إدوارد وليم لين - 27 - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر.. للأستاذ عدلي طاهر نور

الفصل التاسع -

اللغة والأدب والعلوم

احتفظت القاهرة بشهرتها النسبية التي امتازت بها عدة قرون، أنها خير مدرسة للأدب العربي وعلم التوحيد والفقه الإسلامي. ولا جرم أن التعليم انحط كثيراً عند العرب عامة إلا أنه كان أقل انحطاطا في القاهرة. فشهرة علماء هذه المدينة لا تدانيها شهرة. ولا يزال مسجدها (الجامع الأزهر) يجذب إليه الطلاب من كافة أنحاء العالم الإسلامي.

ويلاحظ أن اللهجة العربية التي يتكلمها أهل القاهرة من الطبقتين الوسطى والعليا أدنى من لهجات بدو الجزيرة العربية وسكان المدن المجاورة مباشرة من حيث النطق وقواعد الصرف والنحو؛ إلا أنها تفضل اللهجات السورية كثيراً، واللهجات المغربية أكثر. وأهم الخصائص التي تلاحظ في نطق المصريين ما يأتي: ينطق القاهريون ومعظم المصريين حرف الجيم جامداً بينما يعطشه عرب الجزيرة وسورية وغيرهما. ولكن يجدر أن نلاحظ أن حرف الجيم ينطق جامداً في بعض جنوب جزيرة العرب وهو منشأ اللغة العربية كما يقال. وينطق حرف القاف همزة حيث يسود نطق الجيم الأول، غير أن المثقفين ينطقونه قافا على حقيقته. وتنطق الجيم معطشة أو قريبة من ذلك في بعض مناطق مصر، كما تنطق القاف جيما. وينطق المصريون جميعاً وكذلك اغلب الشعوب التي تتكلم العربية حرف الثاء تاءً والذال دالاً والظاء ضاداً أو زاياً أحياناً. ومن أهم خصائص اللهجة العربية المصرية من حيث التركيب إضافة حرف الشين للدلالة على النفي، مثل (ما يرضاش) بدلاً من (ما يرضى) و (ما هوش طيب) (ويقول العامة موش طيب) بدلاً من (ما هو طيب) ووضع اسم الإشارة بعد المشار إليه مثل (البيت ده)، وكثرة استعمال التصغير في الصفات بلا مسوغ مثل (صغير) بدلاً من صغير و (قريب) بدلاً من قريب

ولا يوجد فرق كبير بين اللهجة الدارجة والفصحى كما يفرض المستشرقون الأوربيون. ويمكن وصف اللهجة الدارجة أنها تبسيط للهجة القديمة بحذف حركات الكلام الأخيرة خاصة، وبوجه آخر إهمال التفرقة بين أنواع إعراب الاسم المختلفة وبعض أشخاص الأفعال. كما أنه لا يوجد فرق كبير بين اللهجات العربية في البلدان المختلفة كما يتصور بعض من لم يخالط أهل هذه البلاد. وتتشبه هذه اللهجات أكثر مما تتشابه لهجات بعض مناطق إنجلترا المختلفة. وتفيض اللغة العربية بكلماتها المترادفة، فتجد بعض الكلمات تستعمل في بلد ما وما يرادفها في بلد آخر. فيقول المصريون مثلاً (لبناً) بينما يقول السوريون (حليباً)، ويطلق السوريون (اللبن) على الصريب (اللبن الحامض). وكذلك الخبز يسميه المصريون (عيشاً) بينما يطلق عليه في البلدان العربية الأخرى خبزاً، إلى غير ذلك من الأمثلة العديدة من هذا النوع. ويلاحظ أن نطق المصريين ألطف وأعذب من نطق السوريين وأكثر البلدان التي تتكلم العربية

والأدب العربي غني شامل، وأهميته في كمية كتبه أكثر مما هي في كيفيتها. ويبلغ عدد الكتب التي تبحث في الدين والفقه الربع تقريباً، يتلو ذلك كتب النحو والصرف والمعاني والبيان والفروع المختلفة لعلم اللغة وتشغل كتب التاريخ (وعلى الأخص تاريخ الأمة العربية) والجغرافية المرتبة الثالثة، وأخيراً الشعر. أما المؤلفات الطبية والكيميائية والرياضية والجبرية وغيرها فقليلة جداً بالنسبة لغيرها

ويوجد في القاهرة عدة مكتبات كبرى، ويلحق أغلبها بالمساجد، ويتألف معظمها من كتب التوحيد والفقه ومعاجم اللغة؛ إلا أن هذه المكتبات مهملة إهمالاً يرثى له، وتفنى محتوياتها بسرعة والى حد بعيد لعدم أمانة القائمين بأمرها أو باستعمالها وإهمالهم. ويقتني بعض التجار الأثرياء وغيرهم مكتبات حسنة. ويبلغ عدد تجار الكتب في القاهرة - كما أخبرت - ثمانية فقط. إلا أن حوانيتهم غير مجهزة تجهيزاً حسناً. ويدور الكتبي كلما عثر على كتاب نفيس على حرفائه وهو يكاد يثق بالحصول على مشتر. وقلما تخاط أوراق الكتاب معا وإنما يدرج الكتاب عادة في غطاء مجلد، وكثيراً ما يكون له غلاف خارجي من الورق المقوى والجلد

وتتكون (الكراسة) من خمس ورقات مزدوجة كل منها في الأخرى، وترتب الأوراق ملازم صغيرة دون أن تخاط فيستطيع أكثر من قارئ استعمال الكتاب معاً، فيتناول كل كراساً، وتوضع الكتب مسطوحة الواحد فوق الاخر، ويكتب عنوان الكتاب على واجهة الغلاف الخارجي أو طرف الأوراق، وورق الكتب غليظ لامع، ويستورد غالباً من البندقية ويلمع في مصر. والحبر كثيف لزج، ويستعمل القلم للكتابة وهو أكثر ملاءمة للخط العربي. وعندما يكتب العربي يضع الورق فوق ركبته أو على راحته اليسرى، أو على (مسندة) تتكون من بعض أوراق قد يزيد عددها عن دستجة وتشد معاً عند الأطراف الأربعة فتكون كالكتاب الرقيق، ويجعل الكاتب الحبر والأقلام في (الدواية) المذكورة في الفصل الأول من هذا الكتاب، ويوضع معهما المقشط والمقطة: وهي آلة من العاج يوضع عليها القلم ليقط. ويسطر الكاتب الورق بالمسطرة: وهي قطعة من الورق المقوى يشد عليه بعرض الورق خيوط ملصقة بالغراء، فيجعل المسطرة تحت الورقة ويضغط على كل خيط بخفة، وتتضمن عدة الكاتب مقصاً لقطع الورق، إذ لا يليق أن يكون أطراف الورق ممزقة. ويعيش الكثيرون في القاهرة على نسخ المخطوطات ويبلغ اجر نسخ الكراسة وهي عشرون صفحة في كل صفحة خمسة وعشرون سطرا بالخط العادي، ثلاثة قروش، ويزيد المبلغ إذا حسن الخط ويتضاعف إذا شكل الكلام

ويتلقى الذين يعدون أنفسهم لوظيفة دينية أو علمية دروسهم في الأزهر، ويعلمون قبل ذلك القراءة والكتابة وتلاوة القرآن أحياناً. والأزهر - جامعة الشرق عامة - بنيان واسع الأرجاء، يحيط بفناء مربع فسيح. ويوجد على أحد جوانب الفناء من جهة القبلة مكان الصلاة الرئيسي: وهو رواق فسيح، وعلى كل جانب من الجوانب الثلاثة الأخرى أروقة صغيرة مقسمة إلى عدة أقسام يخصص الواحد منها للطلبة بلد معين أو مديرية خاصة من مديريات مصر. ويقع الأزهر في قلب القاهرة، وعمارته لا تستحق الاعتبار، وإحاطته بالمنازل تخفي خارجه إلا قليلاً. ويسمى من يتلقى العلم في الأزهر (مجاورا)، ولكل رواق مكتبة لاستعمال الطلبة، ويتعلم الطلبة من الدروس التي يلقيها المدرسون ومن محتويات الكتب الموجودة بمكاتب الأروقة ويتكون برنامج الدراسة من علم الصرف والنحو والمعاني والبيان والعروض والمنطق والتوحيد والتفسير والحديث والفقه والحساب في حدود المسائل الشرعية. وهناك دروس في الجبر والمقابلة والميقات. ويجلس الشيخ على الأرض عند اسفل عمود من الأعمدة، ويتحلق حوله الطلبة. ويقرأ طلبة المذاهب المختلفة كتباً مختلفة. وأغلب الطلبة قاهريون، وهم لذلك شافعيون، وشيخ الأزهر شافعي دائماً. ولا يدافع الطلبة للدراسة في الأزهر أجراً إذ أن أغلبهم فقراء. ويتناول أغلب الأجانب الذين لهم أروقة خاصة راتباً من الطعام يومياً يصرف لهم من إيراد العقارات الموقوفة عليهم. والعادة أن يتناول طلبة القاهرة وما جاورها مثل هذا الرتب إلا انهم لا يتمتعون بذلك طويلاً، خلا شهر رمضان، لأن (محمد علي) استولى على جميع الأراضي الزراعية الموقوفة على المساجد ففقد الأزهر أكبر جزء مما وقف عليه. ولا تنفق الحكومة شيئا غير مصاريف الصيانة اللازمة وأجور المستخدمين الرئيسيين. ولا يتناول المدرسون أجراً. وليس لهم وسيلة منظمة لكسب معيشتهم غير التدريس في المنازل ونسخ الكتب الخ. . . إلا إذا ورثوا ملكاً أو كان لهم أقارب يعولونهم. وقد يتناول المدرس هدية من الأغنياء. ويستطيع أي طالب كفء أن يصبح مدرساً بإجازة شيخ الجامع. ويتبع الطلبة غالباً طريقة المدرسين لكسب معاشهم، أو يتلون القرآن في المنازل أو على القبور أو في مكان آخر. وعندما يتقدم الطلبة في دروسهم التقدم الكافي يدخل بعضهم في القضاء أو الإفتاء أو إمامة المساجد أو التدريس في قراهم أو مدنهم أو في القاهرة. ويحترف البعض الآخر التجارة، وقد يستمر بعضهم طول حياته يتلقى العلم مبتغياً الوصول إلى صاف كبار العلماء. وقد نقص عدد هؤلاء الطلبة الذين لا رواق لهم كثيراً منذ الاستيلاء على الأراضي الموقوفة على الأزهر. ويبلغ عدد طلبة الأزهر ما خلا العميان حوالي ألف وخمسمائة كما اخبرني أحد المدرسين.

(يتبع)

عدلي طاهر نور

مجلة الرسالة - العدد 454
بتاريخ: 16 - 03 - 1942

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى