مبارك وساط - عليّ أن أطمئنّ.. شعر

ذهبتُ إلى المستشفى لرؤية عامر، صديقي الطّبيب.
وهُنالك عرضوا عليّ ميّتا وجهُه كوكبٌ صغير.
قالوا إنّها جُثّة خالي. كيف لي أنْ أعرف أنّهُم لا يكذبون؟ سأعودُ إلى زوجته!
إنّها عالمة معروفة. لقد اكتشفتْ طريقة لجعل الأشجار تشهق تحت المطر!
سألتُها إن سبق لوجه زوجها أن كان في هيئة كوكب صغير. لكنّها لم تجبْ، فقد كانتْ تُدرِّبُ خيطا على الاقتراب تلقائيا من إبرة أوقفتْها على أنفِها، ذلك أنّها كانتْ تتهيّأ، أيضا، لإنشاء سيرك.
عدتُ إليها بعد سنة فقالتْ: خالُك مدفون منذ أعوام طوال، وعلى خريطة مقبرة الرّحمة هاته، وضعتُ علامة حمراء على قبره.
- لكن، إذا كان ميتا منذ أعوام، فلِمَ لم تُخبريني بذلك قبل الآن؟
- لقدْ كنتَ دائما إما في بار أو تتنقّل من طابور إلى طابور جديد لتقف أمام السّينما أو قبالة حانوت بائع الحلزون أو بائع الملابس القديمة... فلم أجد مناسبة لإخبارك بالأمر.
في الواقع، بدا لي كلامُها منطقيا.
وعلى أي حال، فحين يموتُ شخصٌ ما، أيكون ثمّة فرق حقيقي بين أن يُدفن أو يصبح وجهه في هيئة كوكب صغير؟
بقيت مسألة بسيطة، سأسأل عنها جاري النّحيف: كيفَ ستستطيع الملائكة، في الآخرة، أن تتعرّف على شخصٍ وجهُهُ في هيئة كوكب صغير لتأخذه إلى الجنّة.
مسألة الوجوه هاته مُحيّرة. فجاري النّحيف، وهو نحويّ، وفقيه، وعالم بخبايا كرة القدم... كان أيضا مُساعِدَ حفّار قبور. وذات ليلة، هاجمتْهُ خلالها مومياءُ زوجته التي يحتفظ بها أسفل السّرير، ماذا فعل؟
نبشَ قبرا وأخرج منه وجْها. تفرّسَ فيه طويلا، فماذا رأى؟
الوجْهَ الذي كانَ له هو أيّامَ مراهقتِـه.
وقتها، سارعَ إلى دفن المومياء، وآلى على نفسِه ألا يقترب، بعدُ - حيّاً- من مقبرة...
يا لي من أهبل! لِمَ أُتْعِبُ نفسي بالتّفكير في مثل هذه الأمور، أنا الذي استيقظتُ يوما وقد تكاثف جسمي كلّه في كريّة أعصاب، فبقيتُ مجهولَ الهُويَّة (جزئيا فحسب، لأنّي كنتُ، رغم كلّ شيء، أعرف أنّ تلك الكريّة هي أنا).
وخرج أفراد الأسرة للبحث عنّي في البارات والطّوابيـر. وبعد أن يئسوا، وفيما هم يُفكّرون في إعلان الحِداد، كنتُ أستعيد، رويدا، حجمَ إنسان عصري. ورغم أني عدتُ إليهم في هيئة تقريبية (أي أنّها تُذكّر من بعيد بما كنتُ عليه في السّابق)، فقد قبلوني وسُرّوا...
حقّا، ليس التّعرّف على إنسان بالمُعضلة الكبيرة. عليّ أن أطمئنّ.
أمامي شجرة، عَلِقَتْ بجذعها أرتال من الحلازين، وخلفها طابور. سأنضمّ إلى المُصطفّين. هذا هو قراري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى