ريم الكمالي - قصص..

لا أحد ينكر بأن مُجمل قُراء القصة، ومن أقصى أطراف العالم إلى الأقرب، ممتنين لتلك الحكايات الخيالية التي منحت التراث الدافئ شأناً في سردها، فالإرث الذي يمر في فكرة الحكاية ومغزاها، ويناغي أحداثها وحبكتها... حتماً يجعلها ذات قيمة، فمن جهة يمنح الموروث الشخوص المتخيلة بُعدها الثقافي والإنساني قبل الوطني، ومن جهة أخرى يَخرج التراث غير الملموس، نثراً مكتوباً ومقنعاً يتحقق عبر عيني القارئ.

ورغم أن القصة تبقى سلعة مادية حسب نظريات دور النشر المجردة، لكنها تظهر بمظهر فني وحسي ناهض إذا أحيت التراث في نَصّها، متخذة لنفسها مثالاً أو طريقاً إبداعياً نحو الإنتاج الرفيع، لتخرج تلك النصوص وبلا مغالاة ثروة قصصية.

يحلو قول «البقاء لقصص التراث»، لأن للصناعات تراثاً، أي تلك الثقافة الصناعية لحدود الأوطان، وللطبيعة تراث، من حيوان ونبات وجيولوجيا ومناظر طبيعية وتضاريس توصف ضمن الأحداث ومنطقة الخيال، ومع بسط تراث الغناء والفنون، ودغدغة التراث اللغوي... وانتهاءً بما لا نتوقعه من التراث الافتراضي من تكنولوجيا واتصالات ومعلومات، فإن البقاء لقصص التراث.

في يوم من الأيام كانت القصص الشفهية مهددة بالزوال، وتشعرنا بالضياع، وساذجة بعشوائية حضورها غير المكتوب... واليوم أصبحت بعد كتابتها إضافة كبرى للأدب الإنساني، لكن الأذكياء من المؤلفين لم يكتبوها كما هي بالطبع، بل دونوها بعناصر سردية، من شخصية، ومشهد، وحوار، ووصف، وعمل، وتوتر، وما إلى كل ذلك، حتى تم تعزيزها وتوثيقها أدباً.

والأمثلة كثيرة على استخدام التراث في عالم القصص الخرافية، التي تجاوزت المكان في شهرتها، بعد العمل على نضجها وحيويتها، لتتوافق مع حداثة الزمن، كقصة الروسي ألكسندر بوشكين «الأميرة الميتة والعمالقة السبعة» إلى الدنماركي هانز كريستيان أندرسن في حكاياته الشعبية من «بائعة الكبريت» و«ملكة الثلج» و«عقلة الإصبع»، والفرنسي من خلال شارل بيرو الذي أحيا الخرافة مع التراث في قصصه المعروفة «ذات القبعة الحمراء» والمشهورة لدينا بـ«ليلى والذئب»، كما كتب قصة «سندريلا» و«الجمال النائم» والتي تعد فخر الذاكرة الفرنسية وهويتها الأدبية الراسخة...

ساعدت قصص التراث في أن تتكون ذاكرة وطنية بعد أهميتها من التراث، وبعد دعم المؤلفين لها بالتسلسل المتماسك بالأحداث واللغة الجميلة، بهدف تحليلها بشكل جوهري وحَرِجْ أحياناً، وبغية أن يأخذ التراث القديم في السرد مجراه.

ولدى الشرق، كل الشرق، ومن خلال قصص ألف ليلة وليلة الممتعة والتي لا نعرف من كتبها، باتت الذاكرة الجمعية مشتركة بيننا جميعاً، إلى قصص التراث العربي والصيني والهندي... فإنه يحق لنا إدخال المعالجات فيها كما فعل الغرب، لصناعتها سينمائياً وتلفزيونياً وإذاعياً ومسرحياً وتشكيلياً... ومع الإعادة والتكرار في بثها لتستمر في أهميتها الإنسانية المشتركة.
  • Like
التفاعلات: حيدر عاشور

تعليقات

كلام دقيق فيه توجيه لمن له القدرة على خلق روح للقصة ...احسنت استاذة ريم كل ما جاء في مقالتك أمل انساني نتمنى ان يؤخذ به..تحياتي
 
أعلى