حيدر العايب - المعهد العالي العالمي للفكر والحضارة الإسلامية بكوالالمبور ( ISTAC ) فلسفته ورسالته الفكرية..

تعود فكرة إنشاء المعهد للفيلسوف الماليزي سيد محمد نقيب العطاس (1931- ) وسياسته في إصلاح الفكر الإسلامي عموما والتعليم على وجه الخصوص مشخصا الداء في تشوش الفكر وانعدام الأدب، وهذا طبعا لا يلزمه إلاّ علاجا نلتمسه عبر إعادة بناء الفكر وفق سياسة تعليمية إسلامية تستمد مقوماتها من قلب الرؤية الإسلامية للوجود، وهنا كان دور المعهد العالي العالمي للفكر والحضارة الإسلامية ISTAC الذي أسّسه العطاس عام 1991، أين شكل المعهد البعد العملي والإجرائي لأفكار العطاس، وتفعيلا لمشروعه الفكري المتعلق بأسلمة المعرفة والتعليم الإسلامي. ومن الأهداف الرئيسية للمعهد نذكر:
- التنظير والتوضيح والتوسع في إيجاد الحلول للمشكلات النظرية والعلمية التي يواجهها المسلمون راهنا.
- تطوير الإجابات الإسلامية للتحديات الفكرية والثقافية المعاصرة وتحديات الأديان والمدارس الفكرية المختلفة والنظريات المتباينة، لإيجاد فلسفة تعليمية إسلامية واضحة المعالم تشمل التعريف والأهداف والغايات، ما يعكس أهمية الجامعة في تطوير وتثقيف الفرد حتى يصبح عنصرا فعّالا في المجتمع، معبرا عن رسوله في العالم الاسلامي، مؤثرا في الناس بعلمه وأفكاره[1].
- تطوير فلسفة علمية لدراسة الفن والعمارة الإسلاميين.
- نشر تلك الأبحاث المتوصل إليها في المعهد على العالم الإسلامي.[2]
وإن كان تحقيق مثل هذه الأهداف يبدو نوعا ما صعبا، إلاّ أنه ليس بالمستحيل، وهي ليست أهدافا فارغة وإنما مبنية على رؤية متكاملة لجوانب الأزمة والمشكلات الحقيقية التي تواجه العالم الإسلامي، لذلك فإن تحقيق الأهداف السابقة كما يقول العطاس يتطلب "تظافر جهود العلماء المحققين والمخلصين الذين يعملون بشكل جماعي متناسق متكامل على قاعدة علمية أصيلة"[3]. والدليل على إمكانية تحقيق مثل هكذا أهداف هو نجاح المعهد في تخريج جملة من النظريات الفلسفية والعلمية الإسلامية؛ في التربية، وفي علم النفس وفلسفة الإنسان، وفي نظرية المعرفة، في الرؤية الإسلامية للوجود، نذكر منها:
The concept of éducation in islam (Kuala Lumpur: ISTAC1980) يتناول فلسفة التعليم في الإسلام، تعريفها وأهدافها وغاياتها.
Islam and the philosophie of science (Kuala Lumpur: ISTAC 1989) ، يتناول فلسفة العلوم في الإسلام.
The Nature of man and psychology of the human soul (ISTAC 1990) يعالج طبيعة الإنسان وعلم النفس على ضوء الرؤية الإسلامية للوجود.
The Intuition of Escistence (ISTAC 1990)، أصّل فيه العطاس رؤية الاسلام للوجود ومراتبه على ضوء الرؤية الاسلامية للعالم.
The meaning and Escperience of happines in islam، عالج مفهوم السعادة في الإسلام والروح التراجيدية التي تطبع على الحضارة الغربية الحديثة.
وقد جمعت هذه الرسائل كلها في كتاب بعنوان: Prolegomena to the metaphysics of islam. دون أن ننسى طبعا كتابه الرئيس "الإسلام والعلمانية" الذي يمثل أطروحة توليفية شاملة لمشروع العطاس الفكري.
هذا وكتب العطاس عن المعهد يقول: "إن معرفتنا وعلومنا بوجه عام لا بد من أن تكون متناسقة ومتناغمة مع الحقيقة والرؤية الإسلامية للوجود، وقد أصبح المعهد الآن مقرا للدراسات العليا يستقبل العلماء والطلاب من كل أنحاء العالم ليبحثوا في العلوم الإسلامية والفلسفية والميتافيزيقا والعلوم والحضارة واللغات والفكر المقارن والأديان، وقد تكونت للمعهد حتى الآن مكتبة ضخمة تبرز الاهتمامات والمواقف والمرامي التي قام أساسا لخدمتها، ثم إنّ الخريطة المعمارية التي بُني المعهد وفقا لها تصور تصويرا واضحا الأسلوب الفني الرفيع النابع من معين المعرفة الخلاقة"[4].
أمّا تلميذه "وان داود" فقد موضع دور المعهد ضمن البناء الفكري للإنسان، ومناهضة العولمة والعلمانية والأفكار الغربية، نظرا لقيمة أفكار المعهد وجودتها، وصرامة برامجه الأكاديمية ومحتويات دروسه ومقالاته وأطروحاته ومنشوراته ومكاتبه، وهو ما زاد في الوعي، كونه من المعاهد القلائل جدّا التي تستقبل العلماء من كل أنحاء العالم رغم اختلاف ثقافاتهم وأعراقهم ودياناتهم وتوجهاتهم دونما بيروقراطية أو عنصرية.[5] وقد أكد على أن دور المعهد تجسده أفكار العطاس ونشاطاته التي تصب دوما في حل مشاكل المسلمين العالقة وهذا ما كان وراء تأسيس المعهد، وأهميته تكمن في:
- تسيير وترويج النشاطات القائمة على البحوث الإسلامية.
- تأطير الطلبة الذين هم في صدد التخرج وما بعد التدرج.
- طوره العطاس ليكون من بين المعاهد القلائل الذين اهتموا بالفلسفة الإسلامية في التعليم وفي العلوم .
- تسيير بحوث حول الحضارة الإسلامية في العالم الملايوي.
- إجراء بحوث ودراسات حول المناهج والمحتويات، لعديد التخصصات والبرامج الأكاديمية في الجامعة العالمية الإسلامية.
- محاولة معرفة الاحتياجات العلمية للطلبة المسلمين والقيام بمجهودات لإعادة إصلاح الحضارة الإسلامية.
- إعطاء تفسيرات إسلامية للحركات الفكرية الغربية الحديثة ولمدارس التفكير والدين والايديولوجيا.
- دراسة معنى وفلسفة الإسلام في جوانب الفقه والهندسة وأسلمة علوم الفن والتعليم.
- إصدار نتائج البحوث والدراسات من زمن إلى آخر وتوزيعها على عالم إسلامي.
- تأسيس فهرس في المكتبة لتسهيل إيجاد البحوث.
- القيام بمحاضرات ولقاءات وملتقيات لدراسة البحوث الإسلامية.
- تطوير وتثقيف الجمعيات وتدعيمها، وكذا المعاهد والجامعات المندمجة في الأنشطة الإسلامية عبر محاضرات وملتقيات مع الجمعيات الأجنبية والمحلية، مع تحديد أهداف مشتركة.
- إعادة تأسيس فكرة رؤى العالم الإسلامية في العلوم والمجالات المختلفة الأخرى كالتعليم، مع ما يتطابق والتطورات الاجتماعية والفكرية للإنسان.
- جعل الإسلام كالمادة الخام الأولى في الدراسات وفي تحصيل المعرفة، مع إعطاء الأولوية للدراسات الإسلامية على الدراسات الأخرى.
- تأسيس مراكز لجمع المعلومات والمؤلفات، وتأسيس مكاتب بحث. [6]
على هذا النّحو تتحدد أبرز معالم مشروع العطاس الفكري، وتأصليه لرؤى العالم من منظور اسلامي، وشروط صياغة نظرية للمعرفة تأخذ بأبعاد عالم الغيب وعالم الشهادة، التي هي أبعاد الرؤية الاسلامية للوجود. وهي تنعكس على التربية والتعليم الإنساني روحا وجسدا، فهوا تكامل رأسي؛ من رؤية العالم (آخرة / دنيا) إلى تصور المعرفة والعلوم (دينية أو شرعية / دنيوية أو سكيولارية)، مرورا بتصور الإنسان (جسد/ روح). لكن ما ينبغي لفت الانتباه إليه أن التكامل بمفهومه الاسلامي هو تكامل بين مصادر المعرفة أي الوحي والواقع، وبين أدوات المعرفة العقل والحواس، وبين تكامل المصادر والوسائل. فهو ليس التكامل بما يعني "وحدة العلوم" كأفق ابستمولوجي جديد فتحه مؤخرا الفرنسي إدغار موران. كما أنه تكامل طبيعي وأصيل، يضرب بعمق في الرؤية الإسلامية للوجود، وليس تكاملا ضروريا أفرزته أزمات معرفية وعلمية كحال النّموذج المعرفي الغربي.

[1] Yusef Wahid. REFLECTIONS ON AL-ATTAS CONCPTION OF THE ISLAMIC UNIVERSITY: Imolications for Academic freedom, Intitutional Autonomy and philosophy of Education in South Africa . knowledge,Language, THought and the civilizaition of islam: Essay in honor of Syed Muhammad Naquib al attas, Edited by: Wan Mohod Nor Wan Daud and Muhamed Zainy Uthman. UNIVERSITI TEKNOLOGI MALAYSI )UTM(, first Edition, 2010, PP 111,112.
[2] سيد محمد نقيب العطاس. مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية، ص 19.
[3] المصدر نفسه، صفحة نفسها.
[4] المصدر نفسه، صفحة نفسها.
[5]Wan Daud, Wan Mohd Nor; ALــ ATTAS: AREAL REFORMER AND THINKER knowledge,Language, THought and the civilizaition of islam: Essay in honor of Syed Muhammad Naquib al attas, Edited by: Wan Mohod Nor Wan Daud and Muhamed Zainy Uthman. UNIVERSITI TEKNOLOGI MALAYSI )UTM(, first Edition. P44.
[6] Ibid, p-p 44-46 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى