أيمن مصطفى الأسمر - الداعية

يظن الكثير من عامة الناس ـ بل وبعض خاصتهم ـ أن الدعوة إلى الله هي أمر يسير لا يتطلب جهدا شديدا ولا يسبب لصاحبه مشقة عظيمة، ويعتقدون أن الاستعانة ببعض آيات من القرآن الكريم كاف وحده كي يتمكن صاحب الدعوة من تبليغ رسالته، وقد يحتاط بعضهم فيضيف إلى ذلك حديثا أو أكثر من أحاديث الرسول الخاتم، ويظن هؤلاء أن ذلك كفيل بقضاء المهمة على أكمل وجه، وقد يبدو هذا الأمر صحيحا بصورة مبدئية، فليس هناك أعظم نفعا ولا أوضح بيانا من كتاب الله وسنة رسوله، وهما بالفعل كفيلان بالإجابة عن كل ما يعن للسائلين من مسائل سواء تعلقت المسألة بأمر من أمور الدنيا أو الدين، لكن هؤلاء جميعا يجهلون أصول الدعوة إلى الله ويغفلون عن أشياء أخرى لا تقل أهمية حتى وإن بدت أقل شأنا من كتاب الله وسنة رسوله، فسرد قصص الرسل والأنبياء والصالحين، وضرب الأمثلة، واستخلاص العبر والعظات، والترغيب والترهيب، والاستعانة بالشعر والأدب وعلوم العصر الحديثة، والتطرق إلى أمور السياسة والاقتصاد والمعيشة، لهي من الوسائل المعاونة ذات القيمة العظيمة في استكمال طرق الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته، وعلى الداعية أن يكون حاضر الذهن سريع البديهة، لماحا فطنا، بشوشا دون تزيد، مهابا دون تزمت، كما أنه يجب بالضرورة أن يكون مدركا لهموم الناس ومشاكلهم، مشاركا لهم في أفراحهم وأتراحهم، ولأنني رأيت بعينيَّ ما يعنيه غالبية الناس من عوز وفاقة ومظالم متنوعة يلاقونها خلال حياتهم اليومية، وخبرت بنفسي افتقادهم للعدل بمفهوم الشامل والواسع، ولأن غياب العدل يؤدى إلى انهيار الأمم وانحدار الأخلاق، فقد علمت أن سخط الناس على حكامهم سيتزايد لا محالة، وأنه سيصل يوما ما إلى حد الانفجار .. وقد كان، وقد بدا للبعض أن غضب الناس واجترائهم على حكامهم أمرا غريبا، إلا أن الثورة على الظلم سنة من سنن الله في كونه، وما دعوات الرسل والأنبياء إلا ثورات ضد الظلم والتمييز والجهل، لكنها ثورات مؤيدة بمدد إلهي ينصرها ولو بعد حين، كنت أتوقع الثورة إذن وأنتظرها لكنني كنت أخشاها، فثورة الجهلاء قد تكون أحيانا وبالا على أصحابها، ومن ارتضى المهانة والذلة والفرقة لعقود متتابعة يصيبه من أمراض العقل والنفس ما لا يمكن علاجه في يوم وليلة، بل أن هذه الأمراض قد تعدت عامة الناس إلى خاصتهم، فتشاركوا جميعا في استفحال الأمور واضطرابها، وكان أكثر ما يؤلمني أن أسمع وأرى بعض من ينتسبون إلى الدين والدين منهم براء، أفتوا بغير علم أو سوء فهم أو خبث قصد، فضلوا وأضلوا، خلطوا الحق بالباطل، فأساءوا أكثر مما أحسنوا، تحدثت ألسنتهم بما لا يليق، وشاركت أيديهم فيما لا يجوز، هيجوا الجهلاء باسم الدين وهم يبغون الدنيا، فلعل الله أن يعيدهم بفضله ورحمته إلى طريقه القويم، كما أثار اندهاشي من يقفون من الدين موقفا رافضا أو سلبيا بشكل مطلق، فهم يريدون أن يقصوا الدين تماما عن المجتمع، ولا يدرك هؤلاء أن الدين في جوهره الحقيقي هو قوة إيجابية جبارة تدفع المؤمنين إلى نبذ الظلم ومحاربة الفساد، وهو قادر على أن يمدهم بطاقة روحية هائلة تساعدهم على تحمل المكاره واجتياز الصعاب، وبين هؤلاء وأولئك أغلبية جاهلة لا تدري من أمر دينها أو دنياها شيئا وصدق الرسول الكريم إذ قال عنهم: غثاء كغثاء السيل، ورغم خشيتي وتوجسي من هذه الأعراض والظواهر السلبية فقد فرحت بهبة الناس وانتفاضتهم، فإن مع العسر يسرا، فخرجوا وخرجت كغيري معهم، وعشت لأيام مشاهدا أعادتني لسير الأنبياء والمرسلين، رأيت خلاها المسلم والقبطي، الرجل والمرأة، الشيخ الكبير والطفل الصغير، رأيتهم جميعا كبنيان مرصوص يشد بعضهم من أزر بعض ويصرخون بغضب في وجه الظلم والظالمين، وإذا كانت الأدران التي نخرت في جسد المجتمع وروحه قد أدت إلى فشل جزئي للثورة، ألا أن صحوة الناس وهبتهم ليست إلا بداية لمشوار طويل لا يفلح فيه إلا الصابرون المتمسكون بحبل الله المتين والسائرون على صراطه المستقيم، وقد ظل الرسول الكريم يعالج أمراض قومه ومجتمعه وأصحابه لسنوات عديدة قبل أن يؤسس أركان الدولة، وأكمل أصحابه من بعده مهمته، فنجح منهم من نجح وأخفق من أخفق وكلهم مأجورون فلهم شرف الاجتهاد والمحاولة، ولأنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فقد ألزمت نفسي أن لا أحملها فوق طاقتها، وأن أجعل مقصدي الدعوة إلى إعمال العقل وتربية الناس وتأديبهم على منهج الله القويم، فإذا حسنت أخلاق الناس وتفتحت عقولهم واتبعوا ما أنزل الله وسنه رسوله من قيم ومبادئ تهدف لمصلحة البشر وخيرهم، ارتقى وعيهم، واستقرت أحوالهم، وحسنت معيشتهم، وقام فيهم العدل، وبالعدل تحيا الأمم والشعوب.

نوفمبر 2012
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى