محمد عبد الرحمن مهاجر - القرار

الان تيقن تماما بانه يقف فى المكان الصحيح. احس بدفء الشجرة ذات الساق الضخم وهى تقف شامخة خلفه. لم يعر الحائط القديم المشبع بماء المطر اى اهتمام, برغم احتمالات سقوطه فى اى لحظة. حل الرباط وسحب سرواله قليلا الى اسفل, ثم بدا يفعلها بعد تردد. فى هذه الاثناء بدا ضوء المغيب يتلاشى, فازداد ابو منصور اطمئنانا بالا احد يستطيع ان يتبين ملامحه بقين. واصل فعلته وهو يسبح فى خيال لذيذ وجد نفسه تائها فيه ومحتفلا بمتعة لا نهائية. تبسم وهو يحاول استجماع تفاصيل اللحظة الاكثر لذة من هذه الهنيهات المترعات بمتعة الصبابة. لمعت اسنانه البيضاء المتفرقة وهو يباعد فكيه, يكاد يضحك. وجنتاه المستديرتان صارتا اكثر بروزا وتكورا. وما اعجب هذه اللحظة القصيرة التى نجح فيها سريعا ان يرسم بدقة ابتسامته المثيرة الحبلى بالوفرة والتى طالما اعجبت بها السارة, حبيبته وخطيبته. كانت السارة تحبه بوله عنيف , لكنها لم تك قادرة دائما على افشاء كل ما لديها من مكنون الغزل وكلمات الاطراء. وهو قد يكون اخذ عقلها بابتسامته اللطيفة برغم وجهه النحيف الصارم ذو الوجنتين البارزتين. والسارة تلك المراة الثلاثينية الجذابة الانيقة, خجولة كمثل نساء هذه القرية الصغيرة المتكئة على الوادى. استولت اللهفة على عقل وقلب ابى منصور وبدنه النحيل وهو يتذكر الاشياء التى يريد ان يفحصها بدقة قبل الغد. اجتاحته شفقة على بهائمه , معزاته وضانه وحماره ,الرابضة فى الزريبة وهو لم يتمكن بعد من ان يغشاها منذ ان امسكت السماء عنها حليبها البلورى. القى من جديد نظرة فاحصة على سقف كوخه المكون من العشب والاعواد الرقيقة. لم يك الماء قد تسرب من فوق او من الجوانب, لكنه كان يخشى على اوراق السفر والاشياء الهشة. وهو كان قد غادر هذا الكوخ بعد ان توقف نزول المطر تماما واتجه الى حيث يقف الان. وبعد تردد قرر ان يفعل فعلته تلك بكل تصميم. ردد الجملة الاخيرة فى دواخله ثم واصل فى تنفيذ ما كان يعتمل فى نفسه منذ ساعات. وجد نفسه مرة اخرى يغرق فى اللذة. بدات اخر القطرات تنزل وانشا معها الالم يتلاشى. كانت مثانته ممتلاة تكاد تنفجر. والان بعد ان افرغها, جذب نفسا عميقا بلذة سكنت قلب مراهق. نفض المخاط من انفه فسحب سرواله الى الاعلى من جديد ثم شد عليه رباطه كما كان. الان احسن بمتعة قراره بالتبول خارجا بعد ان عصى اوامر ساقيه النحيلتين الصلبتين وهما تحاولان سوقه الى داخل المرحاض القديم. كان يدرك ان ارضية المرحاض المكونة من اعواد مستقيمة وعشب وطين فوقها, قد ارتوت تماما بماء المطر العنيد. وهو يدرك كذلك ان المرحاض ينوء بحمل اى كائن كان. كان يخشى السقوط فى وحل حفرة المرحاض القذر فيلتصق به العفن طول حياته او يموت. اثنى على قراره من جديد. تلفت ونظر تحته فوجد ان بوله مازال يجرى على الارض المبتلة. شد على رباط سرواله من جديد. تمنى الا يمر شخص من هنا فى هذه اللحظات فتطا قدماه على البول او تصيب ثيابه نجاسته. وخشى كذلك ان تفاجئه السارة فى هذه اللحظات وهو ما زال ممسكا بحبل سرواله. وخشى كذلك اللعنة التى حلت بالتيس. والتيس هو شخص شبه مخبول ومنبوذ من اهل القرية الذين طردوه فاضطر ان يسكن لوحده فى اطرافها. وقد لقب بالتيس تشبيها بالتيس الهرم ذو الرائحة النتنة التى تغزو الانوف فتصيب من يستنشقها بالغثيان. وقيل بان التيس قد اصابته لعنة لانه كان يتبول على الطريق. فمر رجل صالح فاصابه بعض بول التيس, فلعن صاحبنا ذو الرائحة النتنة. ويقال كذلك ان الرجل الصالح كان مسرعا فى تلك الاثناء لكى يدرك الصلاة فى المسجد. ومنذ ان اصابته اللعنة اصبح التيس لا يقوى على امساك البول. فصار يتبول على ملابسه. ولما وصمه الناس بالخبل اصبح لا يهتم بنفسه. وزاده السكر اهمالا واهانة لنفسه. فاصبح نتنا متسخ الملبس والجسد, كث الشعر ولون اسنانه رماديا كتراب هذه الارض. فاذا نظرت الى جلبابه من بعيد تكاد تخاله جلبابا من الجلد السميك من فرط سماكة قاذورات العرق والبول والغبار الملتصقة به. ويقال ان جده واباه كانا ملعونين كذلك. عندما كان الناس يحتفلون بمناسبة العرس الاخيرة فوجئوا بالتيس يدس نفسه بين اناس ياكلون رغم انه منبوذ. لكن ابو منصور كان مشغولا باستلام الكسرة من النساء, ومن ضمنهن السارة, حبيبته, ومن ثم نقلها الى مجموعة النساء الاخريات اللائى انيط بهن تجهيز سفر الاكل للضيوف. لم يطرد الناس التيس بل انفضوا من حوله. وواصل المضيفين فى خدمته. وهو ظل ياكل بشراهة و لم ينس ان يثنى على من اكرموه. كانوا لا يكرهونه لكنهم لا يطيقون عفونته الطاغية. والبعض من اهل القرية يحبون نكاته, بالرغم من شذوذ بعضها. وكذلك بمعاكساته الت يمارسها وهو يمر سريعا بازقة القرية. لذلك ظل التيس ملتصقا بالقرية كالتصاق القمل بثيابه. كان يضحك بجلجلة مبرزا اسنانه القليلة المتسخة. وعندما يصل الى نقطة الهدوء يعمد سريعا الى حك شعره الكث المغبر, فيحسب البعض انه يحاول استخلاص شئ ما من دماغه الفارغ. بعضهم يدعى بان للتيس صداقات مع الجن, خاصة ان الجن يحبون الاوساخ والنجاسة. وهذا ما يفسر, حسب وجهة نظرهم, سكنه فى مكان بعيد فى اطراف القرية. وقد ذهب بعضهم بعيدا فى هذا الافتراض وحكوا عن اصوات جنيات كانوا يسمعونها فى بيته فى انصاف الليالى. والبعض يذكر ان اصدقاءه من الجنيين والجنيات هم الذين يرعون له بهائمه. كذلك يدعون بان الجن هم من يامرونه باشعال الحرائق. وقد ظل التيس المتهم الاول فى كل حادث حريق لم تعرف اسبابه. استولى على ابو منصور الخوف وتلك الافكار تمر براسه ذو الشعر القصير المجعد. وفى هذه الاثناء سمع اصواتا كانها تقترب منه. اصدربدوره اصواتا اخرى وضرب برجليه على الارض محذرا. اقترب صاحب الاصوات اكثر فاكثر. كان ابو منصور مازال ممسكا بسرواله وهو يهم باحكام رباطه عنما فاجئه صوت ناعم بقوله: -
- ابومنصور, سلام عليك
- وعليكى السلام يا السارة
- كيف حالك مع المطر الشديد اليوم
- ما فى مشكلة
انسكبت قطرات من عرق وجهه على الارض الباردة. كان يتلعثم وهو يرد عليها التحية وكفاه ترتجفان. ولا غرو فقد هجمت عليه فى لحظة واحدة مشاعر مكثفة من الخوف والخجل والمتعة والرغبة. لم تلاحظ السارة وضعه لانها كانت فرحة جدا لرؤيته. حبته بكم كبير من عبارات الثناء والاعجاب والرضى.ثم قالت:
- مع السلامة
- مع السلامة

قال عبارته الاخيرة وهو يتابع خطوها بنظرة حنان مختلطة برغية وشهوة. لاحظ انه مازال ممسكا بسرواله فتبسم. رفع الابريق من على الارض وتحرك نحو الكوخ. وهو يمضى نحو الكوخ اكتنفته لحظة تصالح مع رغبةفى الخيال دفينة وهو يتلذذ بالنظر الى قوامها الافريقى الممشوق الممتع. استرجع صورة الخصر وما تحته والصدر الشامخ والوجه الجميل ذو الخدين الاسيلين. كذلك تمعن النظر فى الشفتين الغليظتين المترعتين بالشهد والابتسامة الساحرة المنبثقة من ثنايا اسنانها الدقيقة المفرقة ناصعة البياض. اعاد بصره كرة اخرى و ثبته فى طيف القوام الناعم والبشرة الغضة المشبعة بالبن لونه وطعمه ونكهته. وهى قبل ان تهم بالمغادرة كانت ما زالت ترسم ابتسامة جذابه على وجهها المستدير وعينيها الواسعتين السوداوين وهما ماتزالان تلمعان بحنين دفاق. صمتت وهى مازالت تنظر الى شفتيه بشوق. صمت هو كذلك. هم بالاقتراب منها فابتعدت بخطوات الى الخلف. وهى كانت فى هذه الاثناء قررت المغادرة وقالت:\" مع السلامة\". قالتها بصوت ناعم مازالت نغماته ترن فى اذنى ابى منصور. سمع ابو منصور صياح الديك فانقطع تواتر خيالاته. ملا الابريق بالماء وذهب فجلس على حجر وشرع يتوضا. كان مصمما على الاستخارة فى هذا اليوم. ولطالما اجل قراره المصيرى مرات عديدة. وفى كل مرة كان يعزف عن الاستخارة. و بعد ان اكمل الوضوء اتجه قاصدا مصلاته المصنوعة من جلد خروف وتهيا للصلاة.

كان ابو منصور يقف فى مدخل الدكان الذى ورثته السارة عن زوجها المتوفى وهو يستمتع بحديثها العذب. لم تكن تدرى بانه سيتخذ قراره هذا اليوم. وهو فى الحقيقة لم يخبرها حتى هذ اللحظة التى يقف فيها الان وهو يتهيا للصلاة. كان يستمتع بكل حرف جميل تنطقه وبكل ابتسامة. بل كانت ضحكتها تسلمه الى خبل وهوينظر اليها والى خديها الناعمين وهما يظهران تقعرا لطيفا يميز هذه الضحكة العذبة. المرحوم ابو ابنها كان قد ترك لها كذلك شاحنة وحواشة. وهى بهذا تعد من اغنياء هذه القرية. استطاعت ان تدير مالها ومال ابنها باقتدار تام. كان ابو منصور يدرك انها تحبه جدا وهو كذلك يحبها الى حد الجنون. لكن لا احد يدرك مبعث العوائق التى وضعها امام نفسه و هى متعلقة بمسالة التكافؤ المادى. فهو يكسب دخله كمزارع يفلح مزرعته عند نزول المطر وهى ضمن مشروع مزارع مطرية متعددة تقع على منطقة نائية على بعد 100 كلم من هذه القرية. والمزارعون يذهبون الى هناك ويقضون الخريف كله فيها . وبعد انقضاء الخريف يعود ابو منصور ليشتغل كعامل فى مشروع القطن اضافة الى جمع العشب وبيعه لاصحاب البهائم. ويعمل كذلك كبناء وحطاب. كل هذ الاعمل لا تكفى الا لسد احتياجاته ودفع نفقات مطلقته وابنه الوحيد منصور.

كان ابو منصور قد عزم على قراره قبل ان ياتى الى هنا. بدا يتحدث مرتبكا فى البدء ثم سيطر على نفسه اخيرا, والسارة ما انفكت تنظر اليه بشفتين نديتين مرتعشتين. لاحظت عدم ارتياحه وهو كان واقفا فاعطته كرسيا خشبيا ليجلس عليه ففعل. اعطته كوبا من الشاى ثم قالت: -
- هل نتزوج قبل ان ترحل الى مكان عملك فى المزرعة
- ن ن ن نعم

مط الكلمة القصيرة مرغما وهو يحاول ان يخرجها من ثناياه لسانه وشفتيه بثبات. لاحظت تردده فاردفت: -
- نحن اتفقنا ان يكون المهر رمزيا. وانا كذلك لا احب الزواج المكلف. فقط اريد ان نتزوج قبل ان تذهب الى المزرعة هذه السنه.
لاحظ قلقها وهى تتحدث اليه فقال:
- ما فى مشكلة

لاحظ ابتسامتها وهو يرمقها بنظرة قلق. قلق لان الخريف قد بدا فعلا. وعليه ان يتخذ قراره الذى وضع خطوطه العريضة منذ مدة. هو لا يريد ان يتزوجها ثم تظل تتكفل بمصاريفه عليه. فدخله البسيط لا يكاد يكفيه مع مطلقته وابنه. وهو ان تزوجها سيتغير حاله بلا شك. وسيهجر بعض الاعمل التى لا تتناسب مع وضعه الجديد. كانت السارة تذكره دائما بان مالها هو ماله. لكنه ظل يرفض الفكرة جهرة وفى سره. فهى فى نظره عيب كبير وهى مقيدة وخطرة و تحمل فى طياتها احتمال تحول محبوبته الى امراة مسيطرة. هذه هى قناعاته الراسخة والتى ظلت تقلق مضجعه باستمرار.

انتهى ابو منصور من صلاة العشاء فصلى صلاة الاستخارة ثم تلا الدعوات. لبس حذاءه واتجه صوب الباب بخطوات بطيئة شابكا يديه خلفه و راسه يميل الى الاسفل. وقف برهة وهو يحك شعره ثم لعن الشيطان. تذكر كذلك لحظات تبوله وكذلك تذكر التيس واحتمالات اللعنة. لعن الشيطان من جديد ومضى فى مشيه. قرا ايات من القران ودعوات. رجع متجها ناحيه الكوخ فمر به فتخطاه ونسى ان يدخله كما نوى.

و الان بدات الارض تجف وبدات النسمات الباردة تهب مختلطة براتحة الاعشاب والزهور والروث وعطور النساء اللائى بدان الاستعداد للياليهن مع بعولتهن. وصل الى زريبة البهائم فاعلفها وهو يربت عليها بحنو. كذلك ربت على ظهر حماره ووضع يده على رقبته وهويحادثه. كان يحب حماره اكثر من اى حيوان اخر يمتلكه, ولا غرو فقد ظل خادما له مطيعا لا يشتكى من نقل العلف او الماء او جر عربة الكارو. ذهب بعد ذلك الى قفص الدجاج وتفقده ثم عاد راجعا الى الكوخ. غشيته اللحظات الحلوة مع السارة وهو يخطو نحو الكوخ. تذكر بانه سيتخذ قراره غدا بصورة حاسمة فتوقف. جذب نفسا عميقا و تاوه وتافف. واحس بضربات قلبه ترتفع وتيرتها فلعن الشيطان مرة اخرى. قال فى نفسه:\" الله يستر\". تناول الابريق فغسل كفيه الصلبتين الجافتين بفعل العمل المرهق المتواصل. كذلك غسل ساعديه النحيفين بشعرهما الشحيح القصير. بعد ذلك دلف الى داخل الكوخ فخلع العمامة و الجلباب الطويل ولبس جلبابا قصيرا لا يغطى الا جزءا من ساقيه النحيفتين الملساوين. وهذا هو لباس النوم لمعظم رجال هذه القرية. حمل الفراش والوسائد والاغطية وخرج ليرمى بها فى سريره الخشبى الملقى فى فناء الدار. فى هذه الاثناء كانت كل السحب قد اختفت فظهر القمر نيرا. وبدات الاصوات تنخفض ايذانا بخلود سكان القرية الى سباتهم العميق. فهذه القرية المتكئة على الوادى تنام باكرا وتصحى باكرا. وفى الصباح يهرع المزارعين الى مزارعهم والعمال الى اعمالهم والرعاة يذهبون بحيواناتهم الى المراعى اما الصيادون فانهم يغادرون بيوتهم قبل طلوع الشمس.

رقد ابو منصور على السرير ووضع راسه ذو الشعر المجعد القليل على كفه وهو ينظر الى القمر والنجوم. سرى طيف السارة اليه وهو منغمس فى محاولة استجماع تفاصيل القرار. كان يقول لاصدقاءه بان السارة امراة لذيذة بطعم ونكهة المنقة وحلوة وجذابة كالبن. تفكر مليا فى قراره. فكر فى كيفية ابلاغ السارة واهلها وكيف تكون ردود افعالهم. تذكر بانه لم ير التيس منذ اسبوع فانشرحت اساريره, اذ كان يتشائم من هذا المخلوق النتن. تذكر حفل العام الماضى والذى اقامه لابن عمه الاتى من اوربا ومعه زوجته الخواجية الجميلة. استرجع شريط الحفل بما فيه من غناء ورقص ومائدة لذيذة ونساء جميلات و كذلك السارة وحديث ابن عمه عن اوربا. سرح بخياله بعيدا واخيرا شعر بجسمه يتراخى. حل رباط سرواله ومال الى الجانب الايمن واضعا كفيه بين فخذيه واغمض عينيه الصغيرتين.

كانوا يجلسون على مكان مرتفع نوعا ما بقرب البحر. كانوا كلهم غرباء عنه لم يتعرف اليهم الا فى هذا المكان. قال لهم المهربون بان هذا المكان هو ميناء سرى لكنه امن. والتهريب منه يتم بسرعة وباقل مخاطرة. كان قد امضى اياما فى هذه المنطقة وقد تعرف على زملاء الرحلة الذين اصبحوا اكثر جراة على البوح باسرارهم مع مرور الايام تحدثوا عن مشاريعهم واحلامهم التى يريدون تحقيقها بالهجرة الى اوربا. كانوا متحمسين فى الكلام حين قطع عليهم تواتر الحديث رجل انيق الملبس يعرفونه. وقال لهم الرجل بلهجة صارمة: - امستعدون للرحلة؟
قالوا بصوت واحد:
- نعم
قال لهم\" اذن فليحزم كل منكم متاعه وليضع نقوده واوراقه المهمة فى جيبه. وعندما ارجع ساخبركم بالخطوة القادمة. واضح؟\". قالوا بصوت واحد:\" نعم\". عم الصمت لبرهة ثم واصلوا ثرثرتهم. جاء الرجل من جديد و ذكرهم بحديثه السابق. وقال لهم ان حرس السواحل قد علموا بالامر لكنهم لم يعرفوا بالضبط اين سترسو السفينة. لذلك فان العملية ستنفذ بالرغم من بعض المخاطر. كان الرجل يحدث نفسا سرا بمساله تخفيض النفقات بعد ان قبض الثمن من كل واحد من هؤلاء الشباب الطامح للهجرة باى ثمن. تفحص المكان مليا. مشى مئات الامتار فى كل اتجاه ثم عاد. قال لهم بلهجة المطمئن الواثق:\" اهرعوا الان. امضوا سريعا. امضوا فى هذا الاتجاه. اسرعوا\".

ركضوا مسرعين بقوة طاغية. شاهدوا السفينة فازدادت سرعتهم. كان ابو منصور يتقدمهم جميعا. ثم رويدا رويدا بدات سرعه عدوه تقل وبدا يحس بثقل رجليه يزداد. احس بحمل الرجلين يجذبه الى الاسفل ويحاول منعه من الجرى. راى قدميه وهما تنتفخان ويزداد ثقلهما. اراد زيادة السرعة فلم يقدر. بذل كل الجهد فوجد جهوده تخيب. كان يراقب زملاءه فراهم يصلون الى السفينة الواحد تلو الاخر. زاد من سرعته برغم الالم فى رجليه. سمع اصواتا تناديه:\" اجر. اسرع فان الشرطة خلفك اسرع\". واخيرا وجد نفسه على بعد خطوات من السفينة. هم بالقفز فلاحظ ان السفينة قد بدات تتحرك. سمع اصواتا تناديه مرة اخرى:\" اقفز. الان اقفز. الشرطة خلفك اقفز\". استجمع كل قواه وقفزنحو السفينة المتحركة. كان مغمضا العينين فى هذه الاثناء. كان يدرك جيدا حجم المخاطرة واحتمالات السقوط.. فتح عينيه من جديد فراى نفسه معلقا فى الهواء. اغمض عينيه من جديد حتى لا يرى المكان الذى سيسقط فيه.

فتح ابو منصور عينيه وهو كان قد صحا على اثركابوس مرعب. قام من سريره الخشبى ذى الحبال الغليظة. شرب كوب ماء ثم غسل وجهه. فرك عينيه وهو مازال يتذكر تفاصيل كابوسه المزعج. نفض عنه الافكار المزعجة وتذكر انه كان قد استخار قبل النوم. قال لنفسه:\" الان تيقنت من القرار الذى ساتخذه\". كانت تمر به فى تلك الاثناء نسمة باردة فجذب اليه الغطاء القطنى الثقيل. غطى جسمه النحيل وهو ينظر الى السماء الصافية و التى غاب عنها القمر. مدد رجليه وعدل ملابسه. فكر قليلا فى الامر ثم تبسم. وضع يديه بين فخذيه وهو يميل الى جانبه الايمن ثم نام.

محمد عبد الرحمن مهاجر
امستردام , هولندا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى