عنفوان فؤاد - قراءة في المجموعة الشعرية "وأكتفي بالسحاب" للشاعرة الإماراتية خلود المعلا

"الشعر مخطوطة شبحية تحكي كيف يتكون قوس قزح وكيف يختفي"
- كارل ساندبرغ

من هنا نتعرف على ما ينتظر القارئ -المسؤول- من مهام شاقة وماتعة بذات الوقت.
فالقارئ الفطن هو الذي يبحث في مكنون الدلالة أكثر منه في الكلام المصرح به، ساعتها يحظى بمتعة القراءة ويستأنس بعوالم الكاتب فلا يود الخروج منها ولا مغادرتها.

من خلال قرائتي لما كتب حول المجموعة الشعرية المعنونة ب (وأكتفي بالسحاب) لخلود المعلا بلغني ما بلغني، وقد حاولت تلخيصه في بضع نقاط:
-لمسنا من خلال الديوان الشعرية والشاعرية للكاتبة اﻷستاذة خلود والتي نتوق لإلقاء نظرة على مجموعتها للتعرف على المزيد من عوالمها.

-لطالما شدني هذا اللون الأدبي المكنى بالكتابة الشذرية والتي تعتمد في شحها اللغوي واقتصادها التعبيري باستخدام كلمات موجزة لكن معبرة تحفر في وجدان اللغة.
إلا أنها تتقاطع مع الحكمة والفلسفة في مضامينها ومبتغاها.

-والشذرة كما عبّر الناقد الألماني فريدريك شليغل؛
"فن يخاطب المستقبل والأجيال القادمة، ويظل معاصروه عاجزين في أغلب الأحيان عن فهمه أو تقبله"
ومن هنا، فقد اختار كثير من الفلاسفة والمتصوفة والمفكرين استعمال الشذرات طريقة في التعبير والتفكير والتصريح. ويعني هذا أن هؤلاء قد استعملوا أسلوباً مقطعياً ينم عن حرية في الكتابة، ورغبة في الإفلات من الإكراهات التي يفرضها كل فكر فلسفي نسقي صارم.

-أما الصوفية في مجملها فإنها تعتمد على المناجاة والخطاب الأحادي.
على خلافها جاءت النفحة الرومانسية وتجليات الأنا في كينونة الآخر المسمى حبيب فهذا ما اتصفت به كتابات نساء البشتون واللواتي كن يتبادلن أشعارهن الموجزة -كما لا كيفا- خلسة عن أذان وأعين المجتمع وعلى وجه الخصوص العائلة والتي تحرم البوح مهما كان شكله ونوعه.

-جاء في الديوان قول الشاعرة "ها أنا أجلس جوار النافذة/ أحرس السحاب في غفوته/ كي لا تبدده الريح".
فهذا الانموذج يوحي بقلة كثيره وكثرة قليله، بمعنى، كلمات معدودات شكلت معانيها حمولة حسية وفكرية.
هذا الانتظار الأزلي لا لتمضية الوقت أو القضاء على عمر الساعات، إنما هو توقع حدوث المستحيل وإحالته إلى مرمى الحاجة. فكيف للريح أن تعرض عن سحاب الشاعرة بالذات الذي تحرسه وتراقبه على مضض...
هي مراقبة زوال الشيء بتحقق شيء آخر والرجاء الواثق من حال صاحبه.

-وحسبي أن الديوان غني بكذا صور شعرية عالية المعاني معتمدة في ذلك على آلية المونولوج الذاتي.

-صورة أخرى عجيبة تقول فيها: "لأجلكَ يا سحاب سأَحجب الشمسَ بقلبي"

لدينا هنا: قلب/ شمس/ سحاب/
وللقاريء ترتيب مواضعها حسب رؤية الشاعرة لا حسب تلقيه للصورة الشعرية،
فهذا الخسوف أو الكسوف المجازي ينقلنا إلى عوالم الكاتبة
والتي تقول بصمتها أكثر من تصريحها، في مواجهة مع عوالم القارئ أن افتح عين عقلك أو اغلقها سيان بالنسبة لي لأنك ستصاب بسهام مصوبة من أشعة قولي.

-ومن الملاحظ أن الديوان بدء من عنوانه الذي يعتبر عتبة ومدخلا للديوان ككل، جاء فضاحا غير مستتر، فقد جاءت مغردة "سحاب" هذه التيمة الموحدة، مهيمنة على الديوان ككل.

-من المعروف أيضاً أن النصوص الشعرية أو النثرية في العادة يربطها رابط موحد لتعزيز النص وتقوية إيقاع القصيدة.
-كما أن السماء تعتبر مسرحا مكتمل الأرجاء لأداء عرض السحب بين تجمع وتلاشي، كذلك الديوان جعلت منه الكاتبة محطة لسحبها المحملة بالدهشة وجماليات القول.

-إن تتالي الصور باعتماد الشاعرة لثيمة السحاب له غاية ان لم نقل غاية الغايات. فالمتتالية في الخطاب الشعري مهمة، إذ تعد ركيزة أساسية في تقوية إيقاع القصيدة في شكلها العام.

وهذا ما لاحظناه من تكرار مفردة سحاب؛ إلا أن هذا التكرار يعتبر وثيق الصلة بالمعنى العام للسّياق الذي ورد فيها، واستطاعت الكاتبة بمهارة تغيير موضعها والتنقل ببن سماوات المعنى، لتجعلها بتقنية التنقل المستمر في نفس الإطار بصور متتالية ومتداخلة فكريا وايحائيا.

-هنا بالذات تبرز مهارة الشاعرة ومدى تمكنها من أدواتها الشعرية، والا كانت مفردة "سحاب" -بجمعها ومفردها- فارغة وضبابية لا فائدة منها.
-وعن نفسي أميل كثيراً إلى هذا الأسلوب واعتمده بين فترة وفترة عند كتابتي أيضاً لما يتيح لي من انفتاح على أفق متعددة الوجهات والجهات...

وختاما الشكر موصول للشاعرة على هذا الجمال المكنى ب "وأكتفي بالسحاب"

عنفوان فؤاد/ الجزائر
الأحد 26 أوت 201

وأكتفي بالسحاب.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى