حيدر عاشور - جموح.. قصة قصيرة

راودتها الأفكار والأوهام وهي مستلقية على ظهرها شبه عارية مبحلقة في سقف غرفتها المتصدع من رطوبة الشتاء الذي نخره تماما كجسدها الذي هاجرته اللذة الحقيقية منذ أن تركها وحيدة تعاني الم الفراغ وسط هذه الجدران الآيلة للسقوط بأي لحظة، نفثت أخر نفس من سيكارتها بحسرة ووجع، وهي تتابع صعود الدخان من فوقها كأنه انتهى توا من ممارسة غضة بين شفتيها , تلملم شفتيها وتسحب أنفاسها محاولة إرجاع الدخان الى جوف فمها لتعيد النشوة ذاتها ولكنها تفشل.. وذات الوقت تتحدى حرارة الجو فتبقي عرق جسدها يسير مسترخيا بين أعضائها فتتحسس دغدغته فيشعرها برغبة جامحة لوجوده في هذه الساعة من الظهيرة الملتهبة بكل شيء..
انتبهت لصوت المذياع وهو يذيع اغتصاب فتيات من مدينة الموصل على يد قوات (داعش) واحدهن انتحرت وأخريات انهزمن ليوضحن للإعلام عنف الممارسات الجنسية والاغتصاب العلني باسم الخلافة الجديدة... راق لها حوار الاغتصاب وعنف الجنس وأخذت تدير المذياع الى محطات أخرى عسى ان تعيد الوسائل الخبر مرة أخرى بتفاصيل أعمق.. ولكن عبثا لم تحصل على غايتها وأوقفت المذياع على بيان إعلان دولة الخلافة: على الأمة الإسلامية الالتحاق بها وإلا ستغتصب أراضيهم..
صرخت بعلو صوتها: تكلموا عن اغتصاب النساء ايها الاحراش كيف تغتصب الأرض، وأخذت تبحث عن علبة السكائر، وهي تتموج على سريرها، ويغازل العرق جسدها... تشعل النار قرب فمها وهي بوضع لا يحسد عليه من التهاب الجسد وعطش الروح...وهي تتمتم خيانات تملا الأرض، فلماذا لا يخون زوجي ويمارس عشوائياته وانفلاتاته مع البغايا ليثبت رجولته وقوة جسده..
غرقت في ذكرياتها وهي تلعن اليوم الذي وطئها ذلك الخائن، واليوم الذي رحل عنها، ستبقى عصامية لن يمسها بشر، وسترضى بالعرق يغزو جسدها، ولن توقفه ما دامت الحرارة مرتفعة والكهرباء مغادرة والحكومة ساقطة في مستنقع الفاسدين، والشعب مكونات وطوائف وأحزاب وخونة ومشردين ولقطاء وأولاد مومس، اخرهم زوجي الذي شد الرحال الى جهنم من اجل حفنة من الدولارات الحقيرة والسبب الحكومة وأذيالها الوسخة...
اخذت نفسا عميقا اوجع فكيها ونفته بقوة باتجاه السقف وهي تحدثه بلغته المتطايرة : اعترف ان زوجي كان انسانا شفافا حكيما عادلا عشت معه ثلاثون سنة، لم اسمع منه كلمة او مفردة تخدش الحياء، كان مواظبا على صلاته وقيامه الليلي، يعشق الليل كما يعشقني، وأتحسس حلاوته وطيبته وواقعيته، وكنت له مطيعة وصابرة على عسر ماله وضعف إمكاناته، كان يوزع راتبه على نفسه وعليّ بالتساوي، لا يميل الى الدَين او الاقساط يكتفي بما رزقه الله من خيراته، حتى جاءت الليلة السوداء يوم انتقل من مكان عمله الوظيفي الى اخر...
كان المكان الجديد تحكمه طائفة تختلف عن طائفته ورغم كل المحاذير والمشي بجانب الحائط إلا ان القدر كان له بالمرصاد وبدأت المشاكل تتراكم، والضغط النفسي يزداد سوء، بعد ان اتهموه بالرشوة وحولوه الى المحاكم، وكاد ان يسجن، لولا تدخل الآخرين.. استمر على حافة الهوية حتى ساوموه على ترك الوظيفة او السجن او الموت المجاني الذي ابيح في البلاد على يد رجال قلوبهم كجمر الموقد على أولاده، بسبب ولعهم المادي والسياسي والطائفي، وكلا تأسسا على بحر من الدم العراقي الذي لازال يمد بأتساعه، والشارع ملتهب بالصراعات على انواع مختلفة من المزايدات لبيع البلد او تقسيم اراضيه الى وحدات فقيرة تأكل بعضها ببعض وتضعف نفسها بنفسها من اجل ان يقوى الخائن، ويتسلط الغازي الجديد باسم الدين والديمقراطية وغيرها من المسميات... اعتدلت في جلستها، ومررت يديها بخفة على اعضاء جسدها وهي تدمتم:
لا أجد ضرورة للصراخ بنبرة مسرحية، فالمسمَى لا يحتاج إلى تسمية، والمؤكد لا يحتاج إلى تأكيد.. وزوجي الحاقد على ارضه ووطنه يدعوني الى شر رذيلة ، يطلب مني عبر كل موجات الاتصال المرئية والسمعية ان التحق بقافلة (جهاد النكاح) كي اعصم نفسي من الرذيلة وأتوب الى الله بإباحة جسدي الحر الى جنسيات مختلفة من مجرمي العالم يقتلون الانسان باسم الدين ويبيحون ما حرمه الله...
صوته يتكرر في تنبيه، وأنا لا اؤمن بجدوى هذه الدعوة الاستعراضية ،لقد تغذيت على حب الارض والوطن، وهذا ما لا يعنيني أن أجعل قصّتي مادة للعلاقات المباحة والمحرمة شرعا وقانونا، سأكون غبية لو وقفت فوق حجر أو فوق غيمة لكشف جميع أوراقي، فهذا لا يضيف إلى وجدوه او بعده سوى العار والخروج عن طاعة الرحمن الرحيم، ولا يضيف إلى جنوني وجموحي ورغبتي دليلا جديدا... لذا أُفضِل أن أستبقيه في جسدي طفلاً مستحيل الولادَة..وطعنةً سرية لا يشعر بها أحد غيري... في كل الاحوال هو زوجي المغدور والمغرر به.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى