أنيس منصور - أدب الأظافر الطويلة قدري: أن أحيا بالدموع!

لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي كتبت فيها عن غادة السمان، التي كانت زميلة صحافية، ولا أذكر أنني رأيتها، وإن كنت قد تلقيت منها خطابات صغيرة في ذلك الوقت، ولكنها بهرتني وكنا ـ نحن المصريين ـ مبهورين بالسوريين الذين يتذوقون الشعر، وكنا نضحك ونقول، إن الوزير السوري، أي وزير، عندما يأخذك على جانب من الغرفة، فأنت تظن لأول مرة أنه سوف يخصك بخبر مهم، وتكون المفاجأة: أنه يريد أن يلقي عليك أبياتاً من الشعر!

وعندما غنت نجاة قصيدة (أيظن) تعجبنا لهذا الكلام، وكنا نقول إن نزار قباني هو شاعر (أيظن)، مع أن له قصائد أخرى أكثر وأجمل، فنحن لا ننشغل بالشعر كثيراً، وبرغم قصائد أم كلثوم وعبد الوهاب، فإننا لا نميل كثيراً إلى الشعر، وكنت مبهوراً بعبارات غادة السمان وجرأتها أيضاً.

ولكن عندما قرأت رواية (أنا أحيا) لليلى بعلبكي تمنيت أن تكون أقصر، أما الذي هزني وأدهشني وأزعجني فهذه العبارات النابية والكلمات البذيئة على لسان البطلة، وهي تشتم أباها وأمها، ورأينا في ذلك الوقت أن هذا خروج وأن الخروج هو بداية الحرية، وأن الحرية لها أنياب وأظافر، وأن فلسفة المرأة الجديدة هي المخالب والأنياب تمزق بها ملابس الرجل وظلمه وخداعه، وهذا هو الجديد!

كانت ليلى بعلبكي، من دون حياء، تبصق في وجه والدها، أي في وجه المجتمع وكل ما هو كبير، فهذه ثورة النساء على الرجال، وقبل ذلك كنا نرى أن البطلة نورا في مسرحية (بيت الدمى) للأديب النرويجي ابسن، غضبت من زوجها وثارت عليه وأغلقت الباب في وجه الزوج وفي وجه القرن التاسع عشر كله، أما ليلى بعلبكي فقد بصقت على القرن العشرين، وهي لم تسمع التصفيق الحار لها في كل مكان، ولم تكن لليلى بعلبكي رسالة أبعد من ذلك، فقد جاءت روايتها الأولى خلاصة ما لديها، فقالت كلمتها واختفت زوجة في أحضان رجل إنجليزي!

وجاءت الشاعرة المصرية اليهودية جويس منصور لتذهب في ديوانها إلى أبشع من ذلك كثيراً، فقد أقامت للجنس والعشق تمثالاً، ولم تكتف بأن نركع ونسجد أمامه وحوله، وإنما دعت الناس جميعاً إلى ذلك، إنها فتاة غنية عاشت شيوعية وماتت فوضوية، هي حرة، وهذه الحرية تساوي كل ما ارتكبت من حماقات!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى