ديان شويمبرلين Diane Schoemperlen - قوليها للحائط!.. قصة قصيرة - ترجمة: طه جعفر

بعد موت زوجها فجأةً بسكتة قلبية في عامه التاسع و الخمسين. تغيرت حياة مابل بيترسون بشكلٍ كامل. بالرغم من أنهما عاشا حياة سعيدة في مزرعتهما لثلاثين عاماً، الرحيل المفاجيء لفيكتور بيترسون ترك زوجته في في ضائقة مريعة. كان فيكتور طيباً لكنه غير موفق و نَسّاء فلقد أنجز العديد من الإستثمارات الفاشلة و لم يكن يدفع فواتيره في الحال.كان دائم التخطيط لإنجاز تأمين علي الحياة لكنه لم يفعل. كبقية الموتي ظن فيكتور أن أمامه حياة عريضة لاتمام كل ذلك. بعد موته وجدت مابل نفسها معدمة و يتوجب عليها أن تنتقل للحياة مع ولديها المتزوجين.
لم يُظهر أيٍ من ولديها شارلي و إستيف إهتماما بأن يكون مزارعاً. قبل عدة أعوام من وفاة أبيهما إنتقلا للعيش في المدينة التي تبعد أميالاً عن المزرعة الخاصة بأبيهما.وجد كلٍ منهما وظيفة و تزوج. إشتركا في شراء شقة دبلكس بالمدينة وعاشا معاً. شارلي و زوجته روز في الطابق الأول و إستيف مع زوجته كاثي في الطابق الأعلي. كانت روز و كاثي حاملتان بمولديهما الأولين.إتفقوا علي أن تسكن معهم مابل في غرفة بالدور التحتاني بتلفزيونها و حمامها المنفصلين.إعتقدوا أن مابل سيكون بمقدورها تكوين صداقات جديدة في المدينة و سيكون بمقدورها ملاعبة أحفادها الذان سيتم ميلادهما في الربيع القادم و لن تحس بالوحشة بعد ذلك.
في البداية كانت الأمور مبهجة لجميع الأطراف. لكن سرعان ما بدأت الامور في التَغيّر و في أحد الايام كانت كاثي و زور متوعكتان. فطلبت روز من مابل أن تنظف أرضية المطبخ وأن تنجز غسيل الملابس و .كما طلبت كاثي منها أن تقوم بتنظيف الدرج و الفرن و إذا كان بمقدروها ان تكوي لها بعض الملابس. كانت مابل سعيدة بمبدأ المساعدة في أعمال البيت.
عندما عاد شارلي في المساء من العمل كان جائعاً و متعباً و لأن زوجته كانت بفراش المرض أعدت مابل لإبنها الأكبر عشاء متنوع الأطباق.إشتكي شارلي من أن سلطة الخضار كان ذابلة و اللحم لم يكن مبهراً بشكل كافٍ لكنه أكل جميع عشاءه علي أي حال كما قال إن أرضية المطبخ متسخة بالرغم من تنظيف مابل لها في ذلك الصباح. و عندما حملت مابل صينية الطعام لروز في غرفتها بالطابق العلوي لم تستطع روز الأكل لأنها كانت متضايقة من كرمشة جاكيتها المفضلة بسبب عدم فرد مابل للغسيل بعد إخراجه من مجففة الملابس. بعد العشاء طلب شارلي من أمه غسل الإطباق لأنه كان متعباً.
عندما عاد إستيف متأخرا من العمل إشتكي بصوت عالٍ من عدم إعداد العشاء له وكانت كاثي بفراش وعكتها فأضطرت مابل لإعداد العشاء لإبنها الأصغر. إشتكي إستيف من أن الأرز كان متلبكاً و اللحم مبهر بأكثر مما يجب و كانت كاثي متضايقة من إحتراق بلوزتها جراء مكواة مابل لها في الصباح فلم تستطع الأكل. بعد العشاء غسلت مابل الأطباق لأن استيف أراد متابعة التلفاز.
في اليوم التالي تحسنت حالة كاثي و روز. تحسنت حالتهما فهما بحال تكمنهما من الإسلتقاء علي كنبات غرفة المعيشة لمشاهدة المسلسلات التلفزيونية و مهاتفة أصدقائهما. بذلك لم يكن أمام مابل غير الركض بين الطابقين لإكمال مهام البيت و أشغاله في الصباح و عند لظهيرة الركض بين البيت و متجر البقالة المجاور لتبلي حاجات توَحُم روز و كاثي حيث أرادت روز مخلل الخضار المحلي و أردات كاثي ايسكريم بنكهة الفانللا و المحلي بالسكر الأسمر و لاحقاً إشتهت روز ليمونادة منزلية بنكهة البرتقال كما طلبت كاثي ثانياً كيك الاناناس و لانجاز هذه الطلبات إحتاجت مابل للذهاب و العودة من متجر البقالة المجاورة إثني عشر مرة.
كانت كاثي و روز بصحة جيدة تمكنهما من الأكل لكنها ليس كافية لتجعلهما تطبخان لذلك إحتاجت مابل لتحضير العشاء لولديها. و للمرة الثانية الجميع اشتكي الجميع من الأكل الذي تمكنوا جميعا من حشو انفسهم به. انتقدوا كل ما أعدته لهم. بعد العشاء نظفت مابل الأطباق و الطناجرفي المطبخين لأن الجميع كان مشغولاً بامور أهم.
عندما عادت مابل إلي غرفتها بالدور التحتاني، كانت متعبة و لم تكن سعيدة بفكرة مشاهدة التلفاز لوحدها. أحست بالملل فاستلقت علي سريرها و جعلت نفسها تبكي لتنام.
كان اليوم التالي مشابهاً للأمس و كذلك الذي يليه و بقية الايام اللاحقة . فعلت مابل كل شيء لأولادها و زوجاتهم وسمعتهم ينتقدون كل ما تفعله و سمعتهم و هم يتبادلون الأدوار في وصفها بالغباء فتمضي إلي غرفتها في الطابق التحتاني لتبكي. و إستمر الحال هكذا دون تغيير لغير الأسوأ .مالم تستطع مابل فهمه هو كيف تغير أولادها و تحولوا إلي هذه الشخصيات السخيفة و القاسية و لقد كانوا أطفالاً سعداء و محبوبين عندما كانوا في المزرعة بين والديهما. و لم تستطع فهم كيف تزوج أولادها هذا النمط من النساء السخيفات و الكسولات. لم يكن لديها صديقة او صديق لتشتكي له و لم يكن لها وقت لبناء صداقات جراء إنهماكها في مهام البيت. كانت تخشي أن تسبب مشاكل في البيت إذا تكلمت. و في النهاية الأمر فلقد أخذها ولديهما للعيش معهم لأنها أصبحت وحيدة بعد وفاة زوجها و لم يكن لها مكان آخر لتمضي إليه. هذا الي جانب خوفها من الطرد إلي الشارع إذا اشتكت من طريقة معاملتهم لها.
لم يعد أمامها من خيارٍ بتوالي الايام غير إجتياف حزنها و أذاها، ابتعلت كل تلك الآلام و بالتدريج بدأ جسمها في التورم و الإنتفاخ و كلما تجتاف حزنا او أذي يزداد تورمها وتزداد سمنتها. بعد مدة قصيرة لم تعد تستطيع صعود الدرج لإنجاز مهام البيت و صَغُر حوض الحمام ( البانيو) عن حجمها الزائد و لم تستطع أن تقلب جسدها في سريرها الذي أصبح صغيرا عن جسدها المتورم. ازدات سمنتها لدرجة انها أصبحت تجد صعوبةً في التنفس.
و بعد انتقد ولداها و زوجتاهما سوء طبخها و خراقتها في الخدمة المنزلية و غبائها إجمالاً بدأوا يتنتدرون بوزنها الزائد و قالوا انها تأكل كخنزير و لم ينتبهوا إلي حقيقة أنها كانت منشغلةً بخدمتهم و لم يكن لديها حتي الوقت لتأكل. قالوا إنها بدينة كبقرة، كحيوان المووز او كفيل و قالوا انها صارت تشبه منطادا جراء سمنتها. خاف ولداها من مجرد التفكير في ماذا كان سيقول والدهم عنها اذا رأي بدانتها الحالية و غباوتها و قال إستيف أن ابوهما يتعذب في قبره جراء بدانتها و خراقتها.
حدث مرة في عطلة نهاية الاسبوع أن قرر الجميع شارلي و زوجته روز و استيف و زوجته كاثي الذهاب الي حفلة موسيقية في حديقة عامة. لأن مابل لم تري مكانا في المدينة غير متجر البقالة المجاور قالت إنها تريد ان ترافقهم الي الحفلة الموسيقية فرد عليها شارلي بالقول انهم يخجلون من فكرة ظهورها معهم في مكان عام نتيجة لبدانتها المفرطة و خراقتها و قالت روز سيبحلق الناس فينا و يشيرون علينا بأصابعهم و سيعتقد الصغار في الحديقة العامة إنها وحش من شحم هنا قالت كاثي سيتراكض الأطفال و يصرخون من الرعب من مجرد مشاهدتها و قال إستيف انها بحجمها هذا لن تستطيع أن تركب السيارة حتي و التي سوف تتداعي تحت وزنها الزائد. و سخر منها شارلي قائلا لماذا لا نربطها في رف السيارة العلوي كحقيبة لنوصلها الي الحديق العامة حيث الحفل فضحك الجميع وهم يغادرون نحو حفلتهم الموسيقية.
تُرِكت مابل بالبيت و لم تحتمل فكرة أن تظل وحيدة في غرفتها التحتانية. وضعت جاكيتها الذي صار صغيراً عليها و حقيبة يدها و إتجهت الي موقف البص في زاوية الطريق جوار بيتهم. ركبت أول بص جاء للمحطة. كانت بدينة لدرجة أن سائق البص جعلتها تدفع أجرة راكبين لأنها إحتلت مقعدين. حملها البص إلي نهاية المدينة الشمالية.
نزلت عن البص و بدأت تمشي. لم تستطع المشي بسرعة جراء بدانتها. تسارعت أنفاسها و تَعرّق جسدها. كانت تتوقف لإلتقاط أنفاسها. كانت تبتعد عن المدينة بصورة تدريجية. إنحني الطريق جوار منطقة ريفية ذكرتها المزرعة التي عاشت فيها مع فيكتور زوجها الراحل لمدة طويلة سيل الذكريات جعلها أكثر حزناً وإحساساً بالوحشة. تبعت طريقا جانبيا صوب بيت قديم و مهجور كان مبنياً من الطوب و كان بلا سقف و بنوافذ محطمة.دخلت هذا البيت. وقفت في منتصف البيت القديم المتهدم يلفها الحزن التام و التعاسة الماثلة و اليأس.لم تعتد تحتمل الأحزان في داخلها لدقيقة واحدة. إحتاجت ان تكلم أحداً و المكان خلوٌ و لا أحد فيه غيرها. بدأت مابل في الكلام مع الحائط قُبَالتها عن إبنها الأكبر شارلي و كيف قال لها انها بدينة كبقرة و الذي اشتكي من إتساخ البلاط في المطبخ رغم تنظيفها له و أشتكي من أن العشاء لم يكن مبهراً بما يكفي. و الذي قال متندرا علينا ربطها في الرف أعلي السيارة. شارلي الذي يستحي من أن يشاهده الناس برفقتها. عندما إنتهت من كلاهما تصدع الحائط و إنهار من عبْ شكواها الحزينة. تصدع الحائط و انهار و صار كومة من الطوب إنطلقت منها سحابة من الغبار و التراب. نقص وزنها و أحست بخفة. أدارت وجهها صوب حائط آخر و كلمته عن روز زجة إبنها الأكبر شارلي التي قالت عنها إنها ضخمة كحيوان المووز، روز التي صرخت في وجهها لأنها لم تَفرِد لها ملابسها بعد التجفيف و التي قالت ان الناس في الحديقة سيشيرون بأصابعهم نحوهم و يبحلقون لانها بدينة جداً ، روز التي كانت تُعّيرها يومياً ببدانتها و خراقتها فتصدع الحائط منهاراً نحو الأسفل في كومة من الطوب المتربة المُغبرة. هنا أحست بخفة روح زائدة و اتضح نقصان وزنها. و للحائط ثالث حكت عن إبنها الأصغر إستيف الذي قال عنها إنها في ضخامة فيل و الذي إشتكي من إتساخ الدرج برغم تنظفيها له و الذي قال إن العشاء كان مبهراً بأكثر مما يجب، إستيف الذي قال انها لن تستطيع ركوب السيارة معهم جراء بدانتها وقال إن سيارة ستتداعي تحت وزنها الضخم و الذي قال ان زوجها فيكتور كان سيموت حياءً جراء بدانتها و بلادتها هنا انهار الحائط الثالث متصدعا. و بإحساس طاغٍ بنقصان الوزن و خفة الروح توجهت بشكواها نحو الحائط الرابع لتكلمه عن كُنّتِها كاثي التي قالت عنها أنها منتفخة كمنطاد و التي صاحت في وجهها لأنها أحرقت البلوزة اثناء المكواة ، كاثي التي قالت ان الصغار سيركضون خوفا صارخين من مجرد مشاهدتها و التي قالت عنها إنها اكثر الخلق بدانة و خراقة فخر الحائط مرميا من العجز أمام عبء و فداحة الشكوي.
أحست مابل الواقفة وسط حطام البيت المهجور بنوع من الارتياح لم تعش مثله منذ رحيل زوجها فيكتور.شملت نفسها بنظرة فإندهشت من عودة جسمها لحالته الأولي . كل الغضب و الأذي الذين اجتافتهما قد غادراها آخذان معهما الوزن الزائد.
لبست مابل معطفها و إتجهت إلي البيت في رحلة عودة طويلة. عندما وصلت إلي نهاية المدينة الشمالية ركبت أول بص جاء الي المحطة. نفس السائق و نفس البص لكن السائق لم ينتبه إلي انها تلك المرأة البدينة التي طلب منها أن تدفع أجرة راكبين لا بل قال لها مجاملا إنها تبدو جميلة و لم يأخذ منها أي أجرة إحتفاءً بحلو طلتها . نزلت عن البص في قلب المدينة و دخلت مركزاً تجارياً كبيراً صعدت إلي أعلي و جلست في أحد المقاهي و طلبت شاياً. تجاذبت أطراف الحديث مع إمرأة بدينة و وحيدة تجلس إلي طاولة مجاورة. إستمتعت السيدتان بالرفقة و إفترقتا علي أمل اللقاء في الأسبوع القادم في نفس المكان و بذات الزمان. صعدت مابل الي الدور الثالث و إشترت دستين من من خيوط الصوف و مجموعة من إبرات النسيج و الخياطة.تم نزلت إلي الدور الثاني و إشترت لنفسها جهاز تشغيل موسيقي وسماعتين و صندوق من الاسطوانات الموسيقية. ثم غادرت إلي الطريق المزدحم متخذةً البص الذي سيأخذها الي البيت.
عندما عاد أولادها الي البيت برفقة زوجاتهم من الحفل الموسيقي بالحديقة العامة بعد قرابة الساعة من عودتها بدأوا في الصراخ لأن البيت كان غير مرتب و لم يكن هنالك أكل في إنتظارهم. نزلوا مسرعين إلي غرفة مابل في الدور التحتاني فاتحين باب غرفتها بعنف. أحمرت وجوههم و وانفتحت أفواههم فاغرة من الدهشة من منظر مابل بسماعات الموسيقي في أذنيها و هي تدندن و تنسج خيوط الصوف الملونة لتجهز قبعات و جوارب للأطفال القادمين في الربيع، بابتسامة عريضة لوحت في وجوههم بيد واحدة مشيرة اليهم لينصرفوا.

للكاتبة الكندية ديان شويمبرلين
ترجمها عن نسختها الاصلية باللغة الانكليزية
طه جعفر الخليفة
في ديسمبر 2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى