرة
أخرى)
وها أنا أسير هكذا ..
(تمشى ببظئ وكأنها خائفة على حملها).. (تقف متجهه للجمهور)
وجاءوا الأطفال الثلاثة.. نعم بعد أن كلفونى مبلغا باهظا فى عملية
الولادة..جاءوا وقد أحضرت لهم لبنا من الصيدليات وكسوتا من
الأسواق.. نهيك عما حدث لى من مضاعفات..وحدث لهم من وعكات
صحية وما إلى ذلك.. لقد نسيت بأن أبوح لكم بسرا..
(تخفض صوتها) بخصوص زوجى..
(تذهب إلى الباب ناحية اليسار وتضع أذنها عليه..ثم تتوسط المسرح)
هو نائم.. كان الدخل الذى يدخل لنا يوميا لا يتعدى الثلاثون جنيها..
(تضحك) هأ هأ.
أنا لا أنكر هذه النعمة التى أنعمها الله علينا.. ولكن هذا المبلغ ليس
دائم.. فهناك أياما كثيرة كنا لا نملك فيها قوت عيشنا.. نعم وأنا مازلت
أدبرها فكيف أفعل..؟
(تذهب إلى الوسادة الموضوعة فى متوسط المسرح وتأخذها ثم
تنظفها)
أولادى كبروا عام بعد عام حتى بلغوا من العمر الرابعة
أعوام.. هنا زاد علىّ العبئ أكثر وأكثر.. رأيت زوجى وهو قد كلّ فى
العمل.. انتظروا قليلا حتى آتى إليكم بشئ ..
(تسرع إلى داخل الغرفة وتأتى بماكينة حياكة) هذه.. الماكينة اشتريتها
بعد أن دبرت ثمنها من المال الذى كان يأتينا كل يوم.
(تعمل عليها وكأنها تخيط قطعة قماش).
قلت لنفسى لا بد وأن أساعد زوجى بها .. وبالفعل وجدت الشئ
المناسب لى .. فاشتريت بعض الأقمشة الخيط .. وقمت بحياكتها
حتى حصلت على مبلغ لا بأس به .. ساعدنى على تربية الأولاد ..
وخصوصا بعد ما التحقوا الثلاثة بالمدرسة وزاد العبئ علىّ أكثر
وأكثر عندما طلبوا منى كل يوم متطلبات الدراسة.
(تذهب إلى الرفان تضع الماكينة على أحداهما ثم تتوسط المسرح)
أرأيتم.. أرأيتم لماذا جئت بهذه الماكينة.. اليوم خرج زوجى للعمل أنهم
ينشأون مصنعا جديدا.. (بابتسامة).. سيأتى من ورائه بمبلغا لا بأس
به.. فصاحب هذا المصنع غنى ولا بد وأن يقوم بإعطائه مبلغا من
المال نظير جهده فى أنشاء المصنع.
(تتجه بأذنها إلى الباب اليمينى وكأنها تسمع طرق على الباب)
يا ألهى أننى أسمع شيئا يضطرب له قلبى.. ما هذا الضجيج الذى
أسمعه ؟ سأفتح الباب وأرى..
(تسرع على الباب وكأنها تفتحه)..
(صارخة)
ما هذا ؟ أنه زوجى قد كسرت عظامه..
(حزينة.. تمشى فى منتصف المسرح) يا لها من مصيبة.. يا لها من
مصيبة.. شلت ساق زوجتى.. لقد أقعدته عن العمل..
(تقف وسط المسرح) وما العمل الآن ؟!
زوجى صار طريح الفراش.. وأولادى مقبلين على الالتحاق بمدارسهم
.. فهل أمنعهم من التعليم حتى أوفر مصاريفهم .. لا لا لن أفعل ذلك ..
العلم هو الوسيلة الوحيد لينير لهم الطريق..
(تضحك) هأ هأ.. أنا لن أدعهم يسلكون مسلكى .. نعم لن يكرروا
مأساتى هذه.. لن يكرروا فعلتى الشنعاء هذه مرة أخرى.. سأصرف
عليهم من هذه..
(تذهب إلى الماكينة وتشير إليها).. نعم سأعمل عليها جاهدة حتى
يصلوا إلى أكبر درجة من التعليم ويحصلون على شهادات جامعية..
لتكون لهم سلاحا فى هذه الدنية الموحشة.. سيتعلمون سيتعلمون مهما
كانت الظروف.
(تذهب إلى الباب اليسارى وتضع أذنها عليه .. ثم تتوسط المسرح)
يا ألهى لقد زاد علىّ عبء زوجى هو الأخر.. لقد كثرت احتياجاته هو
الآخر.. هل أهمله.. لا لا لن أهمله فهذه الماكينة سأحصل من وراءها
المال وسأقسمه عليه وعلى علاجه.. وعلى أولادى ومتطلبات
مدارسهم اليومية.. وأيضا سيكون منه نصيبا لاحتياجات البيت ..
نعم سأفعل ذلك.
(تضع أذنها ناحية الباب وكأنها تسمع شيئا).
منّ .. منّ بالباب ..؟ سأفتحه.
(تذهب إلى الباب وتفتحه) من أنت ؟
ماذا تقول ؟ محصل الكهرباء !! وأنت محصل المياه !! وأنت
محصل الغاز!! وأنت تريد إيجار البيت !! يا لها من مصيبة..
كل هذا .. كيف آتى لهم بهذا المال.. أنظروا..
(تتوسط المسرح) .. فاتورة الكهرباء بستون جنيها.. فاتورة المياه
بعشرون جنيها.. فاتورة الغاز بخمسون جنيها.. نهيك عن إيجار
البيت والأشهر المتأخرة فى الدفع.
لقد عادوا أولادى من المدرسة
(بابتسامة) يا مرحا يا مرحا.
ماذا تقولون ؟ تريدون مالا.. لماذا ؟ تزينون المدرسة .. للكتب
الخارجية.. للأدوات المدرسية.. للدروس الخصوصية.
(تمشى يمين ويسار المسرح مرتان وهى تفكر) لا بد وأن أتصرف..
سأخيط الملابس المتراكمة عندى فى وقت قياسى..
(تتوسط المسرح) نعم بهذا أكون قد وفرت مبلغا لا بأس به.
(تمسك الوسادة وتنظفها ثم تضعها وسط المسرح وتجلس عليها)
هذا هو الحل الوحيد..
(تنهض واقفة وتسرع إلى الماكينة وتضعها على الأرض وتقوم
بتشغليها وكأنها تقوم بحياكة الملابس عدة ثوانى)..
(بفرحه)
يا لها من فرحة.. يا لها من فرحه
(تحضن المال الذى كسبته فى صدرها) يا لها من فرحه..
(تتوسط المسرح) أنظروا هذا المال سيساعدنى على تعليم أولادى..
وعلى علاج زوجى طريح الفراش.. وعلى سداد الفواتير المتأخرة
لدى.. أنظروا كيف هى نعمة المال فى يد الإنسان.. أنظروا النعمة
التى أنعم الله علىّ بها.. أنتظروا قليلا..
(تذهب إلى الباب اليسارى وتحضر خزينة صغيرة ثم تتوسط
المسرح)..

أنظروا سأدع هذا المال أو جزء منه فى هذه الخزينة.. نعم يقولون
إن القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود.. وأنا لم أعرف ماذا
سيجرى غدا.. سأدخره ليكون عونا لى فى يوم كهذا..
(تبتسم.. وتعود للخزينة) ولكن . كما يقولون.. الجاى على قّد اللى
رايح.. وهذه المقولة حقه..
(تضحك) هأ هأ.. ماذا أسمع ؟
(تضع أذنها على الباب) منّ بالباب ؟
(تفتح الباب) ما هذا ؟
(تنظر فيه) يا لها من فرحة غامرة.. يا لها من فرحة غامرة..
لقد نجحوا أولادى فى التعليم الثانوى.. يا لها من فرحة غامرة..
أنهم سيلتحقون بالتعليم الجامعى..
(تكرر وهى تضحك عاليا حتى تسقط على الأرض).
يظلم المسرح .. ويسدل الستار..
الفصل الثالث
يرفع الستار ..
(عن نفس البيت ونفس الديكور)..
نظير : (تدخل وعلى وجهها الفرح والسرور.. تتوسط المسرح وكأنها تحدث
الجمهور)..

اليوم زادت سعادتى بعد أن شعرت بالحزن فى الأيام الماضية.. لأننى
كنت قد أنفقت مبلغا كبيرا من المال على أولادى الثلاثة وهم يمتحنون
فى الثانوية العامة.. أما الآن عندما وجت ثمار عطائى لهم فى حصول
كل منهم على ما يريده.. والتحقوا بالجامعة التى رغبوها.. تلاشى منى
الحزن وفرحت فرحة لا توصف أبدا..
(تمشى يمين ويسار المسرح.. وتقف عند اليسار لتكمل حديثها)..
التحقت أبنتى بكلية الصيادلة..أشعر بأن صحتى قد تحسنت لأننى سأجد
الدواء الذى أحتاجه عند الكبر دون عناء.. والتحق أبنى الذى آتى إلى
الدنيا قبل أخيه بخمسة دقائق بكلية الطب.. أنهما توأم.. أرأيتم كم أنا
محظوظة.. لا أحتاج أيضا على طبيب.. أما الثالث فقد التحق بكلية
الشرطة.. والآن لا أخاف على نفسى..
(بفرحة غامرة) يا لها من فرحة غامرة .. نعم فاليوم هو أعز سعادتى
عندما التحقوا أولادى جميعا بكلياتهم .. أما زوجى.
(تذهب إلى الباب اليسارى وتضع أذنها عليه .. تتغير ملامحها إلى
الوجوم وهى تتوسط المسرح)..

مازال زوجى يئن.. أنه يئن من شدة مرضه.. فهو منذ عشرة أعوام
وهو طريح الفراش.. أنا حزينة عليه.. كنت كنت أود أن يكون حاضرا
معنا هذه اللحظة.. لكنى سأعلمه بذلك.. ليفرح معنا.. فمن الممكن أن
يزول هذا الخبر ألمه عندما يسمعه ويعود على طبيعته.
(تذهب مرة أخرى إلى الباب وتضع أذنها.. ثم تتوسط المسرح)..
أنه نائم الآن.. فلا داعى أن أقلقه.. اليوم سأكثف عملى على الماكينة
حتى أكسب مالا كثيرا من ذى قبل لأنهم يحتاجون منه المزيد عند بداية
الدراسة فى الجامعة.. لأنه سيختلف التعليم الجامعى عن التعليم
الثانوى.. فهو يحتاج إلى مزيد من النفقات..
(تذهب إلى الماكينة وتجلس ثم تقوم بحياكة الملابس)..
(تنهض واقفة وهى تمسح عرقها من على جبينها وكأنها مرهقة)..

يا له من إرهاق شديد اليوم.. منذ خمسة عشر يوما وأنا ما زلت مُنكبه
على هذه الماكينة.. أخيط للزبائن دون توقف.. فقد حصلت على مبلغا
لا بأس به .. سأقسمه الآن.
(تذهب إلى الوسادة وتأخذها من على الكنبة ثم تتوسط المسرح)..
سأجلس هنا عليها أولا.. (تجلس على الوسادة)..
وها هو المال الذى أقسمه على أولادى وعلى دواء زوجى..
(وهى تعد المال) هذا المبلغ لولدى الطبيب.. أنه يحتاج لكثير من المال
حتى يحضر به احتياجاته الطبية.. وهذا مبلغا لأبنتى التى التحقت بكلية
الصيادلة.. مسكينة أنها فى المدينة الجامعية.. تحتاج إلى مزيد من المال
حتى يعنيها على ذلك..أما هذا المبلغ لولدى الذى التحق هو الآخر بكلية
الشرطة.. يا إلهى .. كم تبقى لعلاج زوجى طريح الفراش ولاحتياجات
منزلنا.. سأدبرها سأدبرها.
(تنهض واقفة) ما هذا الذى أسمعه ؟
(تذهب إلى الباب اليمينى وتفتحه) الطبيب.. ماذا تقول ؟ زوجى يحتاج
إلى أجراء عملية.. يا لها من مفاجأة غير متوقعه..
(تتوسط المسرح) أسمعتم ما أنا ألاقيه.. أنه يطلب منى أن أسرع فى
أجراء العملية.. لقد زادت أعبائى أكثر وأكثر.. سأدبرها سأدبرها..
ولكن من أين.. يقولون العبد بالتفكير والرب بالتدبير.. سأعمل على هذه
الماكينة.. ؟
(تذهب إلى الماكينة وتنظر إليها) يا إلهى لقد أنتهى الخيط لا بد وأن
أشترى غيره.
(تتوسط المسرح) لقد قمت بعمل شاق حتى وفرت مبلغا لا بأس به
لأولادى ولزوجى وبيتى أيضا..
(تمسك كتفيها وتتألم منهما) آه آه.. لقد شعرت بألم ينخر فى عظامى..
لا بد وأن يكون نتاج الإرهاق الذى أصابنى منذ أيام.. لا بأس لا بأس.
(تلتفت نحو الباب.. تعود وتقف مكانها) ولكن.. لا بد وأن أعترف
بحقيقة مدوية.. (تتوسع عيناها).. لو حدث لى مكروه لقدر الله..
من سيقوم بالنفاق على هذه الأسرة وهم مازالوا يحصلون منى على
المال.. لا لا .. لا أفكر فى ذلك فأنا ما زلت فى قواى الجسمانية.. وما
شعرت به ما هو إلا نتاج الأرهاق من سهر الليالى كما قلت..
(تعطى أذنها نحو الباب) ماذا أسمع ؟
(تذهب إلى الباب وتفتحه) ما هذا ؟ أنه تلغراف.. من منّ!! سأفتحه..
لقد تعلمت القراءة والكتابة وتسنى لى أن أقرأه بسهولة..
(تفتحه ثم تقرأه.. يظهر على وجهها الفرحة) لقد تخرجوا..
لقد تخرجوا.
(تتوسط المسرح وتجلس على ركبتيها رافعة يداها إلى السماء ..
صارخة)
.. لقد تخرجوا.. يا لها من فرحة.. يا لها من فرحة.
(تضحك عالية) هأ هأ.
(تقف).. الآن استراح قلبى .. استراح قلبى..
والآن بعد أن منّ الله علىّ ونجحوا أولادى فى دراساتهم.. ورأيت ثمرة
جهدى وتعبى وسهر الليالى.. الآن يحق لى أن أفتخر بتخرجهم وصارت
أبنتى طبيبة صيدلانية.. وأبنى طبيبا بشريا.. وأبنى الآخر ضابطا..يا لها
من فرحة حقه لم تسعنى الدنيا كلها .. سأهنئهم وأعود..
(تدخل غرفة وتبقى لحظة ثم تخرج وهى فى أشد الفرحة والسعادة)..
أتعلمون.. أتعلمون ما سر فرحتى الآن أيضا..
(تتوسط المسرح).. اليوم عيدنا.. نعم عيدنا .. عيد الأم التى تحتفل به
الدولة فى الحادى عشر من مارس كل عام.. للأمهات.. وقد هنئوني
أولادى بهذه المناسبة..
(تتغير ملامحها للوجوم).. اليوم سيتم التقدم لجائزة الأمهات المثاليات..
نعم هذه الجائزة كبيرة ولها اهتمامها البالغ.. سأتقدم لها .. ولكن كيف
وأنا زوجى على قيد الحياة.. يا لها من خيبة أمل.. لو تغيرت الشروط
لكنت أول الفائزين بها.. لماذا لا يقبلون حالات مثل حالتى هذه..
أننى ذقت مرارة الأيام فى تربيت أولادى وعلامهم حتى وصلوا إلى
هذه الدرجة من التعليم.. لماذا لا تتغير شروط الالتحاق بها حتى يتسنى
لى أن أعرض حالتى هذه وأفوز بهذه الجائزة لتعيننى على مصاعب
الحياة.
(تذهب إلى المقعد فى اليمين وتجلس عليه وهى بائسة)..
(تفكر لحظة ثم تنهض فاجأه)..
ولكن سأجرب.. تقول الحكمة.. أطرق
جميع الأبواب عسى أن تجد خيرا خلف باب .. وأنا سأجرب سأطرق
هذا الباب.. نعم فمن الممكن أن أجد خيرا.. سأذهب إلى الدولاب وأخرج
منه الصحيفة..
(تذهب إلى الباب اليسارى وتدخله ثم تخرج بجريدة فى يدها.. تتوسط
المسرح)..
ها هو.. أنه يحوى شروط المسابقة..
(تفردها ثم تقرأها).. يا لها من خيبة أمل.. ولكن سأفعل شئ من الممكن
أن يكون فى صالحى..
(تطوى الجريدة وتضعها على رف من الرفان) سأجمع روُشتات علاج
زوجى أولا.. أننى احتفظ بهم فى ملف كامل..
(تذهب إلى الباب اليسارى وتدخله..وتخرج بملف كبير فى يدها تتوسط
المسرح)..
ها هو الملف.. أنه يحوى روُشتات العلاج كاملة.. نعم وأيضا
سأجمع شهادات التخرج لأولادى الثلاثة.. وأحضر بيان حالتى وأيضا ما
يفيد بمرض زوجى فى فترة تربية أولادى..نعم سأقوم بجمع كل ذلك حتى
أحصل على لقب الأم المثالية.
(تذهب إلى الغرفة وتخرج منها بعد لحظات ومعها الملف)..
ها هو الملف كاملا.. سأذهب إلى لجنة المسابقات عسى أن يتغاضوا
عن الشروط السابقة ويضعوا حالتى من ضمن شروط المسابقة..
سأذهب فورا..
(تذهب إلى الباب اليمينى وتخرج للحظات .. ثم تعود وتتوسط
المسرح)..
وها أنا قد انتهيت من تقديم أوراقى إلى لجنة المسابقات..
الخاصة بهذه المسابقة.. وسأنتظر النتيجة.
(تجلس على المقعد وكأنها تنتظر النتيجة)..
(بعد لحظات تنهض واقفة)..
ما هذا ؟
(تذهب إلى الباب وتفتحه) أنه تلغراف.. يبدوا أنه من لجنة المسابقات
ماذا بداخله ؟
(تتوسط المسرح) ..أيكون فيه سعادتى.. أم أيكون فيه تعاستى..
لا لا .. لا بد وأن أكون متفائلة.. سأفتحه وليكن ما يكون..
(تهم بفتحه .. ثم تقرأه .. مهللة) لقد فزت لقد فزت بالأم المثالية..
لقد فزت.. شكرا يا ألهى شكرا يا إلهى..
(تسقط على الأرض من الفرحة التى غامرتها)..
يظلم المسرح .. ويسدل ستار النهاية..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى