محمد حساين - فضيحة صغيرة جدا

ليس من عادة الأطباء القسم لتأكيد نتيجة فحص، لكن الدكتورة صباح هذا الصباح، وهي تتلذذ بإخراج أصابعها بأصابعها من القفاز المطّاطي الشفّاف اللامع أصبعا أصبعا، أقسمت بالله الخالق الوهّاب أن لبنى حامل منذ ثلاثة أشهر.
- لبنى إحدى عشر سنة!!!...
- حامل!!! ؟
- نعم حامل
- لبنى صدرها نقطتان فقط وبطنها كاللوح.
- حامل!!
- لبنى الطاهرة البكر التي لا تعرف مسطرة الغسل؟
- لبنى العذراء حامل!!!
- لبنى الجميلة الساذجة الوديعة الخجولة الصغيرة "المبوالة"؟
- حامل!!
صعقت الأم والخالة وولولتا بالعربية والأمازيغية
- ما العمل يا دكتورة؟
- هي تحتاج بعض العناية وسأعد لكم وصفة.
دخلت الأم والخالة في وصلة ولولة أخرى وهذه المرة بإيقاع ولطم على الجبهة والفخد والخد.
- لا نريد وصفة، أزيليه اقتلعيه اجتثيه شتتيه نزليه بالمخلب أو المقص .
- حرام
- بالصمّام
- حرام
اندهشت الأم والخالة.
صباح تقول "حرام"؟، صباح الطبيبة المتزوجة من ذلك العربيد الفاسق، صباح التي تتسوق لدي "مدام صوفوكليس وتأكل الخنزير المعلب والمنقنق وتشتري علنا وتشرب سرا تقول لنا "حرام"؟
- سوف ندفع
- حرام، ولا يمكن لأن الحمل متقدم وفي إجهاض الطفلة خطر عليها وعلي وأحذركما من أن يمس الطفلة سوء.

استدارت الأم نحو البنت التي كانت تقف باردة النظرات كأن الأمر لا يعنيها.
- ماذا فعلت يا "أيتها الـ..." كرم الله وجه الدكتورة؟
- ماذا فعلتُ؟
- أتيتِ "ببطن"
- بماذا؟
- أنت في بطنك ابن آدم وسوف تلدين، هل فهمت؟ ستلدين يا بنت الحرام ستلدين.
ابتسمت لبنى فرحا.
***
جلسة البيت كانت مؤتمرا موسّعا فيه لجان مختصة:
- الجدتان في البحث عما يجهض من عقاقير المسلمين،
- الأم والخالة في التخمين والتحقيق والاستنطاق وانتزاع المعلومات من الطفلة،
- الأب في المحاسبة.
أما زوج الخالة المُعلـِّم فقد كان يهيِّئ خطة التعامل مع الصحافة مرددا "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " ومؤكدا أن بيع الاستجوابات والصور فرصة للربح و باب للغنى وأنها إن كانت فضيحة فهي فضيحة صغيرة جدا.
وكان الكل متفقا أنه لا مجال لإخفاء الخبر فابنة الحي الدكتورة صباح بوعريش ستحكي لأمها في المساء وأمها في اليوم التالي ستودع السر لدى جليسة الحمام....

اعترفت لبنى وقالت أن الذي تعود "أن يفعل" ما وصفوه لها هو عادل...
- عادل احدى عشر سنة.
- هو عادل الذي تعوّد
- عادل الذي، إلى زمن قريب، كان ينام كالسندويتش بين أمه وأبيه.؟
- هو عادل
- عادل الذي لا يفرق بين الحذاء الأيمن والأيسر؟
- هو عادل
- عادل الذي لا يجب عليه صوم رمضان؟
- هو عادل، عادل ابن الحلاق
ضد كل التوقعات!.
لم يكن إذن الحاج هو صاحب "الفعلة" رغم اجتماع الأدلة ضده، لأنه كان يكثر من "بوسي عَمُّو" و"بيزوبيزو" وما شاء الله وتبارك الله .و"الطبطبة "على ردف البنت بالكف الواسع.
ولم تكن الدروس الخاصة في الغرفة السفلى وراء المصيبة.
- المجرم عادل.
قرر الأب التبليغ احتياطا ورفض أن يكلم في الأمر الحلاق وزوجة الحلاق.
وانصرفت العائلة إلى التفكير والتعليق
- لبنى ضحية، لبنى مسؤولة...
- لبنى متهورة والولادة من حق الكبار لا الصغار...
- ماذا سنسمي ما يلده أطفالنا إذا كانوا هم أصلا أطفالا؟
- كيف نعطي مسؤولية التربية لمن لا زال في حاجة للتربية والمراقبة؟
- كيف يكون في المدرسة آباء وأمهات تلاميذ؟
- انتهى تناطح الأجيال سيلعب طفل مع ابنه لعب الأطفال بجدية الأطفال، سيحبان نفس الأشياء ويفهمان البعض دون صراع.
أخبرت الأم لبنى أن الذهاب إلى المدرسة مستقبلا قد لا يكون ممكنا.
بكت لبنى حزنا.
***
في فندق الشرطة،
أبو عادل لامع حذاؤه ولامعة جمجمته، أم عادل بجلباب "الصبانات" كما يصفها زوجها وفي الداخل أبو لبنى ولبنى مع السيد العميد.
في المكتب المجاور شرطي الحراسة الفضولي العملاق الضخم ومعه الطفل المتهم.
طلب الشرطي من عادل أن يقف إلى الحائط وبالصرامة العسكرية أمره:
- اِفتح
- أفتح ماذا؟
- اِفتح هذا الحانوت، وأشار بقضيب كان بيده إلى منطقة ما بين الفخذين.
- ها هو ذا مفتوح
- اِفتح جيدا... أرني ما لديك...
- ها هو مفتوح تماما.
- أقسمُ بالرب ذي العظمة وأضع رجولتي في النار إن لم تكن أنت صاحب "الفعلة"، ماذا هذا؟ ما سنك؟ ماذا يطعمونك؟ والله هذا الحجم كاف لإدانتك.
أقفلت المحاضر على أسئلة لم يستطع العميد الإجابة عليها واكتفى بالقول بأن القضية ستبث فيها المحكمة.
أي قضية؟ الاغتصاب؟ من اغتصب من؟.
الزنا؟ يجلد الأطفال، يسجن الأطفال، يعاقب الأطفال لأنهم لعبوا لعبة الحب الغريزية والجميلة؟
إنجاب خارج مؤسسة الزواج؟ طيّب، فليتزوجوا فالحمل يلغى شرط السن الأدنى!
قضية في المحكمة؟
لماذا لا نحاكم الأم التي لم تعلم ابنتها التمنّع أو استعمال العازل؟
لماذا لا نحاكم أم عادل التي كانت تقول له "أنت رجل يا ولدي".
لماذا لا نقبل خصوبة الأطفال وإنجاز الأطفال في منطقة الكبار؟
كان هذا ما كتبه في كراسته المعلم زوج الخالة وهو يحلم بلقاء الصحفيين، كممثل للعائلة، حين ينفجر الخبر القنبلة.
زوج الخالة هذا أسر للطفلين بأن صورهما قد تكون على غلاف مجلة، وكأصغر أبوين، قد يشاهدهما الناس في التلفزيون.
هتف عادل ولبنى ابتهاجا.


محمد حساين

تعليقات

قصة لطيفة جدا ، وذات مضمون جديد ، والحوار سهل وخطابات الاطفال وردود افعالهم تبدو بريئة جدا وتعكس طفولتهم.
شكرا
 
أعلى