أدب مغربي قديم في الأدب المغربي القديم : عبد الصمد حاجي - مالك بن المرحل.. شاعر المغرب في عصر الدولة المرينية

ولد مالك بن المرحل بمالقة سنة 604 للهجرة وتلقى تعليمه بإشبيلية وفاس وسبتة وتولى صناعة التوثيق ببلدته سبتة والقضاء في غرناطة وغيرها وعمل في ديوان يعقوب المنصور المريني وابنه . كان من أبرز الشعراء المجودين في عصره حظي باهتمام واسع النظر بفضل مشاركته في شتى العلوم والفنون وتميز بمجموعاته الشعرية في المديح النبوي والزهد ومنها :

” الوسيلة الكبرى المرجو نفعها في الدنيا والأخرى ” و ” المعشرات النبوية ” و ” العشريات الزهدية ” ، كما تميز بمنظوماته التعليمية ونذكر منها : ” أرجوزة في العروض” و نظم فصيح ثعلب وشرحه ،كما تميز في النظم في وزن ” الدوبيت”.

وقد أشاد الدارسون القدامى والمحدثون بالرجل فهذا الأديب الكبير ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب يقول عنه في كتابه “الإحاطة في أخبار غرناطة ” :

” شاعر المغرب وأديب صقعه وحامل الراية المعلم بالشهرة المثل في الإكثار الجامع بين سهولة اللفظ وسلاسلة المعنى وإفادة التوليد وإحكام الإختراع ” وهذا الأديب العلامة الكبير عبد الله كنون يقول عنه في كتابه : ” النبوغ المغربي في الأدب العربي ” : “كان في عصره شاعر المغرب غير مدافع وأطبع شعرائه أسلوبا وأرشقهم لفظا وأبلغهم معنى استعان على ذلك بالمقاصد اللسانية لغة وبيانا ونحوا وعروضا وقافية وحفظا للجيد من الشعر واضطلاعا بمعرفة معانيه وتراكيبه .

ومن أبرز مختاراته الشعرية الرائعة نذكر:

كان مالك بن المرحل يرفع عقيرته يستنهض همم الناس وملوك بني مرين للجواز إلى الأندلس برسم الجهاد، ونصرة دين الله. ولعل ميميته أشهر ما قاله في هذا الباب خاصة وأنها تليت على المنابر في المساجد، فكسبت تأييدًا شعبيًّا عريضًا حتى تسارع الناس إلى شدّ الرحال والالتحاق بالجيوش النظامية المرينية بقيادة أبي مالك بن يعقوب المريني، وهي تتأهب للعبور إلى الأندلس، يقول مالك ابن المرحل:

اِسْتَنْصَرَ الدِّينُ بِكُمْ فَأَقْدِمُوا *** وأَسْرِجُوا لِنَصْرِهِ وأَلْجِمُوا
لاَ تُسْلِمُوا الإسْلاَمَ يا إِخْوانَنَا *** فإِنَّهُ إِنْ تُسْلِمُوهُ يُسْلَمُ
لاَذَتْ بِكُمْ أندَلُسٌ ناشِدَةً *** بِرَحِمِ الدِّينِ ونِعْمَ الرَّحِمِ
واسْتَرْحَمَتْكُمْ فَارْحَمُوهَا إِنَّهُ *** لا يَرْحَمُ الرَّحْمَنُ مَنْ لا يَرْحَمُ
ما هِيَ إِلاَّ قِطْعَةٌ مِنْ أَرْضِكُمْ *** وأَهْلُها مِنْكُمْ وأَنْتُمْ مِنْهُمُ
لكنَّها حُدَّتْ بِكلِّ كافِرٍ *** فالبحرُ مِنْ حُدُودِها والعَجَمُ
لَهْفًـا على أنْدَلُـسٍ مِنْ جَنَّـةٍ *** دَارَتْ بها مِنَ العِدَا جَهَنَّمُ.

فلا شك أنّ هذه الأبيات، والنص كله، تجسّد براعة ابن المرحل في تناول الموضوع، وطريقة السهل الممتنع التي انتهجها في النظم، إذ إنّ الخاصة من أهل العلم يلمسون فيها عمق النفس الشعري وإيحائه القويّ بالمأساة، بقدر ما يجد فيها المتلقّي البسيط مغناه وبغيته لبساطتها وسهولة مأخذها.
ثم إنّ ابن المرحل لم يبدأ نصه بنداء الأندلس أو الدعوة إلى إنجادها كما فعل ابن الأبار وحازم من قبل، وإنما عمد أساسًا إلى الدِّين الذي يستنصر بأهله وذويه ويستصرخ مما ألم به. ثم لاحظ وقْعَ “لا تسلموا الإسلام يا إخواننا” بما يحمله من دلالات تهزّ كيان المتلقّي هزًّا، لأنّ المسألة مسألة وجود، ولا وجود للمرء بدون دينه، فعزّه بعزّه وذلّه بذلّه. كل هذا قبل أن ينتقل إلى الأندلس بكل ما أضفاه عليها من أنوثة وضعف ومذلة ومسكنة، والتي تنضح به العبارات “لاذت ناشدة” ليتبعها بسيل من مشتقات الفعل “رحم”: “رحمٌ، الرحم، استرحمتكم، فارحموها، لا يرحمن الرحمن من لا يرحم، وكأنه بذلك يبز مكانة الأندلس من واقع المتلقي وواجبه الديني نحوها في أسلوب يقطر رقة وشفقة.

توفي الأديب مالك بن المرحل السبتي سنة 699ه بفاس و عمره خمس وتسعين سنة، دفن خارج باب الجيسة، وآخر ما قال يوم موته وأمر أن يكتب على قبره:

زر غريبا بمغرب = نازحا ماله ولى
تركوه موسدا = بين ترب وجندل
ولتقل عند قبره = بلسان التذلل
رحم الله عبده = مالك بن المرحل


الادب المغربي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى