حيدر عاشور - صديق و(نص).. قصة قصيرة

أنا مع نفسي اغرق دائما وأهيم كطائر لا محطة له ولا جدار يركن إليه ، يعلو ويهبط مع قوة الريح وقسوة البشر وعنف الطبيعة... أغرق في كل شيء وأحسب حساب كل شيء وانتهي دائما بلا أي شيء وابدأ من جديد... ليس غريب الأطوار ولا شكلي بعيدا عن أشكال البشر بل امتلك مسحة من الجمال وحلاوة في الكلام ومعرفة من الحياة، ولدي من الأصدقاء المهمين أعداد كبيرة واغلبهم يفوقون عمري ،ونجاحي متوازن في استمرارية حياتي ليس عاليا ولا فاشلا ... ولكن حظي بطيء جدا وأمشي ببطء ، ولكن لم يحدث أبدا أنني مشيت خطوة واحدة الى الخلف... مرشدي القاسي أبي الذي يوبخني دائما ويتهمني باستمرار إن لا صديق لي رغم أعدادهم الكبيرة... تصومعت لمدة طويلة وأنا أحصي أسماءهم وعناوينهم وألحق صورهم بين أوراق مذكراتي متحديا أبي الذي يخجلني بكلماته ، أجد نفسي منتصرا عليه وهو يؤكد ان لا صديق كامل الأوصاف وحقيقيا في زمن اختلت فيه مقاييس الإنسانية ... وسرحنا ذات مرة في علم البحث عن جمال مفردة الصديق فاصطدم فجأة بحالة لا تسر بالا حين اخذ يروي حالته أمام ميزان العدالة الذي حكم عليه بالموت شنقا حد الموت جزاء حقد دفين وتحدٍ مريض بين الأصدقاء وعلى غرار المحكمة دخل شخص يعلن معرفته بالحادث ويقسم يمين الله هو من جنى الفعلة لا من في القفص وأخر تردد قائلا:انا املك مالا لا يحصى افدي به صديقي وان كان جانيا.
ساد الصمت في رواق العدالة والأشخاص تتجه الى أبي المحكوم عليه بالشنق وهو يضحك بملء فمه ويصرخ بوجه صديقه الظالم: لا أصدقاء حقيقيين سوى (الصديق والنص). ثارت كلماته جدلا وأراد الحضور معرفة هذا السجع المعرفي المنكر للأصدقاء وهل هناك نصف صديق ... فجاءت كلمات أبي وهو يبرر حين قال: الأول فداني بكل ما يملك لقناعته ببراءتي والثاني فداني بماله شكاً ببراءتي فالأول صديق والثاني نصف صديق .. هكذا وجدت نفسي تتأرجح في همها الصدائقي فتوصلت بعد تجربة مصغرة من تجارب الحياة القاسية إن نصف الأصدقاء هم أعداء.


*حيدرعاشور
* قصة قصيرة من مجموعة (زَهَايْمَرات)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى