الجنس في الثقافة العربية الجاحظ - قصص تتعلق بالكلاب..

وزعم اليقطريُّ أنّهُ أبصرَ رجلاً يكُومُ كلبةً من كِلاب الرعاء، ومرَّ بذلك الزُّبِّ العظيمِ في ثفرها - والثَّفرُ منها ومن السبع، كالحِرِ من المرأة والظَّبْية من الأتان والحِجر، والحياء من الناقة والشاة - فزعم أنّها لم تعقِد عليه، ولا ندري أمكّنته أم اغتصبَها نفسَها.
وأمّا النَّاس ففي مُلح أحاديثهم: أَنّ رجلاً أشرفَ على رجل وقد ناك كلبةً فعقَدت عليه، فبقي أسيراً مستخْزِياً يدور معها حيث دارت، قال: فصاح به الرجل: اضربْ جَنبَيها، فأطلقته، فرفَعَ رأسه إليه، فقال: أَخزاه اللّه أيُّ نيَّاكِ كلْباتٍ هو.
وخبّرني من لا أردُّ خبره، أنّه أشرفَ من سطحٍ له قصير الحائط، فإذا هو بسَوادٍ في ظلِّ القمر في أصل حائط، وإذا أنينُ كلبة، فرأى رأسَ إنسان يدخل في القمر، ثم يرجع إلى موضعه من ظِلّ القمر، فتأمَّل في ذلك فإِذا هو بحارس ينيك كلبة، قال: فرجمتُه وأعلمته أنِّي قد رأيتُه، فصبَّحني من الغد يقرَع الباب عليّ، فقلت له: ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ فلقد ظننتُ أنّك ستركب البحر أو تمضي على وجهك إلى البراري، قال: جُعِلتُ فِداك، أسألك أن تستُر عليّ، ستَرَ اللّه عليك، وأنا أتوب على يديك قال: قلت ويلَك، فما اشتهيتَ مِن كلبة؟ قال: جُعلت فداك، كلُّ رجلٍ حارسٍ ليس له زوجةٌ ولا نجل، فهو ينيك إناثَ الكلاب إذْ كنَّ عِظامَ الأجسام، قال: فقلت: فما يخاف أن تعضَّه؟ قال: لو رَامَ ذلك منها غيرُ الحارس التي هي له وقد باتتْ معه فأدخلها في كِسائه في ليالي البرد والمطر، لما تركته، وعلى أنَّه إن أراد أن يوعبه كلَّه لم تستقرّ له، قال: ونسيتُ أنْ أسألَه: فهل تعقِد على أُيور النّاسِ كما تعقِد على أيور الكلاب؟ فلقيته بعدَ ثلاثين سنة، فقال: لا أدري لعلَّها لا تعقد عليه، لأنَّهُ لا يُدْخِلُهُ فيها إلى أصله، لعلّ ذلك أيضاً إنَّما هو شيءٌ يحدث بين الكلب والكلبة، فإِذا اختلفا لم يقع الالتحام، قال:فقلتُ: فَطَيِّبٌ هو؟ قال: قد نكْت عامَّة إنَاث الحيوانات فوجدتُهُنَّ كلَّهنَّ أطيَبَ من النساء، قلتُ: وكيف ذلك؟ قال: ما ذاك إلاّ لشدَّة الحرارة، قال: فطال الحديث حتى أَنِس فقلتُ له: فإذا دار الماء في صُلْبك وقرُبَ الفراغ؟ قال: فربَّما التزمتُ الكلبةَ وأهوَيت إلى تقبيلها، ثم قال: أمَا إنَّ الكلابَ أطيبُ شيءٍ أفواهاً، وأعذَبُ شيءٍ رِيقاً؛ ولكن لا يمكن أنْ أنيكها من قُدَّامٍ، ولو ذهبتُ أن أنيكها من خلف وثَنيتُ رأسَها إلى أنْ أقبِّلها، لم آمَنْ أنْ تظنَّ بي أني أريدُ غيرَ ذلك فتُكدِّم فمي ووجهي، قال فقلت: فإنِّي أسألُك بالذي يستُرُ عليك، هل نَزَعت عن هذا العمل مُنْذُ أعطيتَني صفقةَ يدِك بالتَّوبة؟ قال: ربَّما حنَنتُ إلى ذلك فَأَحتبسُ بعهدك.
قال: وقلتُ: وإنَّك لتحنُّ إليها؟ قال: واللّه إني لأَحِنُّ إليها، ولقد تَزَوَّجتُ بعدَك امرأتين، ولي منهما رجالٌ ونساء، ومن تعوّد شيئاً لم يكد يصبِرُ عنه قال: فقلت له: هل تَعرف اليومَ في الحُرّاس مَن ينيك الكلبات؟ قال: نعم، خذ محموَيه الأحمر، وخذ يشجب الحارس، وخذ قفا الشاة، وخذ فارساً الحَمّاميّ فإنّ فارساً كان حارساً وكان قيِّم حَمّام، وكان حَلَقيّاً، فزعم أنّه ناكَ الكلابَ خمسين سنة، وشاخ وهُزِلَ وقبُح وتشنَّج، حتّى كان لا يُنيكه أحد، قال: فلم يزَلْ يحتالُ لكلب عندَه حتى ناكه، قال: وكان معه بخير حتَّى قتله اللصوص، ثمَّ أشرفَ على فارِسٍ، هذا المحتسِبُ الأحدبُ، وهو ينيك كلبةً فرماه بحجر فدمَغَه، قال: فالكلاب كما ترى تُتَّهم بالنساءِ، وينيكها الرجال، وتنيك الرجال، وليس شيءٌ أحقّ بالنفي والإغراب والإطراد وبالقتل منها، ونحن من السباع العادِيَة الوحشيَّة في راحة، إلاّ في الفَرْط فإنّ لها عُراماً على بعض الماشية، وجنايةً على شرار العامَّة وكذلك البهائم، وما عسى أن يبلغ من وطْءِ بعير ونطح كبش، أو خمش سِنّورٍ أو رَمْح حمار، ولعلّ ذلك يكون في الدهر المرّةَ والمرّتين، ولعلَّ ذلك أيضاً لا ينال إلاَّ عبداً أو خادماً أو سائساً، وذلك محتَمل، فالكلاب مع هذه الآفات شركاءُ الناس في دورهم وأهاليهم.
قال صاحب الكلب: إنْ كنتم إلى الأذى بالسُّلاح تذهبون، وإلى قَشرِ طِين السطوح بالبراثن تميلون، وإلى نتن السُّلاح وقذَر المأكول والمشروب تقصدون، فالسِّنَّورُ أكثر في ذلك، وقد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنّه قال: هُنَّ مِنَ الطَّوَّافاتِ عليكم، فإِذا كان ذلك في السنانير مغتفراً، لانتفاعهم بها في أكل الفأر، فمنافع الكلاب أكثرُ، وهي بالاعتقاد أحقّ، وفي إطلاق ذلك في السنّور دليلٌ على أنّه في الكلاب أجْوَز.
وأمَّا ما ذكرتم من إنعاظه، فلعمري إنّه ما ينبغي للغَيورِ أن يُقيم الفرسَ ولا البِرذونَ والبغلَ والحمارَ والتَّيس في المواضع التي تراها النساءُ، والكلبُ في ذلك أحسنُ حالاً، وقد كرِه ناسٌ إدخال منازلهم الحمامَ والدِّيكةَ والدجاج والبطّ خاصة؛ لأنّ له عند السفاد قضيباً يظهر، وكذلك التيس من الظباءِ، فضلاً عن تُيوس الصفايا، فهذا المعنى الذي ذكرتمْ يجري في وجوهٍ كَثيرة وعلى أنّ للحمام خاصَّةً من الاستشارة، والكَسْم بالذئب، والتقبيل الذي ليس للناس مثلُه، ثمَّ التقبيل والتغزّل والتَّنفُّش، والابتهاج بما يكون منه بعدَ الفراغ، وركوب الأنثى للذكر وعدم إمكانها لغير ذكرها، ما يكونُ أهيجَ للنساء ممَّا ذكرتم، فلم أفردتم الكلب بالذِّكر دونَ هذه الأمورِ، التي إذا عاينت المرأة غُرمُولَ واحِدٍ منها، حقَرت بعلَها أو سيِّدَها، ولم يزل ظلُّ ذلك الغرمول يعارضها في النوم، وينبِّهها ساعةَ الغفلة، ويُحدِث لها التمنِّيَ لما لا تقدر عليه، والاحتقارَ لما تقدر عليه، وتركتم ذكر ما هو أجلُّ وأعظمُ إلى ما هو أخسُّ وأصغر؟ فإنْ كنتم تذهَبون في التشنيع عليه إلى ما يعقر من الصبيان عند العَبث والتعرُّض، والتَّحَكك والتهيِيج والتحريش، فلو أنّ الذي يأتي صبيانُكم إلى الكلب، من الإلحاح بأصنَاف العَبَث - والصِّبيانُ أقسى الخلْقِ وأقَلّهم رحمةً - أنْزَلُوهُ بالأحنف ابن قيس، وقيس بن عاصم، بل بحاجب بن زُرارة وحِصن بن حُذَيفة، لخَرَجُوا إلى أقبَحَ ممَّا يخرج إليه الكلب، ومَن ترك منهم الأخذَ فوق يدِ ابنه، فهو أحقُّ باللائِمة.
وبعد فما وجدْنَا كلباً وثبَ على صبيٍّ فعقَره مِنْ تلقاءِ نفسه، وإنّه ليتردَّد عليه وهو في المهد، وهو لحمٌ على وضَم، فلا يشَمُّه ولا يدنو منه، وهو أكثرُ خلقِ اللّه تعالى تشمُّماً واسترواحاً؛ وما في الأرضِ كلبٌ يلقى كلباً غريباً إلاَّ شمّ كلُّ واحدٍ منهما استَ صاحبِه، ولا في الأرضِ مَجوسيٌّ يَموت فيُحْزَن على موتِه ويحمل إلى الناوُوس إلاَّ بعد أن يُدنى منه كلبٌ يشَمُّه، فإنّه لا يخفى عليه في شمِّه عندَهم، أحيٌّ هو أم ميِّتٌ؛ للطافَةِ حِسِّه، وأنّه لا يأكل الأحياءَ، فأمَّا اليهود فإنّهم يتعرَّفون ذلك من الميّت، بأن يدهُنوا استَه، ولذلك قال الشاعر وهو يرمي ناساً بدين اليهودية:
إذا مات منهم ميِّتٌ مَسَحُوا اسْتَهُ ... بدُهنٍ وحَفُّوا حَوْلَه بقرَام



* كتاب الحيوان للجاحظ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى