مليكة مستظرف - الهذيــــان.. قصة قصيرة

قبلني فوق شفتي المتشققتين وقال:
قبلة أبوية ... انت مثل ابنتي.
مررت بلساني على شفتي, شيء لزج يسيل منهما ...دم ..لعاب؟ لاأعرف.
نور قوي مسلط على عيني...أحاول أن أفتحهما...لاأستطيع. رأسي مثقلة...أحاول ثانية...أعاود اغلاقهما...أين أنا بالضبط؟
الرجل قال لي بعد أن قضم شفتي:
قبلة أبوية ...أنت مثل ابنتي.
لكن أبي لا يقبلني في فمي...بل لم يقبلني أبدا, ربما فعل ذلك عندما كنت رضيعة.هل أبي يقبل أمي؟ أغمض عيني, أضغط عليهما بقوة, أتخيله...جلابية رمادية...بلغة صفراء معفرة بالتراب, وعمامة ضخمة كصحن هوائي...أمي تقف قبالته.أحاول أن أتخيلها نحيفة ترتدي قفطانا قرمزيا ومنديلا صغيرا تطل منه خصلات شعرها الأسود, تتخلله شعيرات بيضاء. كانت والدتي عندما تغضب تصرخ فينا"شيبتوني قبل الوقت".
ينحني والدي بقامته الفارعة, يضع يديه حول خصر أمي...و تختفي الصورة, كما تختفي الصور من تلفازنا القديم.يتجمع غضب والدي في قبضة يده ويلكم الجهاز فتعود الصورة...يضحك بانتصار"العصا لمن عصى".
أين أنا؟هل أنا هناك؟ و من يكون هذا الذي قضم شفتي و ندما ضبطته قال :قبلة أبوية.
مررت بلساني على شفتي,علق به مذاق كالبلاستيك المحروق.
صلاح عندما يقبلني, أتمنى أن يفعل ذلك الى ما لانهاية.كنت أحب طعم قبلاته..مذاق السجائر والخمرة الرديئة. عندما أقلع عن التدخين والشرب, لم أعد أستسيغ قبلاته, أشمه ,أبحث عن تلك الرائحة التي أدمنتها و لاأجدها... تنزوي الرغبة بعيدا, أنفلت من بين يديه يغضب و يصرخ في وجهي:
- لقد تغيرت. هل تحبين شخصا غيري؟
-هل لديك سيجارة و خمرة رديئة؟
بهت:
-هل أصبحت تد...خنين؟
-لا بل أنت...ستدخن كل يوم قبل موعد الحب...وستمضمض بهذه الخمرة ...لقد أدمنت هذه الرائحة..
ضحك حتى دمعت عيناه:
- صدري أصبح كقفص يسكنه طائر الجاوش... انك تقودينني رأسا الى مستشفى الأمراض السرطانية..
أين أنا؟ هل يمكن أن أكون هناك؟
هل سيأتي من يسألني من هو ربك؟ ما هو دينك؟ من هو نبيك؟
من يملك الاجابة السحرية سيقضي بقية حياته/مماته في...
أحد البرامج التي تبثها احدى القنوات اليتيمة تقول اذا كنت تملك الاجابة على أسئلتنا... اتصل الان وقد يحالفك الحظ وتفوز بسفر الى...
أين أنا؟
مسجاة على ظهري...احدى يدي بها ابر كثيرة, لا أستطيع الحركة, رأسي تؤلمني, أنجح في تحريك يدي اليمنى, لا انها اليسرى...أتحسس جسمي تحت الغطاء ,هل هو الكفن؟
ألمس نهدي, أجفل...تبدو كفلفلة مقلية مرتخية بشكل مقزز.عندما مر شهر على لقائي بصلاح, شهر أو اسبوع...ربما هي ساعات فقط, قال لي:
-أريد أن ألمس نهديك.
فاجأني بطلبه.
-أحس أن نهديك غير حقيقيين...انهما منتفختان بشكل غريب, هل هما نهداك أم ان السوتيان محشو بقطعة اسفنج؟ هل يمكنني ان ألمسهما؟
ضحكت يومها و تمنعت قليلا و قلت له:
-اليوم تريد ان تتاكد من نهدي...غدا من فخذي..وماذا بعد؟لن ننتهي أبدا.
أحب جسده الذي يشبه قطعة خشب متفحم,ألتصق به أكثر, أذوب في حرارة شفتيه, يكسر ضلوعي بذراعيه...هل صحيح أن لديه ضلعة زائدة؟
عندما قلت لزوجي :أشتهيك.
قال:أنت عديمة التربية...ألا تخجلين؟
في الغد قا لي زوجي: أشتهيك.
قلت له :انت عديم التربية ...ألا تخجل؟
ضحك ببلادة وقال :هذا حقي000منحني اياه ديني و أجدادي.
عندما أرغمني على الحب ,استسلمت و أنا متخشبة.صرخ في وجهي :هل انا متزوج من صنم؟
عندما تأوهت بين ذراعيه و تلويت وتمتمت بكلمات ساخنة, صرخ في وجهي:من علمك هذا؟ من لمسك قبلي؟
صلاح لم يكن يهتم بطرح اسئلة بليدة,لم يكن يجيز أشياء و يحرم أخرى حسب مزاجه.
صرخت,صرخت, و صرخت...خرجت من المنزل وأنا أصرخ...كنت أجري في الطرقات و أنا أصرخ ...سمعت صرير عجلة..وجسمي يرتطم بعنف على الاسفلت,لم أعد أصرخ.
أين أنا؟
جاءت والدتي, وضعت يدها على رأسي , وأخذت تتمتم ببعض السور القرآنية.
-أين أنا؟
-أنت هنا في المستشفى.
-أمي, لقد قبلني, كانت عيناه بلون الكبد المريض, وعندما ضبطته قال أنت مثل ابنتي.كان يرتدي لباسا أبيض.ممرض؟ طبيب؟ أم جزار؟ هل نحن في محل جزارة يا أمي؟
- نامي يا ابنتي انك تهذين.


* المصدر:
مليكة مستظرف: الهذيـان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى