أمل الكردفاني - هيام.. قصة قصيرة

نسي أن يضع عطراً ، بل أو أن يلبس جورباً في رجليه فهو في عجلة من أمره ، وكيف لا وهو ينتظر عودة هيام منذ سنوات ، لقثد سمع أنها لم تتزوج فخفق قلبه بشدة وها هي تعود من كندا ، من حيث الثلوج إلى عمق الاحتراق الأفريقي بنيران الشمس الصيفية ، لا شك أنها ازدادت بياضاً على بياض وجمالاً على جمال ها ، ما أجملها وهي بتنورة زرقاء تلف جسدها بيسر وكأنما هي قبلة من ضوء القمر ، ما أن علم باقتراب عودتها حتى أنفق آخر قرش يملكه على الاتصال بها وتحدث معها فردت عليه باتصال مقابل تحدث فيه إليها بأشواقه واندهش حين لم تجفل ولم تصد ، بل بدت أكثر رقة وهي تدير معه حديثاً ملأه بالبهجة بعد سنين حزن رهيب ، سنين عانى فيها من الفقر وانقطاع العاطفة والبطالة المدمرة وسقوط دولته في درك الانفلات الأمني والتردي الاقتصادي والفساد والمحسوبية ، فسافر إلى دولة أفريقية أخرى عله يجد على النار هدى فوجد النار ولم يجد الهدى ، وعاد ليلملم أشتات نفسه في عالم فوضوي الأبعاد قاتم الألوان ، حتى سمع بعودة هيام ، وفي المطار اشرأب بعنقه باحثاً عنها بين جموع العائدين ، دق قلبه بعنف وهو يلمح ذات التنورة الزرقاء تهفهف من الجانب الأيسر لصالة الوصول ، ثم هاهو يرى كتفها الأيسر ثم نصف جسدها قبل أن تكتمل صورتها الجميلة ، وبابتسامة واسعة أشارت إليه وكأنه زوجها الذي تشغف إلى رؤيته منذ القدم ، لم يصدق نفسه وهو يراها بعد هذه السنوات ولازالت بكامل حيويتها وإثارتها ، فانتفض يجري نحوها حتى التقطها من الهواء وهي ترمي بنفسها بين ذراعيه.

اشتم عطرها ، وشمت عرقه واندمجا ككائن واحد لا محيط له بقبلات ساخنة حتى أن جميع من بصالة المطار وقفوا ينظرون إلى هذه الجميلة وذلك الأخرق ذو الأسمال البالية دون أن يعلموا بأن هذين الشخصين لم تكن بينهما أي علاقة حب في الماضي ، نعم كل ما في الأمر أنه كان معجباً بجمالها ، أما هي فلم تكن تلقى له بالاً ، ولكن كيف حدث هذا ؛ أنا نفسي لا أدري ؛ ارتقيا سيارة الأجرة حتى وصلا إلى منزله ولم ترفض الدخول إليه ، ولم يكن هو يتوقع منها رفضاً ، فالأمور تسير بسرعة جنونية ، والعاطفة الجياشة والفجائية لا تدع مجالاً للتردد أو التفكير ، وهكذا باتت ليلتها في منزله وهي تغط في نوم عميق بينما ظل هو يكنس الأرض ويطبخ إلى أن استيقظت في صباح اليوم التالي ، وبنشاط هرعا إلى الشرفة وأخذا يتحدثان ؛ شكت إليه مرارة اغترابها وشكا إليها مرارة عدم اغترابه ، فزادهما ذلك تقارباً ؛ ولا تسألوني كيف ؛ فالمهم أنها ألقت برأسها إلى صدره قبل أن يعيشا في عالم الهمسات التي لا يعرفها إلا العشاق ثم قال : هيام هل حصلتِ على الباسبورت الكندي ؟

هزت هيام رأسها نفياً وقالت : لا

انتفض قلبه حين قالت ذلك ، لكنها أضافت :لا فأنا لم أعش في كندا سوى سنة واحدة أما باقي السنوات فكنت أعيشها بأمريكا وهذا ما مكنني من الحصول على الباسبورت الأمريكي

استنشق هواء الشرفة كله حينما قالت ذلك ، وابتسم قائلاً:الحمد لله .. إذاً سنتزوج ونطلب لم الشمل من السفارة الأمريكية ..

همست : نعم حبيبي ..

وجه بصره نحوي بابتسامة ساخرة وهو يهمس لي مغطياً فمه براحة يده :

- أرجوك .. أكمل قصتك على هذا النهج .. لا أريد مفاجآت ..


ـــــــــــــــــــ
الكردفاني
مصر/ المنيب/ جنوب الجيزة/ 2002

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى