أحمد العتبي - ثنائية التاريخ و الجندر في (بنات الخائبات) للقاص العراقي علي السباعي

كثرت المقالات التي تناولت قصتي علي السباعي الصادرتين عام 2014 عن دار ميزوبوتاميا في بغداد، واللتين حملتا عنوان (بنات الخائبات) كما كثر القيل والقال في محتواهما وبنائهما ولغتهما، لكن كل ذلك ليس مما جعلني أؤخر قراءتي لهما، وبالتالي كتابتي عنهما. بل إن خوضهما في المسكوت عنه وتناول القاص لمحظورات أدبية فيهما هما ما منعاني تقديم هذه المقالة التي كان يفترض لها أن تكتب قبل سنة من اليوم..

فبؤرتا القصتين ومحور اهتمامهما، هما موضوع الذكورة المفقودة أو المنتزعة بالقوة.. وقد جاءتا -أي البؤرتين- وفق أبعاد تصويرية مميزة، اتسمت ببعض المبالغة.

بنات الخائبات، هو عنوان ملفت للنظر، لكتاب صغير من 47 صفحة ضم قصتين حملت الأولى عنوان (فرائس بثياب الفرح)، وكان عنوان الثانية (سيوف خشبية).

مجموع القصتين ائتلاف يمتلك وحدة مشتركة بين جميع عناصره حيث كان السباعي قد اختار فيهما عناصر لفظية من المستوى نفسه، وضمنهما وحدات نصية ذات بعد واحد، وعلاقات اجتماعية بنمط ميتاقصي ذي نمط واحد أيضا.

فمن الأولى نختار النص التالي مثالا لما سبق:
(مثل قيصر يتحدث عتودة عن رجولته وفحيح ذكورته يصم أذني. سألته بصوت خفيض وعيناها تنظران بعدائية في عينيه ذواتي الفصين الأبيضين الداميين، قائلة:
-ما قيمة أن تكون سيدا إذ كل ما تفعله هو تكرار لكونك السيد نفسه؟
بعدائية دفينة جاءها صوته جافا مهيمنا:
-تعري) ص19.
فهو ها هنا قد وظف شخصية عتودة (وقد عرفه القاص لنا بأنه خادم ابرهة الحبشي) الفاقد للذكورة، المضطهد للأنوثة عبر القصة الأولى كلها، واستعمل كل ما من شأنه إنجاح تلك الحبكة.

ولنتناول المثال التالي من القصة الثانية:
(صرخت بصوت عذب ومرتعش:
-الأنثى هي الأساس.
صحت بغطرسة كي أشجعها:
-سيف الرجل هو الأساس.
قالت بغضب وهي تعضني في زندي الأيمن:
-الانثى هي الأساس. إنها المخلوق الكامل. لأنها من تملك رحما.. ) ص37.

ومن مﻻحظة النصين السابقين بدقة يتبين لنا ائتلاف المحتوى السردي بين كل منهما. ومن تحليلهما وفق ما جاء بعنوان المقالة وبطريقة فرز الذوات الجندرية للابطال، وأيا ما يكن المفهوم اللغوي أو التاريخي للجندر- Gender وهو عندي ببساطة مجموع الصفات البايولوجية والتكوينية (داخلية وخارجية)، والسلوكية أيضا، والتي من خلالها نميز الذكر عن الأنثى، وقد كانت شخصيات السباعي في قصتيه شخصيات من نوع الCis-Gender وهي الشخصيات التي يتطابق تكوينها البيولوجي مع سلوكها داخل المجتمع الإنساني الذي تعيش فيه حيواتها. (الآن لمستها. كان ملمسها مثل خيط ضوء أزرق مترف مريح تألقت روحي فوف أسد بابل توشوش في أذنه ما قدنطقه عتودة بعد حركة إصبعه الماجنة. سأفض بكارتها بإصبعي) ص26.

وكم كنت أتوق لقصتين أخريين ضمن الائتلاف ذاته لتوضح ما ذهبت إليه في أعلاه، لكنه جعلهما اثنتين فقط فكان ذلك مخيبا لي بعض الشئ.
كما كان للتاريخ حضوره بشكل فاعل في كل منهما -على أنه كان أوضح وأظهر وأقوى أثرا من حيث التلقي في الأولى- فكأن القارئ يجد شحنا لفظيا غريبا في بعض الجمل خضع لتاريخية متجددة لأحداث ﻻ يمكن للزمن نسيانها أو إغفالها. وقد جاءت وفق الاشكال الآتية:

1. تاريخ سياسي-إنساني كاستقالة (هانس فون سبونك) من منصبه، وهو المنسق الدولي لشؤون العراق في الأمم المتحدة، وكانت الاستقالة احتجاحا على استمرار الحصار على العراق ص24.

2. حدث تاريخي محض كبناء مدينة (الناصرية) سنة 1869 بأمر من الوالي العثماني (مدحت باشا) وإشراف (ناصر باشا الأشقر) على البناء ص8.

3. توظيف المعتقدات والموروث الشعبي. ونجده جليا في مواضع منها قوله على لسان عتودة بطل قصته الأولى: (ناصرية. سأفض بكارتك قبل غروب الشمس) ص23 وقد أورد مقصده في هامش الصفحة بالاشارة الى ان بعض شعوب الأرض تعتقد ان من يعقد قرانه قبل الغروب يعيش حياة سعيدة.

4.الأسطورة. كإشارته الى الثعلب يمتطي ظهر فيل في ص8 منها، وغيرها.

بنات الخائبات.. عنوان لقصتين قصيرتين متفردتين في بنائهما، عميقتين في محتواهما، وفق ما وجدناه فيهما مما أشرنا إليه في أعلاه.

احمد العتبي

علي السباعي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى