فوزية العلوي - حكاية القمر..

لسنا ندري ليلتها ما وقع، ربّما كان نومنا ثقيلا قليلا بما لم نعتده، لكننا نهضنا في صبيحة اليوم الموالي فوجدنا قطعا من القمر. سقط القمر ليلتها ولم نفطن، ولا ندري لأيّ أمر سقط القمر؟ خمّننا أن أمرا جللا قد جعله يتهاوى ويتكسّر كالطّبق الصّيني، ربّما كان أفرط في السّهر؟ أو أنّ بحشاه ثلمة ما؟ أومن يدري لعلّ شرّا أريد بنا فأرادوا أن يحرمونا السّهر، ومراقبة النّجوم وهي مشغولة بوليمة الضّياء. اغتممنا وتبلبل حالنا ونحن نرى مكانه شاغرا على شطّ السماء؟ ماذا سنفعل الليلة القادمة؟ وكيف سنتجاذب تلابيب الحديث؟ وكيف أحلامنا وجداول الغناء ومواعيد عشاقنا؟ وكيف سيكون مدّ وجزر؟ وفيروز ماذا ستفعل مع حبيبها وقد طلب القمر، وجارتها متربّصة به.

قلنا نسرّ للشمس أن تظلّ قليلا معنا أو تعيرنا كسفا من عندها، شعاعا، بصيصا بما يكفي ليعوّض ليلة ضوء، حتى يعود القمر . الشمس اعتذرت، قالت هي تنام ولا تريد من يربك راحتها في الليل ، وأيّ شعاع ينسلّ منها ، يؤلمها في عينها فتظلّ مستيقظة وغير بعيد أن تغفي في الصّباح فتغيم السّماء وتحزن الطّيور والنّحل يعشى عن رياحينه. قبلنا عذر الشمس وقلنا ننتشر فنجمع شظايا القمر…. وإذا ظفرنا بها سألناه ماذا في حشاه من ضيم حتى يتكسّر على هذا النحو فيكسرنا معه وننسى السّمر؟

كنّا نسرع ، مخافة أن يفاجئنا اللّيل فتعشى أبصارنا ، ونقضي ليلا بلا قمر. بعضنا وجد قطعا منه عند الغدير، والبعض الاخر وجد قطعا معلّقة بالشجر وآخرون وجدوا نثارا منه في عند السّوق أماّ أنا فقد ظفرت بشيء من دائرته في مزهريّة الحبق، قريبا من نافذتي… والحبيبات احتفظن منه بقطع كالسكّر هديّات للأحبّة الغائبين.

عند العشيّ كنّا جميعا في السّاحة، كل يحمل بيده ماوجد من قطع القمر المكسور، وضعناها جميعا فوق الأرضيّة الفسيحة، وطفقنا نعيد تركيبه بكل حدب، ونحرص أن نتمّ عملنا قبل الغروب حتى يكون القمر في مكانه ونحتفي بعرسه الجديد. سرى العمل حثيثا وعيوننا شاخصة نعيد تهيئة القمر ونلملم نثاره، نحرص على أن يكون مستديرا ونجتهد في لحم أجزائه حتى لا يظهر صدع هنا أو أخدود هناك. بدأ القمر يتقوّر ويستعيد سمته القديم ووحده يعرف كيف يستعيد سماءه ، لكنّنا فوجئنا أنّ جزءا منه كان ناقصا بحجم هلال البرتقال، بحثنا جيّدا فلم نعثر بالقطعة النّاقصة والشمس ودّعت والسّماء بدت تتشح بالسواد وتتشوّق لاحتضان القمر.

رجوناه أن يسافررغم جزئه المنقوص ،فهو ليس بالكبير حتى يؤثر أو ينقص من نوره، استجاب لنا وهو حيران ، قال كيف ستلمحني الأبصار وأنا مثلوم… وكيف للذين ينتشر اعتادوا على هالتي أن يرقبوا جزءا مظلما وما ذنب الذين يكون من نصيبهم هذا الظلام كيف لهم ان يتأمّلوا عيون الأحبة أو يجمعوا خرز الأعناق إذا سقط أو يدركوا كلمة تاهت هنا أو هناك ولم تجد بيت القصيد؟

قلنا قبلنا بك قمرا وسنراك دوما مشرقا وحانيا وسنتصرف في الجزء المظلم كيف نؤثثه، ومن سيكون من نصيبه ، يكفي أن تكون هنا… بكل بياضك وإيقاعك الجميل…

طلع القمر وانتشر فوق السطوح وفرحنا والعصافير تزاحمت في أعشاشها غبطة والشجر تنهد في ارتياح والبحر ماج في زهو والصبيات الغريرات وجفت قلوبهن والصبية نصبوا الشراك للوطاويط…

النمل وحده اختار أن ينام في الزاوية المظلمة… قال أنا لا أحتاج إلى القمر

فوزية العلوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى