منصور الصُويّم - الرجل الأثيري.. قصة قصيرة

.... متأخرا استيقظت ودوائر هلامية متكسرة تحوم أمام عيني يرافقها طنين حشرات منقرضة بأذني . نفضت الغطاء المتسخ ، فتشت عن شئ ما تحت الوسادة ثم تثأبت بضجر. ارتفقت رأسي واخترت مركزا محترما في المدى البعيد لأصب فيه تأملاتي، في هذه اللحظة بالذات تكون أمامي انسيابيا يتماوج كالبخار إلى أن تثبت تماما وفصل بيني وبين مركز تأملاتي عند المدى البعيد. في الحقيقة لم تأخذني الدهشة لبزوغه المباغت بقدر ما ابهرني مرءاه البديع. كان بهيا وجميلا. اجمل الكائنات قاطبة، برهة باهرة أخذتني وأنا اتأمله دون أن انتبه إلى نظراته النشوة وهي تنغرز في عينيي. عدلت من وضيعتي المرتبكة وقلت له بترحاب أهلا.
لكنه قاطعني بتلويحه شبحية لساعده مرتفقة وتقطيبة مذهلة الجمال قال:
جئت لا خبرك بأنه تبقت أمامك فقط أربع ساعات ثم تموت فاستعد.
بوغت لصرامته وجديته المتناهية فتشت سريعا عن واحدة من شخصياتي اللزجة تقمصتها وقلت له هذا بعد أن شكلت على وجهي ابتسامة ممعنة في الضلال والجبن قلت
: لماذا سيدي – أربع ساعات لماذا لاتكون أربعون أو اربعمائة ساعة .
ثم ضحكت بصوت مكتوم ومتحشرج وأنا أخفى عيني من لهيب نظراته . لكنه لم يضحك لسخافتي ، فقط أحسست بسبابته تكاد تخترق جمجمتي وهو يقول .
دعك من الوهم . تبقت لك ثلاث ساعات وسبع وخمسون دقيقه
جهز نفسك و تهيأ .
قال هذا ثم انساب مترقرقا وهو يتماوج كالسراب حتى ضاع وتلاشى تماما مخلفا وراءه رائحة مخدرة دغدغتني فتمددت من جديد على الفراش وأنا أرتب نفسي بذهن صاف لاستقبال موتى ....
... كنت قريبا ارقب ما يدور ، سمعت حواركما و أبصرتك ووجهك يتلون وأنت تذوب في عجين لزاجتك اليومية التافهة عند المدى البعيد. أبصرت الرجل الأثيري هذا الجميل الأتي من وراء الزمن أبصرته وهو يتكثف ثم يشف ويتبخر أمامك قبل أن يرسم بسبابته على جبينك علامة موتك ورحيلك الأبدي . بقيت وحدك تحسب وتعد الدقائق متقلبا على فراشك بأنتظار موتك الأتي كنت تتقلب بنذالة أيها اللزج وتفتش تحت وسادتك عن كيس صاعوط بائس تحشر يدك اليمنى بين فخذيــك وتحك . كنت نزلا أيها اللزج وأنت تنهيأ لاستقبال موتك الجميل صدقنى لم تفلت منى ولو لبرهة تابعتك حتى وأنت تحتضن وسادتك بتشنج وشرايين وجهك تتقافز وأنت تنادى البنت . كنت تناديها هكذا (حليمة، حليمة) ثم هكذا حلي مه ح.....) صدقت ،لا ، استمع أذن نهضت مترنحا كرعت كوب ماء وفتشت عن مدآك ووجدته غائما سحبت كراسة شعرية وقرأت بصوت عال تردد في فضاء الغرفة القذرة قرأت .
(( متعب ونحيل
أمضي إلى سهري
كما يمضى المحارب
للكمين ))
ثم رميت الكراسة على التراب وفتشت من جديد عن كيس صعوطك البائس ، ألصقت سفه بتجاويف شفتك السفلي ، توسدت يديك أخذت تحدق بسقف الغرفة سمعتك تقول ( نهار ملتاع حزين ، وضنين كبقيه النهارات ماض بأتجاه حتفه ) ثم قفزت كالوهم أخرجت رأسك من شباك غرفتك و أخذت تحدق في الظلال وتحك أعلى أذنك اليمنى سمعتــــك تهمس ( ربما مضت ساعتان ) أدخلت يدك في جيبك ، أخرجت عمله معدنية وحيدة أخذت تمسحها بيدك قبل أن تقذفها في الفراغ وتتابعها وهى تتدور وتتقلب ثم تحتضنها بكفيك عند هبوطها وتسحب كفك اليمنى ببطء تحدق بالعملة وتهمس (هذا افضل من استقباله على متن حافلة بطيئة السريان ) تحركت بشكل دائري وبلا معنى داخل غرفتك انحنيت على فراشك طويته و أخرجت من تحته كتاب صدقني تتبعتك وأنت تفتش كل أركان الغرفة حتى وجدت القلم ببطن حذائك ابتسمت في نشوة و أمسكت الكتاب تابعتك وأنت تقلب الصفحات ثم وأنت تتوقف عند صفحة بذاتها وترسم بقلمك خطا اسودا تحت اسطرها وتكتب على هامش الورقة .
( كونديرا يصلب المسيحية على جدار مسبح )
تقلب الصفحــــات وتفعل ذات الشي وتكتب على هــامش الورقة.
هذا يتقاطع وبعض خطر فات أخوتنا (...) ) ثم ببؤس مباغت تغلق الكتاب و ترمية على التراب . اقسم رميته في التراب وتمددت حزينا و أسيانا قبل أن تجر غطائك المتسخ تغطى جسدك بأكمله حتى وجهك وتنام .........
أحسست بهزات أثيرية ترجني فاستيقظت و أبصرت الرجل الأثيري ببهائه وجماله القاتل يقف أمامي ساعداه متقاطعان على صدره وغضب ساطع يشع من وجهه ارتبكت وتلملمت رسمت ابتسامتي المخزية وقلت .
أهلا سيدي .
أحسست به يقترب منى يقول وساعداه مازالا متقاطعان على صدره أذن لم تفعل شي تبقت لك دقيقتان وأنت نائم . ارتعشت . حقيقة أرعبني البريق الغريب لمقلتيه . قلت له مرحبا . سيدي أرجوك أمهلني حتى نهاية القرن .
لكنه قاطعني بصوت كالدوي قال .
قضي الأمر
ثم مد باتجاهي يدا أثيرية لانتزاع روحي .
..... بالطبع لم تمت لان الرجل الأثيري أصلا غير موجود فقد أخبرني الرجل القبرصي ) حيـــــن التقانى برفقه ( الرجل الأخير) اخبرنا بان الرجل الأثيري مات و انقرض قبل ملايين القرون و أرشدنا إلى مكان أنوجاد ( الرجل المشع) لو أردنا الاستماع لبقية تفاصيل حكايا الرجل الأاثيرى .




* (من مجموعة طقس العناكب)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى