حيدر العايب - طه عبد الرحمن في سجال فكري مع أركون والجابري:

أولا: موقف طه عبد الرحمن من التراث:
يشتهر طه عبد الرحمن بمقولته "نحن في التراث كما نحن في العالم لا اختيار لنا معه ولا انفصال عنه"[1]، فالتراث ببعديه الإنساني عموما والقومي خصوصا هو قدر الذّات العربية والإسلامية وجودا ووجدانا، ومنه لا طائل من مطالبات القطع عنه. وعليه كان التعامل مع التراث يقتضي تحرزا وضربا من الخصوصية في التعامل، وفق ما جاء تأصيله في كتاب "تجديد المنهج في تقويم التراث". وتتأتى مكانة هذا السِّفر في كونه؛ من جهة يعدُّ متنا ابستمولوجيا إذ به أرسى طه معالم ومبادئ وقواعد مخصوصة في التعامل مع التراث بخلاف قواعد التعامل المشهودة على ساحة الفكر العربي المعاصر، لذا وصف طه مكانته في كونها أكثر من أن تكون انعطافا في الدّرس التراثي بل انقطاعا حقيقيا فيه[2]. ومن جهة أخرى يعد متنا ايتيقيا، إذ وإن غلب عليه الشق الابستمولوجي/ النقدي فإنّه ينتمي للفلسفة الأخلاقية ككل انتماء الفرع للأصل، أي وضع أسس ابستمولوجية للفلسفة الأخلاقية، شاهد ذلك قول طه "ينبغي وضع الجواب الإسلامي في سياق الغرض الذي توخينا تحقيقه في جملة من كتبنا من ضمنها هذا الكتاب [من الكتب التي حددها طه في هذا السياق: الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، العمل الدّيني وتجديد العقل، تجديد المنهج في تقويم التراث، سؤال الأخلاق]، وهو الإسهام في إنشاء فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة"[3].

لقد لاحظ طه عبد الرحمن أنّ التعامل مع التراث من طرف المشتغلين به يأخذ بآليات ومناهج لا تنتمي للحقل الابستيمي من جنس التراث، وإّنما هي مناهج تأخذ شرعيتها من العقلانية الغربية الحديثة كعقلانية مجردة، ما جعله يحمل على عاتقه تمحيص وتقويم هذه الآليات، بوضع قواعد تأخذ بمقتضيات المجال التداولي العربي الإسلامي ذات العقلانية المسددة، تمتلك ناصية النصوص التراثية كما تمتلك ناصية المناهج المستجدة على الساحة الفكرية الراهنة، باعتبار "أن أغلب المنهجيات والنّظريات -الكلام لطه- المأخوذ بها في نقد التراث يصعب قبول أغلب مسلماتها، وإن بعضها، وإن قبلنا جدلا مسلماته، فمن الصعب قبول أغلب نتائجه، وإن بعضها الآخر، وإن قبلنا نظريا نتائجه، فمن الصعب قبول أغلب تطبيقاته؛ وترجع هذه الصعوبة في وقوع هذه المنهجيات والنظريات في أخطاء صريحة بصدد مضامين التراث، فقد استعجل أصحابها إصدار الأحكام على هذه المضامين... كما ترجع هذه الصعوبة إلى ضعف قدرة هؤلاء على امتلاك ناصية الأدوات المنهجية العقلانية والفكرانية التي توسّلوا بها في نقد التراث"[4].

في مقابل ذلك وضع طه قواعد منهجية بديلة تنزل بمثابة قواعد عامة تمثل "أمّهات القواعد" تنضبط بها ممارسة الاشتغال على التراث تتمثل في:

- وجوب الاهتمام بالمناهج التراثية كما الاهتمام بالمضامين، خاصة وأنّ النّص التراثي غني بمثل تلك الآليات والمناهج لغوية كانت أم منطقية.

- على المناهج المُستجدة أن تكون إغناء لمناهج التراث بتحديث إجراءاتها لا استغناء عنها بطمر وطمس معالمها.

- تمحيص الآليات المقتبسة من التراث الأجنبي قبل تنزيلها على التراث الإسلامي العربي.

- التنقيح والتلقيح المزدوج للمناهج بحيث لا يكون ذو اتجاه واحد، أي تنقيح وتلقيح المناهج الغربية بالمناهج العربية والإسلامية مثلما زيِّن للبعض تنقيح المنهج الإسلامية بالمناهج الغربية[5].

ولما كانت الآليات المجردة التي توسّل بها أهل الاشتغال الفلسفي الراهن، لم تستوفي شرط النظر التكاملي للتراث، وذهبت في المقابل إلى تجزئته إلى شرائح معرفية، بل وتمادت في إحداث تفاضل بين تلك الشرائح، حيث يكون الأقرب إلى العقلانية الحديثة هو الأكثر فضلا والأعز مكانة، أمام كلّ هذا، اجتهد طه في تقويم مغاير مستوفيا شروط النظر التكاملي للتراث، وذلك عبر اشتغالين اثنين؛ الاشتغال بآليات التداخل المعرفي والاشتغال بآليات التقريب التداولي.

ثانيا: المجال التداولي وتفعيل آليات التداخل المعرفي والتقريب التداولي: ما من تجربة فكرية لأفراد أو لأقوام إلاّ وتعد تراثا ينتمي لتاريخ العقل البشري والإنساني العام مهما امتدت مدتها التاريخية طولا أم قصرا، إلاّ أنّ هكذا أمر لا ينفي الخصوصية القيمية والمعرفية عن تلك المحاولات، وذلك لمحددات يختص به قوم دون غيرهم أو حضارة دون سواها؛ تتوزع على محددات اجتماعية-تاريخية، ومحددات لغوية، وأخرى ثقافية معرفية، كذلك عقدية قيمية... حيث تشكل كلّها ناظما ما ورائيا لما يكون عليه الخطاب Metha-discours. يُعبِّر عنه البعض بالابستيمي[6]، والبعض الآخر بالنّموذج المعرفي[7]، وقد عبّر عنه طه بالمجال التداولي.

وعليه يجد خطاب الخصوصية مشروعيته لا من موقف إيديولوجي تعظيما لمقدرات الأنا نكرانا لإسهامات الآخر، وإنّما بما انجلى له من فتوحات على مستوى نظريات المناهج والعلوم الإنسانية والنّظريات المعرفية والثقافية الرّاهنة. من هذا المنطلق تأتي مساهمة طه عبد الرحمن من زاوية استثمارا تلك الفتوحات والمكاسب المنهجية رسما لآليات وأدوات التثاقف التراثي؛ وذلك بين آليات التداخل المعرفي وآليات التقريب التداولي.

1- النظر التكاملي والاشتغال بآليات التداخل المعرفي[8]: يتقوم الاشتغال بآليات التداخل المعرفي عند طه عبد الرحمن وفقا لمبدأين اثنين؛

- مبدأ تداخل العلوم التراثية فيما بينها: "اعلم أنّ التداخل تداخلان اثنان: أحدهما داخلي يحصل بين العلوم التراثية الأصلية، بعضها مع بعض؛ والثاني، خارجي يحصل بين هذه العلوم وغيرها من العلوم المنقولة"[9].

- مبدأ تقريب العلوم المنقولة إلى المجال التداولي الإسلامي: "واعلم أنّ التقريب هو ايضا تقريبان اثنان: أحدهما؛ نظري يتعلق بتصحيح العلوم النّظرية المنقولة وتكييفها بحسب محددات المجال التداولي. والثاني؛ عملي يتعلق بتنقيح العلوم العملية المنقولة وتوجيهها بقتضى موجهات هذا المجال"[10].


2- النظرة التكاملية والاشتغال بآليات التقريب التداولي:
التقريب في نظر طه "هو وصل المعرفة المنقولة بباقي المعارف الأصلية أو قل بإيجاز... جعل المنقول مأصولا"[11]. هذا النقل وهذا التأصيل يشترط وجود مجالين فأكثر باعتبار أنّ "المأصول هو ما تحقق وصله بأصل مخصوص"[12].

فالمجال التداولي يُعد الدّعامة الأساسية لنظرية تكامل التراث، هذا المجال قائم على دعوى "التداول الأصلي" نصُّها؛ "لا سبيل إلى تقويم الممارسة التراثية ما لم يحصل الاستناد إلى مجال تداولي متميز عن غيره من المجالات بأوصاف خاصة ومنضبط بقواعد محددة يؤدي الإخلال بها إلى آفات تضرُّ بهذه الممارسة"[13].

انطلاقا من تلك القاعدة يجعل طه للمجال التداولي أسبابا ثلاثة تنهض بشرط التفاعل والتواصل بين الوافد والأصيل من المعارف والعلوم؛ أسباب لغوية: كون اللّغة أقوى أداة تواصلية يتفاعل بمقتضاها المتخاطبون، ويكون التبليغ أفيد والتأثير أشد قدر ألفة اللّغة إليه واتصالها بزاده اللّغوي. و أسباب عقدية: ذلك أنّ الصّبغة العقدية هي من أصبغت التراث سعة وثراء، فهو مبثوث في كل ممارسة تراثية، ولا تقويم ينفك عن هذا السّبب. ثم أسباب معرفية أو عقلية: بمعنى أنّ ما يتناقله المتخاطبون بلغتهم وما يتعلمونه بموجب عقيدتهم هي عبارة عن مضامين دلالية وطرق استدلالية، إذ المعرفة هي موضوع ومضمون التفاعل والتواصل[14].

كل سبب من تلك الأسباب يُحمل على قواعد تضمن عدم الاخلال بالممارسة التراثية[15]:

قواعد السّبب العقدي
قواعد السّبب اللّغوي
قواعد السّبب المعرفي/ أو العقلي


1/- قاعدة الاختيار: "سلّم بأن العقيدة التي لا تنبني على أصول الشرع الإسلامي، قولا وعملا، كائنة ما كانت، لا تعدُّ عقيدة مقبولة عند اللّه عزّ وجل".

2/- قاعدة الائتمار: "سلِّم بانّ الله سبحانه وتعالى واحد مستحق للتّقديس والتنزيه والعبادة دون سواه، متبعا تعاليم الرسالة التي بعث بها نبييه الخاتم سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم".

3/- قاعدة الاعتبار: سلِّم بأنّ كل ما سوى الله لا يكون إلاّ بمشيئته ولا يحفظ إلاّ بمنته معتبرا مقاصده في أحكامه ومعتبرا بحكمته في مخلوقاته".

1/- قاعدة الإعجاز: "سلّم بأن اللّسان العربي استعمل في القرآن الكريم بوجوه من التأليف وطرق في الخطاب يعجز الناطقون عن الإتيان بمثلها عجزا دائما".

2/- قاعدة الإنجاز: "لا تنشئ من الكلام إلاّ ما كان موافقا لأساليب العرب في التعبير وجاريا على عاداتهم في التبليغ".

3/- قاعدة الإيجاز: "لتسلك مسلك الاختصار في العبارة عن مقاصدك، مؤديا هذه المقاصد على الوجه الذي يسهل به وصلها بالمعارف المشتركة ويحمل على استثمار هذه المعارف أقصى ما يكون الاستثمار".

1/- قاعدة الاتّساع: "سلِّم بأنّ المعرفة الإسلامية حازت اتساع العقل بطلبها النفع في العلم والصلاح في العمل، ولا نفع في العلم ما لم يقترن بالعمل، ولا صلاح في العمل ما لم يقترن بطلب الآجل".

2/- قاعدة الانتفاع: "لتكن في توسلك بالعقل النظري، طلبا للأسباب الظاهرة في الكون منتفعا بتسديد العقل العملي".

3/- قاعدة الاتباع: "لتكن في توسّلك بالعقل الوضعي طلبا للعلم بالغايات الخفيّة للكون، متَّبعا إشارات العقل الشرعي".

وعليه فإنّ ما يميِّزُ المشروع الطاهائي عامة على نحو ما قال به بعض المهتمين "أنّه حاول بكلّ طاقته أن يستقل عن المعايير الأجنبيّة في الوصف وإنتاج المعرفة؛ فأخذ بأسباب العربيّة في التعبير والتبليغ، وكان بتصرفه هذا علامة فارقة بين من يتعاطون التّفلسف في الوطن العربيّ"[16].

خاصة أنّنا نجد في ساحة الفكر العربي من يعترض على القول بالمجال التداولي معتبرا إيّاه ذي أصول مغرقة في القدامة، كعبد الله العروي الذي أخبر أنّه لا زال ينتظر الجديد الموعود من طه دونما وفاء الأخير بالوعد، إذ كلّ ما حصل هو البحث عن أصل أعمق أبعد عن الراهن وأعرق في الماضي، فالمشروع الطاهائي نصل به إلى إحياء آليات تكريس ذلك التراث العتيق[17].

ثالثا: التقويم المسدد للخطاب الفلسفي العربي والإسلامي الراهن: على نحو ما تقدم يغدو مشروع طه عبد الرحمن مشروع نقدي تقويمي، دون أن يعني ذلك طبعا انتفاء البعد الناقد في المتن الطاهائي، إذ كل ممارسة فلسفية حيّة ممارسة نقدية أساسا، لكن ليس كلّ نقد تقويم، إذ النّقد الطاهائي نقد تكاملي لا تجزيئي تفاضلي كذلك الذي يشهده الإنتاج الفكري العربي والإسلامي الرّاهن. وهو ما جاء تأكيد طه عليه في قوله: "لكم كان ذهولنا عظيما ونحن نرى صدور الأعمال إثر الأعمال، داعية إمّا إلى قطع الصّلة بهذا التراث المتفرد، وإمّا بالاجتزاء بأقل بقية منه، حتى لم يعد أهون على بعض من أن يشنع بالتراث ويقدح في أهله... فإن هم صاروا إلى القول بالانقطاع عن مجموع التّراث، مع الالتجاء إلى تراث حاضر غيره -يقصد الحداثة الغربية-، مقلدين لمسالكه ومتشبهين بأصحابه، أو إلى القول بالانقطاع عن أغلب التراث، مقتصرين منه على ما يقيم صلتنا بتراث ماض غيره -يقصد الثقافة اليونانية القديمة- فما ذاك إلاّ لقصور في التّحقق بمعاني التراث أو قصور في معرفة أسرار المناهج التي سلطوها عليه"[18].

واضح من هكذا ادعاء رفضا طاهائيا لمن لا يأخذ بالمقتضيات الابستمولوجية والفكرانية للتراث الإسلامي، ذلك في مقابل الاستعانة بمقتضيات تراث مغاير واسقاطها اسقاطا غير مشروط على الأوّل، إذ كيف ستكون نتائج هكذا اسقاط، طبعا، النتائج محسومة إمّا لصالح القراءة المناوئة لذلك التراث جملة وتفصيلا، وإمّا الانحياز صوب القراءة التجزيئية له، وليس هذه الأخيرة بأقل خطورة عن الأولى، لأن الجانب التراثي الذي تدعوا للتّمسك به والاستثمار فيه وفي مباديه، هو الآخر موروث عن التراث الغربي في صورته الإغريقية، فكانت وبلا شعور منها أن دعت إلى قطيعة تامة مع التراث الإسلامي.

هذا إلى جانب الأحكام التّعسفية التي تصدرها بحق أحد أجزاء التراث ومكوناته المعرفية على حساب أخرى، في حين أنّ الممارسة التراثية تشهد على تكاملها كُلٌ مجتمعة. وهو المعيار الذي نقيم على أساسه الفصل بين التقويم التفاضلي والتقويم التكاملي، وحدّ النقد التقويمي التكاملي أنّه "عبارة عن عملية نقدية مبناها، أساسا، على الاعتراض على هذا النّص بالمناهج المشروعة حتى يتبين كيف تستند وسائله أو مضامينه إلى أدلة مقبولة" أو "هو مطالبة النّص بالتّدليل على وسائله أو مضامينه". ويأتي على خلاف التقويم التجزيئي التفاضلي و"هو التقويم الذي يغلب عليه الاشتغال بمضامين النّص التراثي ولا ينظر البتة إلى الوسائل اللّغوية والمنطقية التي انشئت وبلّغت بها هاته المضامين"[19].

في هذا السّياق تأتي محاولة طه تقويما لمشاريع النّهضة العربية بكلا اتجاهيها، الاتجاه الحداثي والاتجاه الأصولي التراثي، الأولى في انقطاعها عن شروط التأصيل على مقتضى قواعد المجال التداولي، والثانية في انقطاعها عن شروط التجديد الروحي، وجمعهما في سبيل التقويم التكاملي الطاهائي.

1- التقويم التكاملي للنقد التجزيئي التفاضلي: بما أنّ مشروع الفكري لطه عمل تقويمي لما سبق من أعمال جرى تفعيلها في الساحة الفكرية العربية التي وكما ذكر طه بأنّها "ظلمت التراث ظلما" لسببين؛ أنّها حمّلته من المناهج المنقولة ما لا يحتمل. وأنّها، أبانت عن موقف تجزيئي تفاضلي لعناصر التراث. فقد جاء عمله تقويما بنائيا لا يقابل الهدم بالهدم وإنّما يقابل الهدم بالبناء، وهو صاحب هذا التصريح: "لم نقابل الهدم بالهدم، بل صرنا إلى مقابلة الهدم بالبناء... ولقد نحونا في تقويم التراث منحى غير مسبوق ولا مألوف؛ فهو غير مسبوق، لأنّنا نقول بالنّظرة التكاملية حيث يقول غيرنا بالنّظرة التفاضلية؛ وهو غير مألوف، لأنّنا توسّلنا فيه بأدوات "مأصولة" حيث توصّل غيرنا بأدوات منقولة"[20].

والتقويم التجزيئي التفاضلي في نظر طه "يشتغل بالمضامين بدل الآليات"، وهذا مبرره في تقويم دعوى النقد التجزيئي، متوسّلا بمسلمة "مقدمة التركيب المزدوج للنّص"، أي أنّ للنّص جانبه المضموني وجانبه المنهجي، دعوى المسلمة يوردها طه كالآتي: "سلّم بأنّ كل نص حامل لمضمون مخصوص، وأنّ كل مضمون مبني بوسائل معينة ومصنوع على كيفيات محددة، بحيث لا يتأتى استيعاب المستويات المضمونية القريبة والبعيدة للنّص إلاّ إذا أحيط علما بالوسائل والكيفيات العامة والخاصة التي تدخل في بناء هاته المستويات المضمونية"[21].

تلك الوسائل والآليات اللّغوية والمنطقية تسمى بــ "الآليات الإنتاجية" أو "الآليات الأصلية" أو "الآليات التّحتية". وفي اعتقاد طه أنّ الأعمال الموجّهة لتقويم التراث سادتها نزعتان؛ الأولى نزعة مضمونية والثانية نزعة تجزيئية، الأولى تكتفي بالمضمون ففاتتها الآليات الإنتاجية، في حين أنّ الثانية تأتي على تقسيم المضامين إلى قطاعات متمايزة، لتفضِّل إحداها على الآخر. لذا وقع كلاهما في خطأ "الإخلال بحقيقة التلازم بين الطّرفين المكونين لمقدمة التركيب المزدوج للنّص". أيضا، فالمشتغلون بالمضامين لزمهم تحليل المضامين متوسلين بآليات ومناهج من جنس تلك المضامين (أي المناهج الأصيلة)، وهذا متعذر، لأنّهم كمشتغلين بالتراث لم يكترثوا بالمناهج والآليات واقتصروا على المضامين، لتوجيهها حسب أغراضهم وتوجهاتهم ومرادهم، ما يعني أنّهم توسلوا بآليات غير آليات التراث الأصيل، فهي آليات خارجة عن المجال التداولي، يَسِمُها طه بــ "الآليات الاستهلاكية" أو "الآليات الفرعية"، أو "الآليات الفوقية". هذا الصّنف من الآليات المنقولة غير المأصولة تنقسم إلى قسمين؛ "صنف الآليات العقلانية" و"صنف الآليات الفكرانية"[22].

فلم يقتصر بذلك النقد التقويمي على صنف المشتغلين بالمناهج دون المضامين، وإنّما الطّرف الآخر كذلك، المشتغلين بالمضامين دون المناهج، لذا، ومثلما أبان نقده التقويمي على حدود الاستناد على آليات العقلانية المجردة ويقصد على نحو خاص صاحب "نقد العقل العربي" أي الجابري[23]. أتى نقده كذلك على من يستند على الآليات الفكرانية المسيَّسة، من فكرانين (إيديولوجيين) كالماركسيين واللّيبيراليين، والقوميين، خاصة صاحب النّزعة التاريخانية أي عبد اللّه العروي. الأول وما انجر عنه من تقسيم التراث إلى شرائح متباينة وتفضيل ما يناسب العقلانية المجردة عن الأخلاقية على العقلانية المسددة بالأخلاقية[24]. أمّا الثاني في إفراد الجانب الحداثي بالقدرة على الوفاء بشروط النّهضة الثقافية والحضارية، وقد جعل العروي من مسألة المنهج "قطيعة مع مضمون التراث" ذلك أنّه لا مجال لفهم التراث فهما موضوعيا ما لم تكن القطيعة معه شرطا قبليا، ما يجعل الباحث في التراث من جنس المستشرق، وهو أمر مشروع في نظره، غياب الوعي بالقطيعة يجعل قراءة التراث تحقيقا تافها [25].

توضيحا لما سبق، كان الجابري أن أعلن في كتابيه "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" تقسيمه للعقل العربي إلى ثلاث بنيات متباينة، العقل البياني، والعقل العرفاني، والعقل البرهاني. ففي الكتاب الأول جاء الجابري على تأريخ الفكر العربي إنطلاقا من لحظة التّدوين كمرحلة للثقافة العالمة -أي الثقافة غير الشفوية والعملية العفوية للتراث العربي- هاته الفترة التي حدّدها إنطلاقا من المرحلة الأولى من الخلافة العباسية وذلك عقب سقوط الأمويين عام 132ه إلى غاية بداية خلافة المتوكل سنة 230ه[26]، وبحسب الجابري فإنّ الأنظمة المعرفية الفاعلة في تاريخ الثقافة العربية منذ عصر التدوين ذاك لا يخرج عن الأنظمة الثلاثة تلك.

أمّا عن البيان فيعد نظاما أصيلا لا دخيلا، تأسس ابتداء برسالة الشافعي، فحق أن يكون العقل العربي عقلا بيانيا، مثلما أنّ العقل الإغريقي عقل برهاني، أمّا العرفان فله ظروفه الاجتماعية والسّياسية داخل كلا الثقافتين العربية والإغريقية، لذلك يعدُّ عنصرا ثقافيا دخيلا على كلتا الثقافتين، ويصفه الجابري بــ "العقل المستقيل". بداية ظهور هذا النوع من الأنظمة المعرفية في الحضارة الإغريقية كان بتراجع السلطة العلمية الحسية الأرسطية، والنزوع نحو الديالكتيك العقلي بدل الديالكتيك الحسي، أي إلى التجريد واحتقار التجربة، وهو الذي جعل العقل البرهاني مذ بدايته عقلا أرستقراطيا، ارستقراطية المجتمع الإغريقي الذي يجعل العمل الحسي للعبيد والفكر المجرد للفلاسفة الحكام. وهو ما يُعارض حقيقة فلسفية وتاريخية مفادها أنّ العلم هو من يرقى بالفلسفة وليس الأمر خلاف ما قد يعتقده البعض[27].

وعليه كانت استقالة العقل البرهاني خلال العصر الهلنستي سببه تبلور مدارس فلسفية ذات طابع عرفاني كالأفلاطونية مثلا، ومعلوم أنّ هاته الفترة هي فترة ضعف العقل الإغريقي ولحظة أفوله، وهكذا فالعرفان لا ينمو إلاّ في بيئة استقال فيها العقل وبدأ ذيوع ثقافة لاعقلانية هي من أتت على النظام البرهاني. ولئن كان هذا هو الحال في الثقافة الإغريقية، فإنّ الحال وبحسب الجابري لا يختلف كثيرا عنه في الثقافة العربية، لكن بنوع من الخصوصية، فلئن كان البرهان هو أرقى عقلانية عرفتها الأنظمة المعرفية البشرية، فإنّ أفولها بسبب العرفان كان لأسباب خارجية عن النظام البرهاني، وهي أسباب سياسية واجتماعية أساسا، مثل النمو الديمغرافي وحالة التمدن التي عرفها الإغريقي، ما استوجب من البعض العزوف عن حالة التمدن تلك. أمّا في حال النظام العربي فإنّ البيان في نظر الجابري يحمل في ثناياه أسباب أفوله، ما يعني أنّ تراجعه لصالح العرفان لم يكن لظروف خارجية قاهرة بل لأسباب داخلة في النظام البياني ذاته، وهي اشتغاله بــ "النّص" أي النص القرآني والحديث، والعلوم التي تخدم النّص من نحو وبلاغة وفقه وأصوله وعلم الكلام. في حين أنّ النظام البرهاني اشتغاله كان بـ "الطّبيعة"، وذلك مبرر كون علومه من جنس العلوم التجريبية والرياضية[28].

وعندما يتكلم الجابري عن نظام معرفي، فهو لا يتحدث عن اتجاه علمي أو مجرد نزعة إيديولوجية، بقدر ما يقصد رؤية للعالم، فالبيان يشكل رؤية للعالم الأمر ذاته بالنّسبة للعرفان والبرهان. أمّا عن الأول، أي البيان، فتنتظم فيه العلوم العربية الاستدلالية الخالصة كالنّحو والفقه والكلام والبلاغة، خاصة شقها القانوني، أي تحديد وحصر وتقسيم وضبط آليات تلك العلوم، والإفصاح عن رؤيتها للعالم، من لغويين ونحاة وبلاغيين وعلماء أصول الفقه وعلماء الكلام، معتزلة كانوا أم أشاعرة أم حنابلة أو ظاهريين أو سلفيين، قديمهم وحديثهم. دون أن يقتصر البيان على علماء اللّغة، فهم متأخرون عن البيان، بل البيان يشمل كل ما تتم به عملية "الفهم" و"التلقي"، وبصفة عامة "التَبيُّن"[29].

يعدُّ الإمام الشافعي أوّل واضع لقوانين تفسير الخطاب البياني، وبالتالي "المشرِّع" الأكبر للعقل العربي، لذا سيغدو البيان ليس مجرد مصطلح بل "اسما جامعا". لكن للجاحظ والمعتزلة عموما حظّهم الأوفر من البيان، ويختلف بيان الشافعي عن الجاحظ، في أنّ الأول اهتم بشروط تفسير الخطاب، وذلك في اهتمامه بالنّصوص الدّينية الكتاب والسّنة، فهو يهمه "قصد المتكلم". أمّا الجاحظ فقد كان اهتمامه بشروط انتاج الخطاب، وذلك باهتمامه بالنّصوص الأدبية كالشّعر والخطابة، فما يهمُّه هو السامع أو القارئ، ولبيس أدلّ على ذلك من أسلوبه الاستطرادي واهتمامه بنفسية القارئ وعقله جذبا وتشويقا وتنشيطا له[30].

أمّا العرفان Gnose فمعناه اللّغوي معرفة الأسرار الإلهية، ومنه العرفانية Gnosistisme وهي المذاهب الدّينية التي ظهرت خلال القرن الثاني للميلاد. وهو في نظر الجابري "نظام معرفي ومنهج في اكتساب المعرفة ورؤية للعالم، وأيضا موقف منه، انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية من الثقافات التي كانت سائدة قبل الإسلام في الشرق الأدنى وبكيفية خاصة في مصر وسورية وفلسطين والعراق"[31].

على خلاف البرهان، ينكر العارفون العقل والحس، لارتباطهما بالجسد، في مقابل ذلك يعتدُّون بمنهج آخر وهو "الكشف"، وهكذا كان العرفان قائما على تجنيد الإرادة وليس شحذ الفكر، ويجعل الإرادة بديلا عن العقل[32].

ويميز الجابري في العرفان بين تيارين؛ العرفان كموقف من العالم، والعرفان كنظرية لتفسير الكون والإنسان ومبدئهما ومصيرهما. الأوّل يهيمن عليه جانب الموقف، موقف فردي ونفسي وعملي، يتلخص في رفض العالم ونُشدان الاتصال بالإله والوِحدة معه، ما يدفع العارف إلى التشكي من العالم ووضع الإنسان فيه وشعور مضاعف بالخيبة لانحباس النفس في الجسد والفرد في المجتمع الأمر الذي يجعله يضخِّم أناه، وتصبح مشكلته الرئيسية هي الشّر في العالم. في حين أنّ الثاني، يطغى فيه الجانب التأويلي والتفسيري ومحاولة تشييد نظرية دينية فلسفية تشرح تطور الخليقة من المبدأ إلى المعاد[33].

أمّا النظام البرهاني فهو الآخر أحد الأنظمة الثلاث الفاعلة في حقل الثقافة العربية، ويختلف عن النظامين السابقين، البيان والعرفان، يقول الجابري: "وإذا نحن أردنا أن نحدد تحديدا أوّليا هذا النظام، المعرفي البرهاني، أمكن القول: إذا كان البيان يتّخذ من النّص والإجماع والاجتهاد سلطات مرجعية أساسية ويهدف إلى تشييد تصور للعالم يخدم عقيدة دينية معطاة هي العقيدة الإسلامية أو بالأحرى نوعا من الفهم لها، وإذا كان العرفان يتّخذ من الولاية، وبكيفية عامة من "الكشف" الطريق الوحيد للمعرفة ويهدف إلى الدخول في نوع من الوِحدة مع اللّه، وهذا هو موضوع المعرفة عند أصحابه، فإنّ البرهان يعتمد على قوى النفس المعرفية الطبيعية، من حس وتجربة ومحاكمة عقلية وحدها دون غيرها، في اكتساب معرفة بالكون ككل وكأجزاء، لا، بل لتشييد رؤية للعالم يكون فيها من التماسك والانسجام ما يلي طموح العقل إلى إضفاء الوِحدة والنظام على شتات الظواهر ويرضي نزوعه الملح والدّائم إلى طلب اليقين"[34].

هذا ويضرب البرهان بجذوره إلى المدرسة الطبيعية من تاريخ الحضارة الإغريقية ، إلاّ أنّه مع أرسطو شهد اكتمالا ونضجا، حتى أنّ دخوله للثقافة العربية كان بترجمة الكتب الأرسطية من لدن فيلسوف قرطبة الوليد بن رشدـ الحفيد، وهو يستمد رؤيته للعالم من التّصور الأرسطي للعالم؛ الإنسان والكون والله، كتصور استاتيكي بنائي منتظم انتظام القواعد المنطقية الأرسطية.

إلاّ أنّ الأهم في السجال الدائر بين الجابري وطه عبد الرحمن ليس فقط هذا التقسيم الثلاثي للأنظمة المعرفية، بل ما يهم وعلى نحو أكثر، عقد الجابري لمفاضلة بين تلك الأنظمة المعرفية الثلاث، إذ انتصاره للنظام البرهاني لا تورية فيه، وحطّه من قدر العِرفان ورد بالنّص الذي لا تأويل معه، شاهد ذلك قوله: "انتصار "العرفان" وتحول "البيان" إلى "عقل - عادة" و"البرهان" إلى "عادة - عقلية"... تلك هي المظاهر الرئيسية لظاهرة استقالة العقل في الثقافة العربية الإسلامية في عصر التراجع والانحطاط، هذه الاستقالة التي مازال مفعولها ساريا إلى اليوم في كثير من الأوساط المثقفة، إن لم يكن في كلها تقريبا، دع عنك الأغلبية الساحقة من الجماهير الأمية.. هل نحتاج إلى تأكيد ذلك بأمثلة؟ هل يحتاج النهار إلى دليل؟"[35].

كما يبدو تأسفه ملحوظا من انتصار أهل العرفان على أهل البرهان من العقل العربي، انتصار ابن سينا والسهروردي وأبي حامد الغزالي على ابن رشد والحسن بن الهيثم والفلكي الأندلسي نور الدّين أبو اسحاق البطروجي، في مقابل رواج البرهان بشقيه الفلسفي الرشدي والعلمي، في أوربا الحديثة والتي على أساسها، أي العلوم البرهانية، تمت نهضة أوربا الحديثة، مع طرد دائرة العرفان نهائيا خاصة مع نضال الكنيسة ضد الغنوص أو العقل المستقيل[36].

وإذا تقرر ذلك مع الجابري فإننا نصرف النظر إلى طه وموقفه من قراءة الجابري التجزيئية، حيث يبدي طه ملاحظته على أنّ غالبية الاتجاهات الفاعلة في السياق العربي الرّاهن وإن اتّفقت في التشريح التجزيئ، فإنّ اختلافهم في انتخاب الشريحة الأقرب إلى العقلانية المجردة التي استندوا عليها تبقى محل خلاف بينهم، فمنهم من يراها في النصوص الفلسفية ومنهم من يراها في النصوص اللّغوية ومنهم في النّصوص الكلامية والبعض الآخر يراها في النّصوص الفقهية... ووجه الاعتراض الطاهائي عليها توضّحه المساءلات التالية؛

- أنّها لم تبرهن على تحصيل الدّربة في استخدام الآليات العقلانية المنقولة، فضلا عن أن تبرهن على الإحاطة بتمام هذه الآليات.

- هي لم تمهد لتنزيل هذه الآليات العقلانية على التراث بنقد كاف وشامل لها، لتبيِّن مدى كفاءتها وقوتها.

- كما أنّها لم تجري النّقد على العقلانية المعاصرة، خاصة وأنّ هنالك من ينتقدها من موطنها[37].

ما يعني أنّ هؤلاء فاتهم إدراك خصوصية المعرفة التراثية، بما هي معرفة عملية بالأساس لا نظرية حال العقلانية المجردة التي استند إليها هؤلاء، أو تأنيسية لا تسييسية، فكونها عملية تأنيسية لارتباطها بالقيم السّلوكية وانبنائها بالتّعاون مع الغير في إظهار الصواب وتحقيق الاتفاق ( يقصد أسلوب المناظرة). ومنه فإنزال العقلانية المجردة على تراث معرفي عملي بالأساس سيؤدي إلى اقتطاع جزء كبير منه، أو تأويل ما هو مستعصي على هذه العقلانية، مع العلم أنّ هذه النّصوص مُتقوِّمة بالنّظر المسدد بالعمل، وبواسطة العقل الشرعي كأقوى تسديد[38].

2- التقويم التكاملي لدعوى شرعانية العقل الإسلامي: تعود دعوى شرعانية العقل الإسلامي للمفكر محمد أركون الذي دعا إلى ما وسمه بــ "المهمة المستعجلة" في قراءة التراث، قراءة تستند على المناهج المعاصرة. هذا وعن مجموعة الأسباب التي جعلت نقد العقل يمارس ثقله على الدّراسات الإسلامية والفلسفية الرّاهنية، يحدد أركون سببين رئيسين:

- من المُلحِ و العاجل أن نطبق على دراسة الإسلام المنهجيات والإشكاليات الجديدة؛ أي تطبيق المنهجيات والآفاق الواسعة للبحث، من تاريخية وألسنية، وسيميائية دلالية، وأنثروبولوجية وفلسفية. ثم ينبغي البحث عن الشروط الاجتمــاعية التي تتحكم بإنتـاج العقول وإعادة إنتاجـها.

- أن الإسلام السّياسي الحالي يدّعي الانتساب إلى نظام العقول التي تحيل إلى الوظيفة التسويغية والتشريعية للعقل الإسلامي الكلاسيكي. فمن المهم التساؤل عن المشروعية (أو الصحة) الدينية والتاريخية والفلسفية لمزعم كهذا، وإن أمكن ذلك، فإنّ الأمر يتطلب قطع مسارات ثلاث؛ أولا، ما هي مكانة العقل الإسلامي الكلاسيكي من الناحية الابستمولوجية؟. ثانيا، هل هنالك استمرارية تاريخية حقيقية ومحسوسة بين العقل الإسلامي الكلاسيكي ونوعية العقول التي تدعي الانتساب إليها الخطابات الإسلامية المعاصرة؟ أم أن هناك قطيعة بينهما بالقوة أو بالفعل محجوبة ومغطاة بواسطة سلسلة من الإسقاطات الثقافية على الماضي؟. ثالثا، ما رأي الفكر الإسلامي الحالي بتاريخية العقل بشكل عام، وتاريخية العقل الإسلامي بشكل خاص؟[39].

إلى جانب العاملين السابقين يمكن الحديث عن عاملين آخرين لا يقلان أهمية عن سابقيهما، و إن لم يصرح بهما أركون مباشرة، إلاّ أنّه يمكننا استخرجهما ضمنيا من خلال نصوصه المتعددة. نحصي ذينك السببين في:

- أن الفكر الإسلامي الراهن لا يزال يستمر في الارتكاز وإلى حدٍّ كبير على المسلمات المعرفية (ابستيمي) القرون الوسطى، ذلك أنه يخلط بين الأسطوري والتاريخي، ثم يقوم بتكريس دوغمائية للقيم الأخلاقية والدينية، وتأكيد تيولوجي على تفوقية المؤمن على غير المؤمن والمسلم على غير المسلم، و تقديس اللغة، ثم التركيز على قدسية المعنى المرسل من قبل الله ووحدانيته (معنويا)، هذا المعنى الموضح والمحفوظ والمنقول عن طريق الفقهاء، بالإضافة إلى عقل أبدي فوق تاريخي، لأنه مغروس في كلام الله ومجهز بأساس أنطولوجي يتجاوز كل تاريخية[40].

- اعتقاد أركون في غياب قراءة علمية وموضوعية للعقل الإسلامي سواء من طرف الأوساط الإسلامية أم الغربية (الاستشراقية). فكل ما قيل و يقال عن التراث الإسلامي يبتعد كثيرا أو قليلا عن الخطاب العلمي أو ما يتسم به من خصائص، بمعنى أنه يندرج ضمن الخطاب الإيديولوجي ويساوي في ذلك الخطاب التبجيلي الذي ينتجه المسلمون عن تراثهم مع الخطاب الاستشراقي الذي إن لم يكن احتقاريا ازدرائيا فهو بارد حيادي، لا يولي أهمية لواقع المسلمين ومعاناتهم اليومية، ومن ثم بقي التراث الإسلامي بعيدا عن كل دراسة علمية "فكل الخطابات موجودة في الساحة العربية أو الإسلامية ما عدا خطاب واحد هو الخطاب العلمي والتاريخي والفلسفي الأنثروبولوجي عن التراث الإسلامي، هذا هو الخطاب الغائب وغيابه مُوجع ..."[41].

لمثل هذه المطالب لا تزيد دعوى "شرعانية العقل الإسلامي" في نظر طه، عن كونها افتتانا من صاحبها بفتوحات العقل العلمي الحديث خاصة في مجال العلوم الإنسانية، وأنّ دعوى الشرعانية هاته تتضمن الأفكار التالية؛ التّمييز بين مكونات النظر الإسلامي ومكونات النظر الحديث. أيضا، المقابلة بين خصائص الخطاب القرآني وبين معايير العقلانية، مع الاحتكام في تقويم هاته الصفات القرآنية إلى العقلانية دون الاحتكام إلى القرآن حين وصف العقلانية. كذلك موقفها من مذاهب الفقهاء ومدارس المتكلمين حيث ترى فيها مجرد حركات تساند تناحر الجماعات السياسية للهيمنة في مجال السلطة، من جهة، وتساهم في التنكر لمقتضيات التاريخ سواء ما تعلق بتعاقب الأحداث أو ما ارتبط بتجدد أحوال الإنسان من جهة ثانية. ثم، انكارها على الفكر الإسلامي التوجيه الدّيني لتصوراته وآرائه وأنساقه النّظرية. كلّ هذا يجتمع في جعلها لتقنين الشريعة الإسلامية (الفقه) خروجا عن مستلزمات العلم الصحيح[42].

وبالفعل هنالك عديد النّصوص التي يزخر بها المتن الأركوني تعكس صحة ذلك منها؛ قوله بأنّ الفقهاء عملوا على تكريس إيديولوجيا سياسية معينة وتساندها لغلبة جبهة سياسية على أخرى، حتى أنّ جمع القرآن الكريم جاء فيه إقصاء لأهل البيت سياسيا، ما جعل أركون يرتضي لنفسه نقد العقل الإسلامي (و ليس العربي) انطلاقا من خلفية تلتبس فيها التطلعات الابستمولوجية بالمطالب الفكرانية، ترتبط بــ "هاجس النص القرآني". إذ أن النّص القرآني قد فعل فعلته في هذا العقل انطلاقا من بداية التأسيس الأولى، لذا ولسبر أغوار العقل الإسلامي وبطريقة تفكيكية عمل أركون على ملاحقة هذا الفاعل، هذه الملاحقة جعلته يرى في النّص القرآني ظاهرة أكثر منه كلاما إلهيا خالصا، إذ الوحي أكبر بكثير من أن يحصر بين دفتي كتاب.

فالنّص المكتوب والمحصور بين دفتين سَيُكرِّس نوعا من السّلطة، تسلط العقل الكتابي الدغمائي على الشفوي، وعثمان بن عفان رضي الله عنه تمكن من جمع هذا المصحف انطلاقا من نفوذه السياسي كخليفة للمؤمنين، مكنه هذا النفوذ من إقصاء مجموعة معتبرة من النصوص القرآنية للأشخاص الذين هم خارج الخط السني كالشيعة والخوارج مثلا، بل وحتى داخل آل البيت باعتبار أن عثمان بن عفان أحد أعضاء العائلة المعادية لعائلة النبي، أي أنّه ليس من بني عبد المطلب، حيث "راح الخليفة الثالث عثمان بن عفان (أحد أعضاء العائلة المعادية لعائلة النبي) يتخذ قرارا نهائيا بتجميع مختلف الأجزاء المكتوبة سابقا والشهادات الشفهية التي أمكن التقاطها من أفواه الصحابة [الأوائل]، أدى هذا التجميع عام 656م إلى تشكيل نص متكامل فرض نهائيا بصفته المصحف الحقيقي لكل كلام الله كما كان قد أوحي إلى محمد... هذه هي المقولة الرسمية التي لا يسمح لأحد من البشر أن يوجه إليها أدنى ذرة من الشك"[43].

يقول أركون في موضع آخر: "تقول رواية التراث الإسلامي، كما أسلفنا، أن جمع القرآن قد ابتدأ إثر موت النبي مباشرة في عام 632م، بل و يبدو أنهم قد دونوا في حياته بعض الآيات. وهكذا تشكلت نسخ جزئية مدونة على أشياء مادية غير كافية أو مرضية كالرّقِّ والعظام المسطحة... وذلك لأن العرب لم يكونوا قد اكتشفوا الورق بعد [...] وكان اختفاء صحابة النبي، الواحد بعد الآخر، والمناقشات الحادة التي دارت بين المسلمين الأوائل قد حفزت الخليفة الثالث عثمان على جمع كلية الوحي في المدونة النصية نفسها المدعوة بالمصحف، ثم تم الإعلان عن إغلاق الجامع وانتهائه وتثبيت النص بشكل لا يتغير أبدا، كما وراحوا يدمرون النسخ الجزئية الأخرى لكي لا تغذي الانشقاق والاختلاف حول صحة الآيات والسور المثبتة في المصحف المذكور، وهذا ما يصوغ بلورة مصطلحنا المدونة النصية الرسمية المغلقة والناجزة"[44].

مثل هذه النصوص وأخرى تبين كيف قرأ أركون مسار الفقهاء والعلماء المسلمين واجتهاداتهم قراءة سياسية إيديولوجية لا علمية ابستيمية، فنقده لا يطال هاته النصوص من الدّاخل، من حيث مناهجها ومضمونها، لضمان استمرارية العملية الاجتهادية للعقل الإسلامي، بل قراءة من الخارج تتعلق بتوظيف هاته النّصوص لتبرير وضع قائم وأدلجته، ولا يخفى على ذي بصيرة أنّ أي نص حتى ولو كان علميا وليس دينيا أو سياسيا فقط، معرض لمثل هكذا توظيف زائف، والإتيان على هذا التوظيف أو التطبيق الشرعاني أو المؤدلج لا يعني نقدا للنّص ضرورة.

وعن الاعتراض الطاهائي على ادعاء الشرعانية، يقدِّم طه ملاحظات ثلاث:

- انبناء هذه الدعوى على تصور للعلم لا يرقى لتصور الفقهاء له: فالعلم لدى المُحدَثين لا يخرج عن كونه؛ "نشاط البحث في ميادين المعرفة"، أو "منهج تحصيل المعرفة"، أو "جملة المعارف المكتسبة". فأين يتموضع تصور أركون للعلم ضمن تلك الدّلالات؟ يجيبنا طه "يبدو أنّ أركون يميل إلى المعنى الأخير، فيفهم من العلم كل العلوم، سواء تلك التي استكملت مقوّماتها أو التي لا زالت تلتمس طريقها، فيطالب في النّظر إلى الإنتاج الفكري الإسلامي بالاستفادة من كلّ هذه العلوم على تعددها واختلاف مناهجها"[45]. علما أنّ طه لا ينكر دعوى الاستفادة، وإنّما يطالب بتهيئتها وفقا لشروط معينة هي؛ أن يعيِّن المستفيد طريقا لتركيب هذه العلوم فيما بينها تركيبا متكاملا. وأن يبني نظرية للاستفادة من هذه العلوم. وأن يحدد نموذجا يحقق قضايا هذه النظرية[46]. وبما أنّ أركون لم يوضّح هذه الاستراتيجية فإنّ أحكامه لا تزيد عن كونها دعوى مبنية على مذهب توفيقي لا مسلك تحقيقي. أيضا، أنّ تصور الفقهاء للعلم جاء على المقتضى الثاني، أي كمنهج لتحصيل المعرفة، "فالعلم عندهم هو الإحاطة بمسالك الشرع وقواعد استنباط فروعه من أصوله. وهذا مطلب معقول وقابل للتحقيق"[47].

- تنكر هذه الدّعوى على الفقهاء ما يعد من مزاياهم العلمية: فمسعى الفقهاء لم يكن كما يُتوهم، ايديولوجيا وسياسيا، تكريسا لصالح فئة على حساب فئة أخرى، وإنّما انصبت اشغالهم على بناء نسق نظري يستعان به على ضبط واستخراج الأحكام لما استجد من وقائع. كما أنّ ما توصل إليه هؤلاء الفقهاء يفوق ما أتى به أصحاب العلوم العقلية في زمانهم (أي الفلاسفة)، "ولا نغالي _والقول لطه_ إن قلنا بأنّ ما توصلوا إليه من نتائج يشهد لهم بمستوى من الوعي العلمي الدّقيق يضاهي مستوى معاصيرهم من أصحاب العلوم العقليّة... فالعلم عندهم يستجيب لشرطين أساسيين هما: الاستدلال والتّعليل، فقد وضعوا قواعد لاستنباط الفروع من أصول الشريعة، وحدّدوا مسالك التّعليل المختلفة، ولهذا جمعوا بين الشرط العقلاني للعلم الصُّوري والشرط العقلاني للعلم الطبيعي، ولا عجب في ذلك مادام مجال الشريعة هو مجال يجمع بين العلم والعمل"[48].

- وقوع هذه الدّعوى فيما تأخذه على الفقهاء: اتهام أركون للشّرعانية الإسلامية جعله يقع في شرعانية أخرى، أي الشرعانية بصورتها الغربية الحديثة، وعليه "وما تهافت دعوى بمثل تهافتها بقلب دليلها عليها"[49].

ذلك ما كان من تبيان حدود استعمال الآليات العقلانية المجردة، فكيف الأمر باستعمال آليات الفكرانية المسيّسة؟. لا تخلوا المشاريع العربية والإسلامية المعاصرة من قراءة مجتزأة للتراث، بين من يخاله تراثا سلفيا وبين من يراه ديمقراطيا ليبيراليا، أو تحرريا ماركسيا، أو قوميا،... إلى حدّ التعارض والتّصادم بين تلك القراءات تصادم الإيديولوجيات ذاتها. ووجه الاعتراض الطاهائي، أنّه كان بالأحرى على هؤلاء تقديم نقد الأدوات على نقد التراث، ليكتشف أنّ النّص التراثي أقرب إلى "التّأنيس" منه إلى "التّسييس"، ويقصد طه بالتّأنيس "إيلاء الجانب الأخلاقي" والمعنوي والرّوحي وظيفية رئيسية في النّهوض بالفكر، فتكون قيمة النّص المقروء من جهة التّأنيس كامنة في الفوائد العملية والآثار المعنوية التي يولدها عند القارئ أكثر مما تكون في الجوانب التسيّيسية والمادية؛ فالنّص التراثي هو على الحقيقة "وحدة تأنيسية" وليس "وحدة تسييسية" كما يعتقد الفكرانيون"[50].. ودليل ذلك في نظر طه أنّ النّص كلّما ذهبت عنه أسباب إنتاجه الظّرفية، المكانية والزمانية، ازداد قيمة وروحية، وتزداد تأنيسية النّص بازدياد تغلغل مضمونه في العمل، ناهيك عن العمل الشرعي الإسلامي ذي القيم الإنسانية[51].



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] طه عبد الرحمن. حوارات من أجل المستقبل، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنّشر، بيروت، 2011، ص 15.

[2] المصدر نفسه، ص 22

[3] طه عبد الرحمن. الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2005، ص 219. اللّافت للنّظر أنّ طه عبد الرحمن ذكر مؤلفه "تجديد المنهج في التقويم التراث"، في هذا السياق ككتاب أخلاقي أكثر منه ابستمولوجي، لكن ما يلفت على نحو أكثر، أنّ ذِكره له جاء في "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري"، الذي يعني أنّ الأخير استئناف بله وتفعيل للأوّل، ما يجعلنا نعتقد في صحة الفرض القائل: "إن كانت الغاية من مشروع تجديد المنهج في تقويم التراث التأسيس لعلاقة جديدة بالتّراث امدادا واستمدادا، فإنّ كتاب الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري [جاء] ليثبت ذلك بالإمكان، بمقتضى النّظرة الملكوتية للعالم". عبد اللّه مشروح. طه عبد الرحمن: قراءة في مشروعه الفكري، ط1، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، 2009، ص 208.

[4] حوارات من أجل المستقبل، ص ص 17، 18.

[5] المصدر السابق، ص ص 20، 21.

[6] تعود فكرة الابستيمي للفيلسوف الفرنسي المعاصر "ميشال فوكو" في كتابه "حفريات المعرفة".

[7] أمّا فكرة النّموذج المعرفي فهي للابستمولوجي "توماس كون" في كتابه "بنية الثورات العلمية".

[8] يقصد طه بالنظرة التكاملية في التراث تلك "التي تتجه إلى البحث في التراث _آليات ومحتويات_ من أجل معرفته من حيث هو كذلك، على اعتبار أنّه كل متكامل لا يقبل التفرقة بين أجزائه، وأنّه وحدة مستقلة لا يقبل التّبعية لغيره". طه عبد الرحمن. حوارات من أجل المستقبل، ص 30.

[9] طه عبد الرحمن. تجديد المنهج في تقويم التراث، ط3، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2007، ص 75.

[10] المصدر نفسه، ص 76.

[11] المصدر نفسه، ص 237.

[12] المصدر نفسه، ص 242.

[13] المصدر نفسه، ص 243.

[14] المصدر السابق، ص ص 245، 246.

[15] المصدر نفسه، ص ص 254- 256.

[16] عباس أرحيلة. بين الائتمانية والدّهرانية بين طه عبد الرحمن وعبد الله العرويّ، ط1، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، بيروت 2016، ص 113.

[17] عبد اللّه العروي. خواطر الصّباح: حجرة في العنق يوميات 1982، 1999، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص 224.

[18] طه عبد الرحمن. تجديد المنهج في تقويم التراث، ص ص 09، 10.

[19] المصدر نفسه، ص 23.

[20] تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 12.

[21] المصدر نفسه، ص 23.

[22] المصدر السابق، ص ص 23، 24.

[23] تعود ملابسات الصراع الفكري بين كل من طه والجابري، إلى ميل الثاني للبرهان متّخذا من فيلسوف قرطبة الوليد ابن رشد مرجعا له، معتبرا أنّ التقهقر الذي ألّم بالفلسفة العربية مردّه لرجحان الكفة لخطاب الوجدان والعقل المستقيل (العرفان)، على حساب العقل العلمي البرهاني الرشدي. يقول الجابري: "كانت الرشدية قادرة على طرق آفاق جديدة تماما، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن في أوربا حيث انتقلت وليس في العالم العربي حيث اختنقت في مهدها". تكوين العقل العربي، ص 323. كما يضيف في ذات السياق "لقد انتصر "العقل المستقيل" ... اصبحت "الكلمة- السلطة" لمشايخ الطرق الصوفية" المرجع نفسه، ص 325. بينما كان موقف طه على النّقيض البتة من الأوّل، حيث يتجلى ميله للعرفان على نحو أكثر، معتبرا ابن رشد صاحب عقلانية تجريدية تفصل بين العقل والإيمان، فبحسب طه أنّ ابن رشد "لا أثر عنده لحكمة متميّزة تستمد مبادئها أو، على الأقل، روحها من ممارسته الفقهية والشرعية". حوارات من أجل المستقبل. ص 119. كما يجعل ممن يدعوا لفلسفته من المعاصرين أنّ هدفهم هو "بث روح العلمانية". المرجع نفسه، ص 121. وعليه تكون الرّشدية بمثابة "نقطة التوتر المركزية" بين كل من الجابري وطه عبد الرحمن؛ الأوّل الذي يرى فيها استئنافا لكلّ نهضة فلسفية ممكنة، بينما يرى فيها الثاني علة عدم قدرة العقل العربي على النّهوض بفلسفة مبدعة. عبد النبي الحري. طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري: صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2014، ص 11.

[24] لاقت دعوى الجابري في تقسيمه للتراث الإسلامي إلى أنظمة ثلاثة متباينة، بل ومتصادمة، استهجان عديد المفكرين، فعلى غرار طه عبد الرحمن، نجد جورج طرابيشي صاحب مشروع "نقد نقد العقل العربي"، وكذا حسن حنفي. كل ذلك جعل الجابري فيما بعد يحاول التبرير لموقفه ذاك، معتبرا أن موقفه جاء تلبية لمواقف ابستمولوجية لا أيديولوجية. يقول الجابري: "فأنا لم أسمع بأحد من المغاربة قال بـ "القطيعة" بين المشرق والمغرب، أمّا أنا فقد استعملت هذه الكلمة في معنى ابستمولوجي خاص وفي سياق خاص" وأنّ القطيعة الابستمولوجية في نظره لا تعني ضرورة "الانشطار الثقافي". محمد عابد الجابري، حسن حنفي. حوار المشرق والمغرب: نحو إعادة بناء الفكر القومي العربي، ط1، المؤسسة العربية للدّراسات والنشر، الأردن، 1990.، ص ص 19، 20.

[25] عبد اللهّ العروي. مفهوم العقل، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2008، ص 11.

[26] ذلك أنّ المؤرخين درجوا على تقسيم فترة الحكم العباسي إلى ثلاث فترات متباينة سياسيا، فإلى جانب الفترة الأولى المشارة سلفا، هنالك فترة العصر العباسي الثاني، من تولي المتوكل الخلافة سنة 332 هـ إلى زوال سلطان بني بويه سنة 447 هـ. ثم فترة العصر العباسي الثالث، بدخول السلاجقة بغداد سنة 447 هـ حتى سقوط بغداد على يد التتار سنة 656. محمد عابد الجابري. تكوين العقل العربي، ط10، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص ص 295، 296.

[27] محمد عابد الجابري. تكوين العقل العربي، ص ص 323- 325.

[28] المصدر نفسه، ص ص 335_ 345.

[29] محمد عابد الجابري. بنية العقل العربي،: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، ط9، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص 14.

[30] المرجع نفسه، ص 22-25.

[31] المرجع نفسه، ص 253.

[32] المرجع السابق، ص 253.

[33] المرجع نفسه، ص ص 254، 255.

[34] المرجع السابق، ص 384.

[35] محمد عابد الجابري. تكوين العقل العربي، ص 368.

[36] المرجع السابق، ص ص 332- 351.

[37] طه عبد الرحمن. تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 25.

[38] المصدر نفسه، ص ص 26- 27.

[39] محمد أركون. تاريخية الفكر العربي الإسلامي، تر: هاشم صالح، ط1، مركز الإنماء القومي: بيروت والمركز الثقافي العربي: الدار البيضاء، 1996، ص ص 65، 66.

[40] المرجع السابق، ص 55.

[41] محمد أركون. نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، تر: هاشم صالح، ط1، دار الساقي، بيروت، 2011.، ص 192.

[42] طه عبد الرحمن. في أصول الحوار وتجديد علم الكلام،ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، 2000، ص 149، 150..

[43] محمد أركون. تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص ص 288، 289.

[44] محمد أركون. الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، تر: هاشم صالح، دط، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ص 81.

[45] طه عبد الرحمن. في أصول الحوار وتجديد تجديد علم الكلام، ص 150.

[46] المصدر نفسه، صفحة نفسها.

[47] المصدر نفسه، صفحة نفسها.

[48] المصدر نفسه، ص 151.

[49] طه عبد الرحمن. تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 151.

[50] المصدر نفسه، ص 27.

[51] المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى