أدب السجون نقوس المهدي - أدب السجون والمعتقلات.. "كلنا في حرية مؤقتة"

" هذا قبر الأحياء، و بيت الأحزان ، و تجربة الأصدقاء ، و شماتة الأعداء.." هذا ما كتب يوسف الصديق على باب سجن "زاويرا" ، كما جاء في كتاب ( قصص الانبياء وعرائس المجالس ) لمؤلفه احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي .



يعتبر أدب السجون من بين الالوان الادبية الأكثر تميزا و أهمية بتناوله لموضوع مصادرة و سلب الحريات العامة و قساوة المعاملات و الضرب المبرح و برودة الاسمنت و عزلة الكائن ، حيث يتجاوز المكان و ظيفته التربوية المرسومة له الى ممارسات لا اخلاقية اكثر بشاعة ، و اشد ضراوة تؤدي في مطلق الاحوال بالسجناء الى حافة الانهيار و الجنون و الانتحار و الضياع ، لما يقاسونه من ممارسات لا انسانية و عسف و قهر و إذلال على يد السجان.

و تشكل العتمة الحالكة للفضاء الضيق و المحدود للمعتقل بقضبانه الحديدية و اسواره الشاهقة و قوانينه الصارمة و كائناته البائسة مرتعا لمختلف الاحلام و الامال و الامنيات و الهواجس التي تفتقت عنها ارادة و رغبة السجين، لمقاومة عزلة السجن البغيضة و عنجهية السجان، و تتسع لاحتواء تجارب حياتية فريدة ، و ذات مذاق مغاير ، يتحول معها الابداع و الشعر و الاغنية و الرسم على الجدران الى نبوءة و رؤى ، و صرخات مجلجلة تتجاوز المدى الضيق لمفهوم المكان و حلكته و قساوته ، و بديلا عن الحرية المفتقدة ، التي تحيل السجان الى جلاد آتم و ظالم ، يتحول بموجبها السجين الى انسان وديع بريء

وربما تعتبر تجربة السجون العربية من اقسى وابشع التجارب السجنية عبر التاريخ الطويل للظلم والاستبداد والقهر ، وصورة مصغرة لدموية وتسلط وقساوة الانظمة العربية، ابتداء بسجن تازمامارت ، واقبية درب مولاي الشريف ، وقلعة مكونة الرهيبة ، الى سجن ابي زعبل، وليمان طرة ، والقناطر، ونقرة السلمان، وأبوغريب، والمزة، وتدمر، وشكلت موضوع العديد من الاشعار والروايات والقصص والسير والبحوث بدءا من تجارب أبي فراس الحمداني والمعتمد بن عباد قديما الى ادب السجون في قتامة تجلياته في أرخبيل الغولاغ لألكسندر سولجنتسين ، فراشة لهنري شاريير ، والساعة 25 ، و لدى عبد اللطيف اللعبي في رسائل السجن قلعة المنفى، وسعيدة المنبهي في أشعارها، وعبدالفتاح الفاكهاني في البئر ، والطاهر محفوظي في "أفول الليل"، وصلاح الوديع في "العريس"، وعبد القادر الشاوي في "كان واخواتها"، ومحمد الرايس ، واحمد المرزوقي ، وادريس ولد القابلة ، وسعيد الرحباني ، او لدى ناظم حكمت ، وعبد الرحمن منيف، وعبد الرحمن مجيد الربيعي ، وفاضل العزاوي ، ونبيل سليمان ، وفوزية رشيد ، ونوال السعداوي ، وشريف حتاتة، وصنع الله ابراهيم ، وصلاح عيسى ، محمود امين العالم ، وطاهر عبد الحكيم ، ومحمد الماغوط ، وجاسم المطير وغيرهم ..

وفي البدء كان الناس أحرارا

لنكتشف معا نماذج من بعض هذه التجارب الانسانية القاسية التي أملتها المعاناة والمكابدات وقساوة الزنازن وأسوار السجن العالية الصفراء

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى