رسائل الأدباء رسالتان بين الشاعرتين فاطمة بن فضيلة وفوزية العلوي

الشاعرة العزيزة فوزية العلوي

كيف أبدأ رسالتي هذه… هل أقول لك مثلا مساء الثورة أو مساء الحرية أو بكل بساطة مساؤك تونس… نعم تونسنا الخضراء…. قرطاجة التي اغتسلت بمياه البحر و تكحلت بدماء الشهداء و انتفضت من الرماد كائنا خرافيا يكسر القيود و يدحر الناهبين و الطامعين و يقيم مشنقة للخونة

الآن أذكر و بكل وضوح سنة 1987 حين استلم او استولى الطاغية بن علي على الحكم، كنا حينها و رغم ما عانيناه من الحكم البورقيبي في أواخر مراحله، كمن يسقط في بئر عميقة دماء الطلبة التي غسل بها ربوة المركب الجامعي و هو وزيرا للداخلية لم تجفّ بعد…. المجندون لم يعودوا من رجيم معتوق و الزنازين تغص بسجناء الرأي….

ماذا سيفعل بالبلاد أكثر و قد استولى على مفاتيحها بالكامل…

الآن و نحن نفيق من كابوس دام أكثر من عشرين سنة أتساءل هل بامكاننا أن نتكلّم بحرية؟ هل ستكون لدينا القدرة على تقيّؤ كل تلك الأحداث دفعة واحدة؟

ثلاث و عشرون سنة من الصمت، ثلاث و عشرون سنة من الخوف ثلاث و عشرون سنة من الطرق الملتوية كي نكتب قصيدا للوطن و كي نرسم بابا يفضي الى شريانه ثلاث و عشرون سنة من الحب الممنوع و العشق المراقب ….. كم هرّبنا حبها تونس في سلال من الزهر العراقي او الفلسطينيّ…. كم خبّأنا دماءنا في جراح سوانا
أصدقك القول… مازلت تحت تأثير ما حدث و لم أجرء بعد على الكتابة عن ثورتنا ….مازلت أحلم أنني أحلم و قد أحتاج الى حصص علاجية متواصلة تخرجني من كابوس بن علي و حزب التجمع


=========

العزيزة شاعرة القلوب المرهفة والوطن الأخضر فاطمة بن فضيلة

نكتب من زمان ،نعم ، نكتب الحبّ والحرب والوجع والفرح ، نتعطر بالحبر ونتّزر بالورق ، ونطوف في مدائن الكلمة عندما تضيق بنا المدن ، ونهمس إليها عندما نشعر بغربتنا وتصمّ دوننا القلوب والآذان ، ولكن مالي لا أستطيع الآن قولا؟ما للغة تتصاغر أمام ماحدث وتعجز أن تكون وعاء ذهبيا لما عشناه من حلم؟ مالي كلّما قلت أقول، رأيت وجه صلاح الطير الدشراوي وهو يلفظ وردته الأخيرة؟ وأرى وجه الشهيد نور الدين مباركي وقد داسه الجلاّد برصاصه الهمجي؟ وأرى وجوه الأحبّة كلهم من أبناء القصرين وتالة وكل تونس يصطفون طوابير أما باب الجنّة ، يسخرون من كلماتي، ومن صوري الشعرية ويكتبون بدمهم أشرف القصائد على مرّ التاريخ ، مالي كلّما بحثت عن وزن لكلماتي سمعت الرصاص يلعلع في أحياء القصرين ؟ وسمعت الصّراخ الثائر الأبي ،نحن أقوى منك يا جلاّد الشعب وأقوى من آلتك الأمنية الوحشية وأقوى من مؤامراتك الدنيئة

….هل كنّا نرى هذا لولا هذا الشباب الأبي ؟لولا هذا السيل الهادر من عزمهم وإرادتهم ووعيهم الذي يفوق أعمارهم وجلدهم الذي يفوق حساباتنا الضيقة وجرأتهم التي جعلت تونس تتخلّص من وزر أنقض ظهرها ما يزيد عن نصف قرن؟ هل أنت قادرة يا فاطمة على تفسير ما حدث؟ كيف تم هذا بمثل هذه السرعة؟ ومثل هذا الإصرار؟ خبريني كيف تقوض قلوب العصافير وأجنحتها ومناقيرها الجميل عرش الجلاّد وكيف تعلو الزغاريد لتصمّ آذان الخونة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، اعذريني يا فاطمة ، ليس لي ما أقول الا:
حفظك الله يا شباب تونس اعذرونا لم نكن بقدر الحدث
عشت يا تونس حرّة طليقة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى