الجنس في الثقافة العربية إبراهيم محمود - القضيب الرَّقَمي

يمكن لأي كان، أي كان، تصفُّحُ ما لا يحصى من المواقع الالكترونية، وبسهولة، وبلغات شتى، تلك الخاصة بـ" السّكس " المفهوم الدال عموماً على ممارسات جنسية " بورنو " وفي حالات مختلفة، ووجوه واضحة الأبعاد، وأجسام عارية ومن أعمار مختلفة، ومن النوعين، وفي نطاق ما يُسمى بـ " سفاح القربى " وفي أمكنة شتى" الفراش، المطبخ، ...الخ، يبرز فيها القضيب بمقاييسه المختلفة، وألوانه، متصدراً واجهة المشهد البورنوي غالباً، حتى لو أننا أفصحنا عن وجود مساحة لافتة للفرج ومن زوايا مختلفة أيضاً، وداخل مربعات أو مستطيلات، إلى جانب ما يُسمى أيضاً بـ" أفلام البورنو " الدالة بدورها على وجود أكثر من ثقافة موجّهة في إطار الاستخدام الدقيق لتقنيات اللون والإخراج والإثارة، ومخاطبة من ليس يُحصون، وتحديداً بالنسبة إلى المجتمعات المتشددة في رؤية الجسد العاري، والذي لا يحتاج إلى مترجم، فالعين قادرة بسهولة على التقاط المؤثرات ونقل التأثير إلى عموم الجسد بمقادير حسية متفاوتة .
إن رؤية مركَّزة لهذه المشاهد، وبوضعيات شتى، تظهِر كيف أن القضيب الذي كان يرمز إلى السلطة، أو القوة النافذة، قضيب يكال له المديح بتعظيمه وتفخيمه، كما في التماثيل مثلاً. هاهو يُنزَل به من عليائه، وقد أصبح مشاعاً، وهو يخضع لأي يد تحسن استخدام الكاميرا الرقمية، أو تمتلك مهارة معينة للتلاعب بالأبعاد، وفي وسط حسابي ليس مجرداً، بمقدار ما يؤدي أكثر من دور، وإيداع المؤثرات، حيث نكون إزاء القضيب بوصفه خطاباً بليغاً، إنه الخطاب اللحمي المشدود، المنتصب، المتحرك، المتجه أحياناً إلى الرائي/ الناظر، وهو في أوج انتفاخه وتجلّيه، كما لو أن " العين السوداء " في منتصف " الرأس: الهامة " عين غاوية، ثقب أسود، ملقّم بكم هائل من المؤثرات التي تغمر الجسد المرئي، والذي قد يتجاوب معه، كما لو أنه يصاب بعدوى الانتصاب، التصلب عبر فاعل هيجاني، يسخّن عموم الجسد، ويفجّره بمؤثره.
في وسع الباحث عن بنى هذا الخطاب القضيبيّ نشأة، القضيبي صنعة، القضيبي تصويراً، والقضيبي بثاً مباحاً، والمحرَّر من كل تشفير، أن يتحرى نوعية الخطاب القضيبي هذا، وأي ميكانيزم إرادة " تحشيش " نافذة يفعّلها في الجسد المتعامل معه، أو الكاشف لهيئاته، صحبة الصوت والصورة " المشهديين " مع جسد أنثوي: جسد غريب، قريب، قريب جداً " داخل العائلة الواحدة "، وما يعنيه هذا الإشهار من نزع الضوابط، ما يعنيه هذا التوسع الأشبه بـ" امبراطورية الجسد المباح واللانهائي " من لزوم التنبه إلى ما يجري، وما يمكن أن يجري أبعد من مفهوم " السر "، حيث تكون المجتمعات، العائلات، والفئات التي تعرَف بسيستام قيمي أو احتشامي مختلف، في واجهة هذا الخطاب " الوقح/ السافر " الذي يقاوَم بسهولة .
ذلك يشدد على النظر بإرادة معرفية محيطية تأخذ بالمرئي باعتباره حقيقة ما، حقيقة ممرَّرة بأكثر من تقنية لون وصوت وهندسة عرض، اعتماداً على عين خبيرة بالآخر غير المحدد، المجهول، سوى أنه المعلوم كثيراً بجسد ينطوي على مكبوتات، أو رقابة ذات نسب جنساني ردعي، رقابة تمثيلية، عقابية تصل ما بين الدنيوي أو الديني الطابع، وغيبي: محاسبة أخروية، لكنه الجسد المحكوم بنوازع، رغبات لا يضمَن التحكَّم بها لحظة التقابل بين الحالتين، أي جهة المعروض والاستجابة، وغواية الحاجة الغريزية وكيف تحاول تأدليب الجسد عموماً على صاحبه، أو صاحبته، استناداً إلى محرّك صوري ملوّن: قضيبي لا يخفى بعد المحوري.
في وسع المتابع لمواقع كثيرة، وكثيرة جداً، حيث التعليقات، أو التوصيفات المقتضبة، أو بالعامية، وهذه لها دلالتها القاعية، وفي مواقف شتى، في وسعه معاينة المقروء ضمناً، أو ما لم يعد مجهول الاسم، وحتى في برامج معدة في أمكنة أخرى عن الجنس، وذلك الاستطلاع المكشوف والدقيق بخطواته في لقاءات وطرح أسئلة وتلقي أجوبة حية: أي نوع من القضيب تفضلين؟ كيف تريدينه في حال الجماع ؟ هل تفضلين مص القضيب على إيلاجه أولاً؟ أي لون من القضيب ترغبين فيه ؟... أسئلة مطروحة على الهواء مباشرة، تعظّم سلطة القضيب، إلى درجة سهولة إمكان الحديث عن القضيب، كما لو أنه يمثّل كامل الجسد، ويحيل كل الأجسام في الخارج إليه، وهو ما يحفّز على الانهمام بتنوع أدواره باعتباره القضيب الرقمي !
يمكن التركيز هنا على الثقافة الصانعة لما هو رقمي قضيبياً، والبعد ما بعد الكولونيالي نفسه لتلك المأثرة التقنية والمتخمة بالصور الإيروسية، وتداعياتها من خلال بؤرة القضيب عالمياً، حيث إن صناعة القضيب الرقمي بخاصيته المرئية والمسموعة كذلك، تشير بإصبعها السميكة والنافذة الأثر إلى مراكز توجيه وأجهزة تحكُّم تتقصى ردود أفعال المشاهد هذه، أي إنه في الإمكان التعرض لما يمكن اعتبار الرقمية أعلى درجات القضيب المروَّج له، وهو في دمغته الذكورية، وما يمكن تبيّنه من فاعل سلطوي ذكوري في آن، أي ما يبقي الفرج الأنثوي بمفهومه القاعي، الردمي، الانخسافي، المقعر، والمتصدع، أو المنفلق، والعصي على الالتئام... إلى آخر النعوت أو الأوصاف التي يجوز التوقف عند دلالة كل منها رمزياً، لحظة مقابلة هذه القائمة بما عليه القضيب: الواحد الفرد، النافذ، المنتصب" النصَّاب "، المرئي من جهاته، الاستعراضي، القابل للقياس، بقاعدته اللحمية والغضروفية، ودعامتيه الكرويتين في كيسهما الغشائي، وهو ما ينبري من خلال تاريخي منحوت إلى يومنا هذا، حيث يعود الجنس أكثر مضاء وعنف أثر. أي من خلال هذا التفعيل البورنوي، واعتماداً على ثقافة ضالعة في الكشف عن المبطَّن أو ما لا يُسمى إلا مجازاً في ثقافات كثيرة " الإسلامية في الواجهة " دون إغفال الصلاحيات المقدَّمة للقضيب الإسلامي، والذي يستحق أكثر من متابعة على أرضية تاريخية ملموسة، كما تعلِمنا بذلك أدبياته الكبرى: الفقهية وغيرها، وصلة الوصل بينها وبين المعروضات الهائلة أو العجيبة الغريبة من الفروج الموقَّتة فردوسياً " فروج الحور العين ". أي ما يستوقفنا عند " منصات إطلاق الرغبات الأكثر قابلية لاستدراج النفوس والرؤوس، الأكثر أهلية بوصفاتها الرغبية، وذات الوفرة في مخادع ذوي الشأن تاريخياً، من خلال " لوغو: الفحولة ".
فالحديث عن الثقافة باعتبارها هبة القضيب إجمالاً، يترافق مع الحديث عن الثقافة باعتبارها حاملة بصمته، ومن خلال رحم يجري إخصابه باستمرار: الفرج، فرج يُتحكَّم به قضيبياً: فتحاً وإغلاقاً، وما في ذلك من جنسانية ذات بعد واحد بأكثر من معنى، رغم الديماغوجيات ذات اللغات المتعددة، وهي فتاوية في أغلبها، وهي تدل بمقدار تشديدها على خطل هذا التوصيف، على أنها مأخوذة بسلطة القضيب، ورادعة لكل ما من شأنه تعريضه " للمساءلة " !
هنا يتمرأى القضيب الرقمي أكثر حضوراً بمساحة انتشاره، أكثر تأكيداً على ذلك الرصيد الاعتباري المتجدد بميسمه الذكوري، وهو باسمه ذي الدلالة " القضيب ": ما يكونه خارجاً، وما يمرَّر داخل إحليله، وما يتموضع عليه حشفياً، وهو بهامته الرحبة في حالة النعظ، وهو ما يجري تصويره وطرحه في الواجهة الشديدة الوضوح، كما لو أن ليس من جسد يحركه بقوة معينة، كما لو أنه مركَّب، وملعوب فيه، مسيْنر " من السيناريو " ومؤتمت بحركته الذاتية، حيث يغيب فيه كليّ الجسد، أو يوعب في كلي الجسد الآخر: الأنثوي، في لعبة المقاييس والألوان، وطرق العرض ذات العلامة اللافتة ببراعة التعبير وشفافيته والعابر للحدود بمتخيلاته .
كما لو أننا نشهد عروضاً تترى لقضيب يجيّش أهل القضبان، ويغوي ذوات الفروج.
ذلك ما يحفّز على مد النظر، تعميقه، وتوسيع ساحته، سعياً إلى استنطاق هذا القضيب الرقمي الذي بات في مقام " الدازاين ": ملء الوجود....؟؟!!!

إبراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى