محمد خيرالدين - هذا الدّم.. ترجمة مبارك وساط

أنا كاتبٌ وزني عشرة كيلوغرامات طولي؟ 0,10، دقّقوا، هذا جواز سفري:

المملكة المغربية
الاسم العائليّ ؟
الاسم الشّخصيّ ؟
الجنسيّة ؟
المهنة: متمرّد
العنوان: يهوديّ تائه

البرْد الرّاتع في غرفتي التي تنفتح على الشّارع، ونافذتي التي لا تنغلق، كتابي المُقَلّبُ بشكلٍ سيّئ، سيْري على غير هُدىً، هدفي، مخّي السّارح الحاضِر متى إذنْ ستكون بَغْلا بشكل أقلّ؟ رأسي، لُقْيَتِي، حافظةُ أوراقي، وجدّي الذي نبشتُ قبره لأعرف إن كان قد غيّرَ مكَانَه، الموتُ الذي يَرفضني، أنا عَفِن، أنا لِحاءُ الشّجرة العجوز المهووسة، لحاءُ شجرة التّفّاح التي تمّ وصْفُها، دمي أو بالعكسِ لِمْفايَ ضاربة إلى السّواد، دمٌ عَدَمٌ، دمُ نحلةٍ، دمي الهائل، دمي بلا اسْمٍ، دمي الذي هو ليلٌ دائما... أُفْرِغُ لوحدي بنوكَ الدّم، دمٌ هو هياجُ حشرة تجوسُ الحديقة حيث الصّداقة معقودة بين المصاطب، دمٌ مُمَلّحٌ مُدَخَّنٌ، دمٌ زلزال يَنطلقُ من إبهام قدمِي... دمٌ نقود مزيّفة، أنْسَلُّ وليس بدافع الخطأ يُسلّمني الدّم كأني جانٍ، أمضي إلى ضوضاء المدن من دون اسم حقيقي، وفي كلّ مكان ألاقي سُحُبًا من الذّرّات، على كلّ خطوط الهاتف تَحطّ كواكب سيئة النوايا وأعمدة مائيّة، لا أتوجّه إليكَ بالكلام إلا لأننا نبقى غير منفصلين، تقول، نحن غير قابلين للانفصال، نحن قابلان للانفصال، أجيب أنا الذي استُحْلِفتُ في اللحظة التي تمّ خلالها اغتيالي، لقد شكّلْتُكَ كما اقتضتْ لياقتي، وبحسب مهارة الفخاخ، دون إسقاط شيء من سحر إله الفودو الذي أطاح به الأوربي ذو الأسنان المشحوذة جيدا واليدين الطّويلتين، الحائزُ معارفَ العظاية الباسمة، وهنالك أبو الآباء، أبو السمكة العجوز التي صنعتْها الرُّتيلاء المُسِنّة أمام أبِي الآباء وأمّ الآباء، لم أجعلْ منك ندّا لله ولا متحكّما في كوكب الأرض، لقد منحتكَ صوتي، فكلّ منا في حِلّ من أمر صاحبه، هذا ما تقوله، وأنا أعترض، وأعلن انتسابي إلى حضارةٍ للنّموس والأفاعي الفوضويّة، لا أعرفُ آسيا، عن طريق السّماع والكتب الضّخمة الجُملِ القوافي الانقلاباتِ حالاتِ الغثيان والدّمُ مثلما مِسْبحة مُهداة إلى الثّائرين السّيّاسيّين المنتمين إلى دمي والذين يقطعون الأنسام والزّاد على من يبغي أن يرتوي منه، طبعا أنا أختفي، أيها الدّم- المحرقة الدّم- البنزين الدّم- المعركة الدّمُ، لا تشُكّوا في قولي إنّي أعاين بوضوح سوء سلوك الدّماء والعيون المصابة باللوكيميا، لا أمرّ دون أن ألحظ السّدود التي يقيمها الدّم، الدّم وسَرْدينةُ الدّم السّوداء، شهدتُ عمليات فَصْدٍ من العنق والعانة، كان ذلك على عرش من الحجر المتبلر وعلى الفراغ الذي يتوسّط الهذيان، وكانت العانس المحتدّة المزاج بسبب مشاقّ العمل في الحقل وحَفْرِ الآبار تغرز رأسَها نفسَه في الحجر وتضحك شِبْهَ نائمة فيما أعْلى منها بلْ على جلدها ترسُمُ الدّكتورة الطّوفانَ، الدّخانَ، الثّلجَ، الحَرْبَ، كانت المنيّة حاضِرة، قلْتُ لنفسي، فهل لها قلب ودمٌ وجسدٌ يمكنه أن يسحرني؟ لا، لقد كان لها شعر طويل رمادي، كانت سوداء غِرْبِـيـبَـةً شَعْرُها مسنونُ الأطراف، المنيّة لم توصف، المنيّة المتسلّطة على الدّم لابدةٌ وسط أحزاننا وانصعاقاتنا التي أبعدْنا عنّا، ولقد ضممتها إلى روحي، منحتُها قلبي، فجعلتْ منه طائرا يصحبها إلى أيّ مكان تقتُلُ فيه وتُعَرّي، تأكل فيه وتسكر، للمنيّة نوايا إيجابية، إنّها تُبرّر ولا تُعاقب وقد مارسْنا الحُبّ المُقدّس لا أعلم لِماذا، صنعتُ لها كعكة بديعة بمنيّي ودمي المرشوش بالدّقيق، هذا لن يُنسيها مُلامساتي، لن يُنسيها قَوْلي لها ابْقَيْ- لا ترحلي- أنا- زوجُك- أنتِ- المُصطفاة- مِن- قِبَلي، ستتذكّر ذلك زمنا طويلا في كُلّ الأحوال، ربّما تَعود في ليلة ما وهي لن تنبثقَ من أحشائي، وستُصَفّق ومن بعيدٍ تناديني يا سيّدا كأنّي قيصر، يا بومةُ كأني القُرصان أو الإعصارُ حاملاَ هذا الاسم، تعال لأسمّمك، تعال لأكسوَك لباسَ رومانيٍّ قديم، لباسا أبيضَ مذهلا، تعالَ أيّها النّسيان، ولْأكُفّ عن الظّنّ، ولْأَرْغب في تجرّع الموت قطرة قطرة، علاماتٌ مُشاةٌ سائقو سيّارات راكبو درّاجاتٍ مُلوكٌ أفّاكون كتّابٌ أنساقٌ منطقيّةٌ جماركُ غزواتٌ، المساءُ يفتحُ المقاهي، المصابيح تقتات من الشّمسِ، الإنسان يُتلف كبده، إنّهم يُرَقّعون دمي، وأشعر بالألم في الأماكن التي تحمرّ من جسدي، يرونني أركض تحت البُسُطِ وتحت الموائد المجبولة من صُهارة المعادن، أنشر العفن في الفسيفساء، أُثَقِّبُ الأرائك، أكسرُ سيقان الأزهار، أَسُدّ المراحيض، لا أُولِي أهمّيّة للنّقود التي تسقط من الجيوب الممزّقة لهؤلاء البسطاء الذين يخافونك، دمي الإغوانة، وأنا دوما أسائل دمي الذي أنعتُه بمطرح نفايات المدينة، بالفأر المُصاب بالطّاعون، بوباء أقمارٍ نتنة، بنقيضِ كُلِّ ما يمنحنا الهناء فنتشبّثُ به أثناء تهاطل المطر إذْ يُصبح الفحم الحجريّ بثمن الدّم، دمي الذي تقيّأتُه، دمي الذي لا يمضي لتناوُلِ الكَرْكَنْدِ مُضمّخَ الشّارب بالطِّيبِ مصفوفَ الشَّعر على الطّريقة الإيطاليّة، دمي الأعرجُ، الذي كسَرَ قرونا، الذي يُسَبّبُ الشّيخوخة، دمي الخَسيس، دمي العاديُّ، دمي نسيجُ الملبس الشّتوي الذي أتعلّم فيه التّخفّي، أتعلّمُ فيه عدَّ كِسَرِالجليد حُبيباتِ البَرَدِ، دمي الرّصيفُ، دمي اللقيط الخانع والماكِرُ، الذي ليس كلبا راقيا تصْحبه في الصّالونات سيّدة نُحاسِيّة البسْمة فبسمةُ عَبّادِ الشّمسِ الحقيقيّة لكَ أنت أيّها الدّمُ المُهَذّبُ الذي ينزلق دوما صَوْبَ جذور الفوْضى، دمي الجذامُ، دمي مثل سانْ جوستْ على منصّة الإعدام، دمي إنّكَ ترتجف، دمي إنّك تُتَوِّجُ شِرّيرا حقيقيا، دمي إنّك تُطْلِقُ النّار، دمي عينُك إرهابيّة، دمي لقدْ هربْتَ من رُكامِ حصباءَ أنْشَأتْهُ يَدٌ مُتمرّسَةٌ، دمي الذي فيه تُقرقع سَلاسلُ تَطِنُّ أجراسُ قصور، دمي الذي يقضي مساءً سيئا وسيقضي ليلة رديئة ويومَ اثنينٍ من التّجاعيد، دمي أنت لا تربح في اليانصيب، دمي أنت تسحب خلفك صلصتك الخاثرة التي انبثقت من نُسْغ كواكبَ ذُبِحتْ على الصّوّان وفوق شجرة الخرّوب على آخر الدّوائر الحلزونيّة للدَّوْخَة... دمي اليهوديّ الملياردير، دمي المغربي البروليتاري، دمي الذي لا يَكتب، دمي الذي يرشو اليأس، دمي الذي يُوَبّخ الغيوم والأشجار المُسِنّة...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى