عزة بدر - أحمد هاشم الشريف.. ولغة القلب..

أحببت «صباح الخير» من قلبى لأنها كانت منبرا يتكلم لغة جديدة.. فكانت كتابات أحمد بهاء الدين، وصلاح جاهين، ومحمد عودة، لغة جديدة غيرت لغة ألوان البيان والكتابة التقليدية، كانت «صباح الخير» ابنة ذلك الحماس الذي جعل كل شيء شابا، وكانت الأحداث قوية:

تأميم قناة السويس، بناء السد العالى، وكان الشباب عنصرا مهما فيها، الزعامة السياسية والصحافة والأدب، حتى أبطال الأفلام السينمائية كانوا شبابا، والأغانى فيها روح الشباب، عبدالحليم حافظ كان قد ترك أغانى الحب ليغنى للثورة والسد العالى، كانت هناك رغبة عارمة في التعبير عن الذات».

هكذا تحدث الروائى والأديب الكبير أحمد هاشم الشريف في عيد ميلاد «صباح الخير» وهو من أبرز كتابها وكان قد بدأ نشر قصصه القصيرة في «صباح الخير»، وخاصة في باب «حكاية»، كما كان ينشر قصصه القصيرة في ملحق الأهرام الأدبى، قصة واحدة من قصصه بعنوان «اللصوص» دفعت به إلى طريق الشهرة الأدبية، فلقد نشرت القصة في «الأهرام» بدون اسمه فلم تكن تنشر أسماء المبدعين إلا نجيب محفوظ، ولكن نشر قصة أحمد هاشم الشريف بدون اسمه كان قد أثار عاصفة من الرفض والاعتراض، فكتب رجاء النقاش عن هذه القصة بالذات، في مجلة «الكواكب» ونشرت القصة بعد ذلك باسمه على صفحات مجلة «جاليرى 1968» في العدد الأول.

ويضيف «كنت أخوض غمار المسابقات الأدبية فحصلت على المركز الأول في مسابقة «نادي القصة» وعندما أصدرت مجموعتى القصصية الأولى بعنوان «وجه المدينة» كتب عنها في «صباح الخير» و«الجمهورية».

وكان أن سافرت إلى مؤتمر في فنلندا عن «مشاكل الكتابة»، ثم كتبت عدة حلقات عن رحلتى إلى فنلندا فحاولت أن أنشرها في الجمهورية ولكنها لم تنشر، ونصحنى يحيى حقى بأن أنشرها في «صباح الخير» وبالفعل نشرتها في عشر حلقات وقد نشرها لى لويس جريس وكان رئيس تحرير «صباح الخير» حينذاك.

كما نشر لى يحيى حقى قصصى على صفحات مجلة «المجلة» وقد ترجمت إحدى قصصى إلى الروسية وكانت عن السد العالى، ونشرت في جريدة روسية اسمها «انفستيا».

كما نشر بعض قصصى في مجلة «الهلال» وفى «صباح الخير».

تألق أحمد هاشم الشريف من خلال أدب الرحلة، فسافر إلى أوروبا، وزار باريس أربع مرات، كما سافر إلى إيطاليا وإسبانيا، وكان معظم هذه الرحلات فى السبعينيات وخلال بعض هذه الرحلات فكر أحمد هاشم في كتابة باب بعنوان «لغة القلب» وكان يرد على مشاكل القراء، وكانت فكرة الباب قد ولدت في خاطره بعدما رأى قوة الاهتمام باللغة كوعاء ناقل للثقافة في أوروبا فيقول: «عندما سافرت إلى روما كنت أجد كتبا بأسعار بسيطة تتحدث عن المسرح، والفن، والرسم، كانت لغة الفن والإحساس قوية جدا وترقى بالإنسان، ومن هنا قلت في باب «لغة القلب» «إننا نحتاج للغة جديدة تبدأ بالمشاعر».. لغة الفن والأدب.. لغة الإحساس وتزامنت مع هذه الدعوة عروض في الأوبرا تبحث عن لغة جديدة تشبه وتحاكى الموسيقى، فتمت ترجمة مسرحية «لاترافيتا» للكاتب العالمى «ألكسندر ديماس الابن».

أحمد هاشم الشريف رحلة جادة في القراءة والإبداع، فقد حصل أثناء دراسته الجامعية على الجائزة الأولى في القصة القصيرة في المسابقات الأدبية التي كان ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب لشباب الجامعات - وكان قد تخرج في كلية الحقوق - جامعة عين شمس.

كتب حوالى سبعين قصة قصيرة في «صباح الخير» في باب «حكاية»، كما نشر عدة روايات مسلسلة على صفحات «صباح الخير» ومنها رواية «بيوت الأقزام» وهي أول رواية تنشر ورسمها «جورج البهجوري»، وكاتبنا عاشق للقراءة يعرف خارطة المكتبات العامة في نواحى القاهرة فهو العاشق الذي كان يمر يوميا على مكتبة تفتح أبوابها للقراء في شارع خلوصى في شبرا، بل كان حريصا على أن يذهب إليها مرتين مرة في الصباح وأخرى بعد العصر، كما كانت رحلته للقراءة تمر أيضا من مكتبة «التحرير» في شارع قصر العينى إلى دار الكتب بباب الخلق مرورا بسور الأزبكية الشهير.

ومن مكتبته كان يهدى الكتب بكرم ولا يستعيدها، وأذكر أنه أهدانى أعمال جبران خليل جبران في مقتبل رحلتى الشعرية، فقد كان يقوم بتقديم جيل جديد من المبدعين يهديهم الكتب ويناقشهم فيما كتبوا، تجلجل ضحكته وهو يرفع نظارته الطبية السميكة عن عينيه الحافلتين بما قرأ من معارف وثقافة، يتحدث ببساطة زاهد، فإذا سألته لماذا لم تجمع رواياتك في كتب مطبوعة يقول: نشرتها «منجمة» في صباح الخير، لقد وهب أحمد هاشم الشريف لكتابه كل وقته ويقول: «كان العقاد»، وطه حسين، وتوفيق الحكيم يفعلون ذلك لأنهم أعطوا حياتهم حقا وبكل ما أوتوا من قوة وعزم للكتابة والأدب.. وعلينا نحن أيضا إذا فكرنا أن نصدر كتبا أن نكون على نفس القدر من العطاء والعشق للكتابة.

لأحمد هاشم الشريف الأستاذ والزاهد نهدى باقة ورد في عيد ميلاد «صباح الخير».



د. عزة بدر

الرواية المُنتجة معرفيا… «أنا أحيا» ليلى بعلبكي نموذجا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى