محمد حسين هيكل - بطالة المتعلمين.. ورأينا في علاجها

لا شيء يعني به شباب مصر في هذه السنين عنايته بالشئون الاقتصادية. وما يزال مشروع القرش ماثلا في أذهان الناس، وما يزال شبان القرش مستعدين للهجوم إذا آن موعده في أول كل عام جديد. وها نحن نكتب هذه الكلمة لعيد الوطن الاقتصادي وأنت حيثما ذهبت لم تكد تسمع شيئا إلا في الاقتصاد والمشروعات الاقتصادية وما إليها، فما عسى يكون السبب في هذا؟ السبب فيما يخيل إلينا هو هذا الذي يسمونه عطلة المتعلمين، فالمدارس فيما يزعمون تخرج عددا أكبر بكثير مما تحتاج إليه وظائف الدولة، ومما تحتاج إليه الأعمال الحرة المعروفة إلى اليوم، فلابد من خلق أعمال حرة جديدة ليقتحم هذا الشباب المتعلم ميادينها ولتبرأ البلاد بذلك من مرض العطلة. وقد يكون هذا صحيحا ولكن هل ينجح مثل هذا العلاج فيوجد عملا لمن تخرجهم المدارس العليا والكليات والمدارس الفنية والخصوصية في كل عام ممن لا يجدون عملا في الحكومة أو في الوظائف الحرة المعروفة؟ وهل ينجح في إيجاد عمل للألوف الذين يحصلون على شهادة الدراسة الثانوية ولا يستطيعون إتمام دراساتهم العالية والفنية؟ نشك في هذا كثيرا. وعلة الشك أن هؤلاء المتعلمين يريدون عملا من طراز معين. يريدون عملا على مكتب من المكاتب ويأنفون العمل اليدوي. وهذا عمل على مكتب لا يتيسر للألوف وعشرات الألوف ممن يتخرجون، فلا طاقة لمشروعات الشباب بمواجهة رغباتهم وبإيجاد أسباب الكسب لهم. وعلاج هذه الحال في رأينا إنما يكون بفتح أبواب التعليم على مصاريعها جميعاً، للناس جميعا وجعل التعليم في متناول الكل، ينهل منه من شاء في حدود طاقته، يوم يصبح الكل متعلمين، ولا تكون طائفة المتعلمين محصورة لا يأنف الإنسان أن يباشر عملا يدوياً أو غير يدوي، ويومئذ يصبح كل عمل شريفاً، ويومئذ يمسك المتعلم بالفأس والمحراث، ولا يرى في ذلك ما يحط من شأنه، ويشتغل المتعلم في الصناعات المختلفة، في صناعة الجلود والأحذية، في النجارة والحدادة، في فلاحة البساتين، في التجارة بمختلف أنواعها، ولا يكون واحد من هذه الأعمال أقل رفعة ومكانة وتشريفا لصاحبه من العمل على مكتب، ولا من منصب الوزارة أو أي منصب حكومي آخر. هذا في رأينا هو الحل العملي المنتج، فعلة بطالة المتعلمين وعطلهم: أنهم يرون أنفسهم طائفة خاصة ممتازة، يجب أن يكون لها عمل خاص ممتاز، فإذا لم يجد أفرادها هذا العمل فضلوا البطالة ولو تكففوا الناس بعد ذلك، فإذا زالت عنهم صفة الطائفة، بأن أصبح الناس جميعا متعلمين وجب على هؤلاء المتعلمين أن يزاولوا كل الأعمال فأصبح بذلك كل عمل شريفا كما قدمنا، وانفسح الميدان لكل من يريد أن يقتحمه. لا يقلل هذا من تقديرنا لمجهود الشبان في الوقت الحاضر. ولكنا نعتقده غير قادر على علاج المشكلة التي دفعت إلى هذا النشاط إلا بمقدار، وبهذا المقدار يستحق الشباب الحمد والشكر.

للدكتور محمد حسين هيكل بك



مجلة الرسالة/العدد 21
مجلة الرسالة - العدد 21

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى