سلام إبراهيم - كم واحد؟.. من قصص الحرب

في ليالي المنفى الدنمركي.
أتأملُ أولادي الثلاثة وهم حوليّ في هذه البقعة الآمنة، وأحمدُ الله والكون والوجود على وصولي إليها قبل أعوامٍ ونجاحي في جلب أبني الكبير الذي تركناه أنا وأمه وهربنا إلى الثوار في الجبل.
أقضي وقتاً طويلاً معهم وخصوصاً قبل النوم، أقص عليهم قصصاً أخلقها من مخيلتي، ولما كبروا قليلا بدأتُ بقص تجاربَ مرّتْ بحياتي، في طفولتي البعيدة، ثم في شبابي، طبعاً أحاولُ تخفيف وقع عنف التجارب في البيئة العراقية لكنني في كل مرةٍ لا أفلح، فالعنف يوسم كل تفصيل وكل قصة وكل طرفة.
وتطور الأمر، إذ بدءوا يدركون أننا لاجئين، وأننا هربنا من الدكتاتور ولنا نشاط سياسي، وأني أصبت في الحرب وعدت عاجزاً عن العمل. وهنا بدأت القصص تنحى نحياً مختلفاً، وتتأثث التفاصيل من أسئلتهم الذكية، فحكيت لهم كيف كنت إنساناً مسالماً موظفاً في الدولة، وأمهم كذلك، وكيف كنا نعيش بأمان وصنعنا أخوهم الكبير، لكن الحرب قامت وأخذوني جنديا فيها. وهنا اشتعلت مخيلتهم المشحوذة بأفلام حرب الرسوم المتحركة، والحروب الحقيقية التي يشاهدونها معنا في نشرات الأخبار اليومية. فأسهبوا في الأسئلة عما كنت أفعله في الحرب، فحكيت لهم عن المدفع، والقذيفة والمعارك وكيف كنت لوحدي أحياناً أقوم بلقم المدفع وتعيين المسافة والرمي، وفي غمرة انفعالي أخبرتهم بأنني في ليلة ظللت وحدي أرمي حتى الفجر بعد أن سقط جنود الطاقم إعياء، وكنت أخاف من فرق الإعدام، مضاف إلى أنني كنت متسللاً من بين ثوار الجبل. فأبدى أبني الأصغر دهشته وسألني:
- بابا.. بابا.. حتى الفجر!.
- أي بابا.
اتسعت عيناه دهشاً وصمت قليلا، ثم سألني بصوتٍ منفعلٍ:
- بابا كم واحد قتلت؟!.
تَعَّطَلَ وجهي في الصمت الذي ثَقَل، ومثل أبلهٍ حدقتُ في وجهه الأسمر الحار المنتظر بلهفة، ثم نقلتُ نظري بين أبنائي الثلاثة وأنا في حيرةٍ مثل قاتلٍ أُمسِكَ متلبساً لكنهُ لا يود أن يعترف ولا يدري ماذا أقول؟!.
30-6-2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى