ظافر الجبيري - أزمة..

اقترب يومُ العيد ؛ منذ سنوات ونحن نعاني بطريقة لم نعتدْها، منذ غادرتْ الأم عالم أبي الصاخب ، خفَتَ قلبُه وامتلأ البيت بالفوضى .. وعجزنا عن مساعدته نحن الأربعة، ولدان وابنتان ، نعمل ونعمل، ثم نحصد قليلًا من السرور والكثير من العناء .
في يوم الصمت الأول ، انتظرَنا وحيدًا كأب حنون ، استيقظنا متأخرين.. لا يوجد سواي وأخي وهو في البيت .. أختاي التحقتا بالوالدة هناك حيث البحر والمدينة الكبيرة ، قالت: " إنها تعشق جدّة" فعادت لها ، ربما لتبرر الصراعات الخفية والظاهرة بينها وبين أبي.!
يوم العيد ، وعند نهوضنا المتأخر وجدناه قد صنع لنفسه الفطور في حينه، والغداء في الوقت المناسب... اقترب العشاء وسنأكل معًا وجبة واحدة على الأقل في اليوم ، اختفى الصمت الباعث على الحزن الذي يعمّ أرجاء البيت ، ابتلعه صخبُ كأس العالم. عناء المادة يضغط عليه ، لكنه اشترى جهاز استقبال لنشاهد ( الكورة) على أصولها كما يردّد! صرنا في الليلة الثانية ، اقترحنا عليه أن يشاركنا عشاءً من مطعم جيد نختاره لمّحنا إلى أننا نريد الاشتراك في العشاء ، وكنا نقصد أن يدفع كامل القيمة، فأنا وأخي لسنا سوى طالب عاطل، ولا زلنا نأخذ مصروفنا منه ، وهو الذي وافق باسمًا على الخطة ، وأحضرتُ العشاء، فيما أفاق أخي متأخّرًا و بصعوبة لا يحسد عليها .

طوال الوقت ، أبي يخفي أحزانه بالاندماج في متابعة التلفاز أو قراءة الكتب.. وتصفّح آخر الجرائد الورقية . كان يسخر من إصراره على شراء الصحف ويقول: " سيتجاوزني الزمن ويذهب عصري، وأخسر آخر أشياء الزمن الجميل .. " تحاشى أن يقول: " الأشياء الجميلة " حتى لا نقول له : " أمّي كانت أهمّ أشيائك الجميلة."!
أقبل العيد ، وهو عيدٌ بطعم الوحدة..لم تُفرش سفرةٌ عليها أصناف الحلوى ،ولم يمتدّ صحنُ الفواكه في غرفة الجلوس ، ومعه السفرة الأنيقة المعتادة في أعياد سابقة.. لم تتمخطر أمي بجلابية العيد الفخمة حاملةً البخور من غرفة إلى غرفة ولم.. ولم..

شاركَنا عشاءَ الشاورما.. واندمج في كرة القدم.. وسألَنَا بين الشوطين :
مابكم؟ هل هذا حزن أم صمت الاندماج في مشاهدة الكرة؟
قلتُ: العيدُ لوحدنا بلا طعم !! قال مُسيطِرًا على تعبيرات وجهه : هذا العيد آخر الأحزان.!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى