من احمد بوزفور الى عبد القادر وساط

إلى صديقي عبد القادر وساط:
أما بعد ياصديقي فقد ذكرني حديثك عن الصلتان العبدي بتلك الحكومة الشهيرة التي حكمها بين جرير والفرزدق والتي جرّت عليه حربا من الشاعرين الكبيرين معا، فقد حكم لجرير بالشعر على تواضعه في النسب، وحكم للفرزدق بعلو النسب على تواضعه في الشعر. ومن هذه الحكومة قوله:
( فإن يك بحر الحنظليين واحدا = فما تستوي حيتانه والضفادعُ
وما يستوي صدرُ القناة وزجُّها = وما يستوي شُمُّ الذُّرى والأكارعُ
ألا إنما تحظى كُليبٌ بشعرها = وبالمجد تحظى دارمٌ والأقارعُ
أرى الخَطَفَى بذَّ الفرزدقَ شعرَه = ولكن خيرا من كُليب مُجاشعُ
فياشاعرا لا شاعرَ اليومَ مثله = جريرٌ، ولكن في كليب تواضعُ )
وإذن فالحكم على الشعر في عبدة قديم، ولا غرو إن نُصبت لكم، صديقي، في سوق الفايسبوك خيمة كخيمة النابغة في عكاظ. وشعراء عبدة واحمر معروفون ومشهورون من المثقب والممزق إلى عنيبة وآل وساط. أما جدكم المثقب فهو الذي ثقب الشعر، وسَلَكَه في سمط، وعلقه في عنق عبدة واحمر إلى آخر الدهر. وأما الممزق فما أسير شعره ولا سيما بيته الشهير:
( فإن كنتُ مأكولا فكن خيرَ آكل = وإلا فأدركني ولمّا أُمزَّقِ )
وقد تمثل به الخليفة عثمان بن عفان وهو يخاطب عليّا في رسالة أرسلها إليه وهو محاصر في داره قبيل مقتله. وقافيته المفضلية ( وهما اثنتان في المفضليات وبرويُ القاف معا، ولكنني أقصد التي أشرتَ إليها أنت ياصديقي ) فوق كل كلام. وهم يقولون إنها في ذم الدنيا وأنا أعتقد أنها إحدى عيون الرثاء الذاتي في الشعر العربي، وهي قصائد قلائد منها يائية عبد يغوث الحارثي المفضلية ومنها يائية مالك بن الريب النار على العلم. وتأمل معي قول الممزق فيها:
( هل للفتى من بنات الدهر من واق أم هل له من حِمام الموت من راق
قد رَجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَثٍ = وألبسوني ثيابا غيرَ أخلاق
ورفعوني وقالوا: أيما رجل = وأدرجوني كأني طيُّ مخراق
وأرسلوا فتيةً من خيرهم حسبا = ليُسندوا في ضريح الترب أطباقي
هون عليك ولا تولع بإشفاق = فإنما مالنا للوارث الباقي... )
أما خلف الأحمر فمن لك بالرجل الذي يرثيه أبو نواس؟، على أن أبا نواس لم يخلد خلفا حتى خلّد خلف أبا نواس، وما أظن الشعراء والأدباء عامة ينسون أبد الدهر نصيحته النقدية الشهيرة لأبي نواس وقد جاءه وهو بعد صغير وسأله عما يفعل لكي يكون شاعرا فنصحه بأن يحفظ ألف قصيدة ثم يأتيه، فلما حفظها وأتاه قال له: اذهب الآن فانسها، ثم قل الشعر بعد ذلك. ألم أقل لك إنكم مُعرقون في الحكومة ياصديقي؟ وأما عن مرثية أبي نواس لخلف فأحسبه لم يكن يرثي فيه العالم والأب والصديق فحسب، بل كان يرثي فيه القارئ أيضا، وما أحسب أبا نواس كان يكتب شعرا إلا وفي ذهنه خلف الذي سيقرأه، ( تذكرت الآن قصيدة لشاعر انجليزي لا أتذكر اسمه، قالها في صديق له ناقد بعد أن مات. قصيدة فيها جملة واحدة هي ( لمن سأكتب الآن؟ ).....). وقد ذكرت لي خوفك من غضب ابن علي، وقد سميت مرثية أبي نواس قصيدة... ياصديقي، لا مشاحة في أبي نواس. فهو رب القصائد والأراجيز جميعا، ولا أظن ابن عليّ ينسى طردياته ( والطردية هي القصيدة أو الأرجوزة، وأغلب الطرديات أراجيز، التي يصف فيها الشاعر الصيد والصياد وكلاب الصيد وطردها للطرائد ). فإذا نسي أو تناسى فلنذوقه والقراء الأصدقاء هذا ( الشانتيو ) الجميل، وقل لي بعد قراءته: هل رأيت وصفا لكلب الصيد أجمل وأعجب؟ يقول أبو نواس:
( أنعت كلبا أهله من كدِّهِ = قد سعدت جدودُهم بجدِّهِ
وكل خير عندهم من عنده = يظل مولاه له كعبده
يبيت أدنى صاحب من مهده = وإن عَرِي جَلَّلَهُ ببُرده
ذا غُرّة محجلا بزنده = تَلَذُّ منه العينُ حسن قده
تأخيرَ شدقيه وطولَ خده = تلقى الظباءُ عَنَتاً من طردِهِ ... )
وياصديقي العزيز، هل شعراء عبدة واحمر قادمون؟ فلنفرش الطريق بالورود والاستحسانات إذن. سلام



1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى