أمبرتو إيكو - كيف قرأ ابن رشد “ فن الشعر” لأرسطو؟.. ترجمة: أحمد يماني

إن النموذج الجلي لسوء الفهم الثقافي، والذي ينتج سلسلة من سوء الفهم اللغوي يوجد في كتابي أرسطو “فن الشعر” و”الخطابة”، تماما مثلما تمت الترجمة للمرة الأولى من قبل ” ابن رشد” وهو لم يكن يعرف اليونانية وبالكاد كان يعرف السريانية، وقد قرأ أرسطو في ترجمة عربية من القرن العاشر تمت بدورها عن ترجمة سريانية لأحد الأصول اليونانية. ومن أجل أن تتعقد الأمور أكثر فإن الشروح التي وضعها ابن رشد على ” فن الشعر” في عام 1175، ترجمت على يد ” هرمان الألماني” في العام 1256 من العربية إلى اللاتينية، والمترجم لم يكن يعرف شيئا من اليونانية. فقط بعد ذلك ترجم جييرمو دي موربيك “فن الشعر” عن اليونانية عام 1278. فيما يخص “الخطابة” فإن هرمان قام بإنجاز ترجمة عن العربية، خالطا النص اليوناني ببعض الشروحات العربية. وكانت هناك ترجمة، في فترة لاحقة، translatio vetus (مراجعة للترجمة الأولى) عن اليونانية، ترجع فيما يحتمل إلى بارتولمي دي ميسينا. أخيرا وحوالي عام 1269 أو 1270 سيتم تداول ترجمة عن اليونانية لجييرمو دي موريبك.

يحفل نص أرسطو بالكثير من الإحالات إلى المسرح اليوناني وإلى أمثلة شعرية حاول ابن رشد أو المترجمون الذين سبقوه أن يكيفوها مع التراث الأدبي العربي، لنتخيل إذن ما الذي يمكن أن يفهمه المترجم اللاتيني من أرسطو ومن تحليلاته الثاقبة جدّا.

كثيرون يذكرون قصة بورخيس المعنونة “بحث ابن رشد” (الألف) حيث يتخيل الكاتب الأرجنتيني أبا الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد بينما يحاول التعليق على “فن الشعر” الأرسطي. ما يكدر سعادته أنه لا يعرف معني كلمتي “تراجيديا” و”كوميديا”، لأن الأمر يتعلق بأشكال فنية يجهلها التراث العربي. وبينما يتعذب ابن رشد من معنى هذين المصطلحين الغامضين، فإن بعض الصبية كانوا يلعبون تحت نافذته مؤدين شخصية المؤذن والمئذنة والمصلين، ومن ثم فإنهم يقدمون مسرحا غير عارفين بذلك لا هم ولا ابن رشد. بعد ذلك، يحكي أحدهم للفيلسوف عن احتفالية غريبة تقام في الصين، والقارئ (وليست شخصيات القصة) يفهم من الوصف أن الأمر يتعلق بعمل مسرحي. في نهاية هذه الكوميديا من الأغلاط، يعود ابن رشد ليتأمل عمل أرسطو ويجمل أن ” أرسطو يعني بالتراجيديا ” المديح” وبالكوميدبا ” الهجاء والذم”. “تزخر صفحات القرآن والمعلقات بالكوميديات والتراجيدبات الرائعة”.

سيبدو القراء مدفوعين إلى إرجاع موقف المفارقة هذا إلي خيال بورخيس، لكن ما يحكيه هو ما حدث بالضبط لابن رشد، كل ما يعنيه أرسطو بالتراجيديا، في تعليق ابن رشد إنما يعني الشعر وذلك الشكل الشعري وهوvituperatio التوبيخ وlaudatio التقريظ. هذا الشعر الاحتفالي ينفع كتمثيلات ولكن يتعلق الامر بتمثيلات شفهية. هذه التمثيلات تسعى إلى التحريض على الأعمال الفاضلة، ومن ثم فإنها ذات مسعى أخلاقي. بطبيعة الحال فإن هذه الفكرة عن أخلاقية الشعر تمنع ابن رشد من إدراك المفهوم الأرسطي الأساسي لوظيفة التطهير (وليس التعليم) في الفعل التراجيدي.
كان على ابن رشد أن يعلق على “فن الشعر” ، 1450 قبل الميلاد، حيث أحصى أرسطو عناصر التراجيدبا mûthos ،êthê، léxis، diánoia، ópsis y melopoiía(والتي تترجم اليوم في العادة كقصة أو حكاية، أخلاق، عبارة، فكر، منظر، موسيقى أو إنشاد). يفهم ابن رشد المصطلح الأول ك ” أقاويل خرافية” والثاني “عادة” والثالث “مقولة” والرابع “اعتقاد” والسادس “لحن” (ولكن بالطبع يفكر ابن رشد في نغمة شعرية وليس في حضور الموسيقى في المشهد). تأتي الدراما مع العنصر الخامس ópsis. وابن رشد لا يمكنه التفكير أن ثمة تمثيلا استعراضيا لحدث ما ويترجم متحدثا عن ضرب من الاحتجاج كإبانة لصواب الاعتقاد الممدوح به (دائما بنهايات أخلاقية). هذه الترجمة سينقاد إليها كذلك هرمان في نسخته اللاتينية ( مترجما
consideratio، scilicet argumentatio seu probatio rectitudinis credulitatis aut operationis).

ليس هذا فقط بل أيضا – مؤولا تأويلا خاطئا لتأويل خاطئ آخر من قبل ابن رشد – يشرح هرمان للقراء اللاتين أن هذا الـ carmen laudativum (النظم الشعري التقريظي) لا يستخدم فن الإيماءات. هكذا إذن يقصي المظهر الوحيد المسرحي بشكل حقيقي عن التراجيديا.

في ترجمته عن اليونانية يتحدث جييرمو دي موربيك عن komodia و tragodia وينتبه إلى أنها أفعال مسرحية. حقيقة أنه بالنسبة لكثير من المؤلفين القروسطيين كانت الكوميديا، رغم احتوائها على مشاهد رثائية تتناول آلام العشاق، تنتهي بنهاية سعيدة، وعلى ذلك، كان يمكن أن تعرف كـ ” كوميديا” كذلك قصيدة دانتي، بينما في “poetria nova ” فإن جوان دي جارلانديا يعرف التراجيديا بأنها:
(عمل شعري يبدأ بلهو وينتهي بفجيعة). carmen quod incipit a gaudio et terminat in luctu

لكن في النهاية كان المهرجون والممثلون حاضرين في القرون الوسطى، وكذلك طقس الأسرار الكنسي (عبارة عن عرض مسرحي ديني من فصل واحد يمثل سر القربان المقدس)، وبناء عليه كانت لدى العصور الوسطى فكرة ما عن المسرح، وبالتالي فبالنسبة إلى موربيك يتحول المنظر الأرسطيópsis بالضبط إلى visus ويفهم أن الأمر يتعلق بفعل إيمائي للـ ypocrita، أي المهرج. يقترب إذن من ترجمة صحيحة قاموسية لأنه تم تحديد نوع فني، رغم كل الاختلافات الكثيرة، كان حاضرا في الثقافة الإغريقية الكلاسيكية كما في الثقافة اللاتينية في العصور الوسطى.

ـــــــــــــــــــــ

من كتابه الصادر في ترجمة للإسبانية، مارس 2008:
أن تقول الشيء نفسه تقريبا
خبرات الترجمة
العنوان الأصلي لهذا النص: “بحث ابن رشد”

* عن الأوان ديسمبر 8, 2013

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى