هالة البدري: أدب الاعتراف ليس مترسخاً في الكتابة العربية - حوار

هالة البدري، روائية وقاصة مصرية تنتمي إلى جيل السبعينات، وتدور كتاباتها حول الهم الإنساني بشكل عام، وهي ترتكز على التأمل، ومن أعمالها الروائية السباحة في قمقم، منتهى، ليس الآن، امرأة ما، مطر على بغداد، ومن مجموعاتها القصصية رقصة الشمس والغيم، أجنحة الحصان، قصر النملة، وحصلت البدري أخيراً على جائزة التفوق في الآداب .

حصلت أخيراً على جائزة الدولة للتفوق في الآداب ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟

- لقد هزتني مشاعر الفرحة عقب معرفتي بحصولي على الجائزة، وشعرت بأن الذي أنجزته في مشروعي الإبداعي قد وصل إلى الناس، وكان هذا له أكبر الأثر في نفسي .

لمن تهدين الجائزة؟

- القيمة المعنوية للجائزة أهديها لكل الشهداء المصريين بداية من حرب ،1956 وصولاً إلى شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير .

الملاحظ حضور الشهداء باستمرار في كتاباتك لماذا؟

- هذا صحيح، كل رواياتي فيها ذكر لأسماء شهداء حقيقيين لأنهم حالة وجع مستمرة في وجدان المصريين، واعتبرها محاولة للاحتفاظ بوجودهم وذكراهم، لأن لدي هاجساً أن هناك محاولات لطمس وجودهم وتضحياتهم في حياتنا، هذه التضحيات التي دفعت ثمنا للحرية .

مطر على بغداد هو عنوان روايتك الأخيرة . . لماذا اخترت بغداد فضاء لروايتك؟

- الرواية تدور أحداثها في العراق من 1975 إلى ،1980 أثناء إقامتي في بغداد، حيث كنت أعمل مراسلة صحافية لمجلة روزاليوسف، وأعد هذه الفترة مؤثرة في مسار الأحداث التي وقعت بعد ذلك، وهي فترة مهمة في التاريخ المعاصر ليس تاريخ العراق فقط، ولكن للمنطقة العربية بالكامل، التي شهدت تحولات خطرة، وكان من المفيد أن أنقل هذه التجربة في عمل فني .

هناك حالة من الحنين والشجن في الرواية عكس رؤية كتّاب آخرين انتقدوا هذه الفترة مثل الكاتبة صافي ناز كاظم؟

- ليس لي علاقة برؤية الآخرين، وروايتي ناقشت موقف المثقفين الموجودين على الساحة العراقية خلال فترة حكم الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، والرؤية التي طرحها حزب البعث في هذا الوقت حول دور الديموقراطية في ظل وجود جبهة مكونة من خمسة أحزاب، وقد ناقش أبطال الرواية مدى صدق هذه الحالة وصدمتهم بعد تنامي الديكتاتورية وتوحشها، ثم الانقسامات التي وقعت بين بعض الأحزاب بعد موجات من القهر الذي تعرضت له، كما قدمت صورة للإنسان المتنوع في العراق بكل تجلياته .

هل اعتمدت على التوثيق والتاريخ، أم اعتمدت على ما اختزلته الذاكرة، وما ترسب في الوجدان؟

- اعتمدت على ذاكرتي حينما منحت لإحدى بطلات الرواية تجربتي الصحافية وليس الإنسانية، ثم وثقتها لأنني كتبت الرواية بعد مرور ثلاثين عاما على أحداثها، فكان لا بد من التوثيق وما شككت في صدقه، تعاملت معه باعتباره قابلا للنفي .

الرواية مملوءة بالتفاصيل عن الأماكن في الجنوب العربي وساحات الأهوار وشمال كردستان والشخوص المفعمة بالجمال الإنساني . . ألا يؤثر ذلك في تماسك العمل الأدبي؟

- حرصت على عدم الوقوع في هذا الفخ من خلال ثلاث طرقات كل طرقة لها عنوان وتاريخ وموضوع مختلف، وكل طرقة مكونة من مشهد ومتن، وبهذه الطريقة تخلصت من الزمن تماما، وأصبح لدى في كل فصل أربعة أزمنة وتنوع مطلق، وربما لا أستطيع إيصال الخيط بين زمن وزمن، وابتكرت شكلا جديدا لتركيب الرواية، وقد أتاحت لي هذه التقنية القفز بين أماكن وشخصيات وأزمنة مختلفة، حيث تبرز الرواية التنوع الجغرافي والبشري ما بين عرب وأكراد وتركمان، والتنوع الديني ما بين سني وشيعي . والسريان والكلدان والفصائل المتطرفة، وحاولت تسليط الضوء على حقيقة مفادها أن الحضارات التي تعاقبت على أرض العراق أنتجت إنسانا مختلفا في ثقافته وتكوينه ومساهمته في صنع الأحداث، والكاتب الحقيقي تواجهه مشكلة كتابة رواية بكل هذا الزخم والتنوع .

أصبحت السيرة الذاتية مصدرا أساسيا لمعظم التجارب الروائية الجديدة، كيف تقيمين هذا التيار في ضوء تجربتك؟

- السيرة الذاتية تحتاج إلى شجاعة، وأدب الاعتراف ليس مترسخا في الكتابة العربية، لأننا لم نترب على هذا التراث باستثناء بعض النماذج أمثال لويس عوض ولطيفة الزيات، التي ذكرت محطات في سيرتها الذاتية أكثر منها سيرة كاملة، وأنا أحب هذا النوع من الكتابة إذا كان صادقاً، لكنني لا أؤمن بأنه سيرة حقيقية لأنك مادمت اخترت وانتقيت من السيرة، فسينتفي الجانب الحقيقي منها بعد إدخال عنصر الخيال على الأحداث، والخيال انتقاء . وعندما يوظف الخيال بشكل جيد يثري العمل لأنك تقدم تجارب إنسانية عميقة وصادقة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى