إبراهيم درغوثي - عائشة! يا عائشة!

"عائشة" ! أذكرها يوم جئت بها من"باجة" عروسا ترفل في زينتها، شهيّة كالعسل البرّي.
أسكنتها في حيّنا فعشقها كلّ شباب الحي. وفاز بها "الأعور الدجّال". غرّر بك "صاحب الدّابه" أطمعك بالترقيات وزاد في راتبك. وبوّأك المسؤوليّة على رفاقك ولكنّه جعلك تعمل في ورديّة اللّيل. فخلاَ لَهُ الجوّ. أطمع "عائشة" بما ليس لها به علم وسألها مفاتيح جسدها.لكنّها امتنعت ونفرت منه أوّل الأمر. وهدّدها بما ليس لها به علم . فسألتك عن الموت. فقلت لها إنّه يستقبلك كلّ يوم داخل الدّواميس. وخافت أن يقطف لصوص مغارة "علي بابا" روحك عندما هدّدها"الدّجال" بأنّه قــادر عليك، وبأنّ خراطيش "الأربعين حرامي" في مِخْلاَتِهِ. فصار يومها لك وليلها له.
وجاء الأولاد والبنات، والخير العميم، والدّار الكبيرة، واللّحم في الغداء والعشاء. وازدانت"عائشة" بعقود الذّهب. ولبسـت أحْلا الفساتين وأنت غافل عن الدنيا وما فيها إلى أن عيّرك خصيم.
قال لك: «سأعيش رجلا! وأموت رجلا! أمّا أنت فاسأل خارج الدّاموس عن فخذي "عائشة".»
وضحك رجال ورديّة اللّيل العاملين معك حتّى استلقوا على ظهورهم. وأنت تراقب المشهد وتعجب من ضحكهم. ويزداد ضحكهم فيزداد عجبك إلى أن هزّ سمعك صوت الخصيم مرّة أخرى:
- بالْعرْبيّةْ أنت ديّوث! أنت"طحّان"يا سي النّاجي!
وارتفعت القهقهات من جديد. فرأيت العالم يشير إليك بملايين الأصابع.أصابع تدينك. تدين تواطؤك مع "الأعور الدّجال". تدين صمتك المريب عمّا يجري تحت سقف"الفيلا" الجديدة في الحيّ المسيّج بالفلّ والياسمين والكلاب والعسس.
وعدت إلى دارك. عدت مهزوزا، مثقوبا بآلاف الطّلقات، تشتعل في دماغك نيران الجحيم.
عدت إلى دارك على غير ميعاد فمنعك العسس من دخول الحيّ. وأطلقوا صفّارات الإنذار. فارتميت عليهم بعنف الحيوان البدائي. ضربتهم بيديك وبرجليك وبرأسك. وتكالب عليك العسس فازداد هياجك وجنونك. وخرج صوتك مكلوما:
- أتركوني أذهب إلى داري أيّها الأوباش! كيف تمنعون عنّي زوجتي يا أولاد الكلب ؟
وانفلتّ. وتخطّيت الحصار. ووجدت نفسك داخل البيت. فأيقظت الصّغار ورحت تتفرّس في وجوههم.
أنف هذا شبيه بأنف"صاحب الدّابة" !
وعينا هذه كَلَوْنِ عيْنيْ "صاحب الدّابة" !
ولون هذا كَلَوْنِ "صاحب الدّابة" !
وشعر هذا كَشَعْرِ "صاحب الدّابة" !
وبدأت بالصّراخ. فاشتعلت فوانيس المنازل المجاورة لدارك. وتجمّع خلق كثير أمام بابك. وهلّت"عائشة" على الجمع خفيفة كريش النّعام، رشيقة كغصن البان، لطيفة كهبّة النّسيم.
قالت:
- لقد جُنّ زوجي! أطلبوا له سيّارة الإسعاف!
وازداد صراخك حدّة وأنت تجري وراءها.
ثمّ وقفت مسيّجا بالعسس. وبدأت تقهقه قهقهة عنيفة.
وجحظت عيناك.
ووقعت على الأرض.
* * *
ارتفع "زمّور" سيّارة، فوقف حارس الإدارة وذهب يفتح البوّابة. دفع الدّفّتين ذات اليمين وذات الشّمال وأزّ محرّك سيّارة المدير.
فجأة وقف "النّاجي" هائجا وهو يصيح:
- من أمرك بفتح الباب يا كلب! أنا صاحب الأمر والنّهي هنا! أنا من يفتح الأبواب ويغلقها!
أنـا...
وارتفعت في وجه المدير قهقهة عالية.
قهقهة تصمّ الآذان...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى