ما هي العلمانية Qu’est-ce que la laïcité ? ؟ - لبرنار هنري ليفي، الترجمة والتعليق: ابراهيم محمود

النقاط العشر التي تكوّن العمود الفقري لمقال المفكر الفرنسي اليهودي الأصل متعدد المواهب برنار هنري ليفي " 1948 - ...": ما هي العلمانية، أو بدقة أكثر : ما العلمانية؟ وهو مكتوب حديثاً تقريباً، يستحق التوقف عنده، كونه يسلّط الضوء على بنية المتغيرات في عالم اليوم، وتفاوتات مناطقه، وما يمكن تسميته ببعض الصيغ: عودة الدين إلى الواجهة، وبالتالي: بروز العلمانية في مظهر المطارد، أو الجاري تضييق الخناق عليه، إن نظرنا إليهما معاً على أنهما متضادان، استناداً إلى ما هو سائد على أكثر من صعيد، رغم تأكيدي على أن ليس من علمانية بمجردة عن نسب ديني ما، وكذلك، ليس من دين بمجرد عن رابطة علمانية، على الأقل، إن تحرّينا أو تقصّينا رحمه المؤرَّخ له أرضياً، وخارج ما هو رحمي: دنيوياً .

يمكن تفهم، ولو بصورة اجتهادية، أركيولوجية المنحى، محفّز ليفي على كتابة مقال كهذا، وما إذا كنا نستطيع تجسير الفجوة بين جناحيّ " الحيوان الناطق "، فلا يعود وديعاً، بمفهوم البراءة، ولا فظيعاً، بمفهوم المتلبس بالجرم المشهود؟

يمارس ليفي مقاربة للمفهوم، على طريقته، كممثل معروف لليبرالية الجديدة، ودارة ما بعد الحداثة فيها.

هناك عشر نقاط، يمكن إيجازها، على الأقل، من باب التذكير بها، وطرحها للنقاش، أو الحوار :

1-ليست العلمانية إلحاداً. وهي لا تعني كراهية الأديان Laïcité n’est pas athéisme. Ce n’est pas la haine des religions. بمقدار ما تشدد على الفكرة ( الأصلية ، والمسيحية في المتن ) وتتمثل في مقولة مألوفة طبعاً " أن نعطي إلى قيصر ما لقيصر وإلى الله ما لله rendre à César ce qui est à César et à Dieu ce qui est à Dieu ".

نلاحظ في هذه المقولة نوعاً من التهدئة، وتوقيع اتفاق يضمن استمرارية الاثنين، كل في موقعه ودوره. ذلك قول موجه للسلطان، ومن يمثّل الدين، فلا يعود هناك من : حرب، إنما الانفصال .

2- لاتكون الدولة العلمانية دولة متشددة L’État laïque n’est pas un État militant ، وهي تعلن حربًا على هذا أو ذاك. إنما هناك حكم الدولة، سوى أنها دولة محايدة. سوى أنها الدولة الفاعلة التي يتلخص دورها في إيجاد النطاق، ذاك الذي يسمح بالمختلفين حول المعنى أن يتعايشوا ، وفي وسعهم لحظة الرغبة ، أن يتنافسوا...

لعل في قوله هذا توجيه الأنظار إلى سخونة الصراعات القائمة مشرقاً ومغرباً، ولو بتفاوت طبعاً.

3- العلمانية كمحصلة، لا تكون اسماً واحداً من المعتقدات في عملية التنافس. إنما اسم لعدم الإيمان الذي يهيء لمنافسة سلمية ، أي ما هو محتمل

C’est le nom de la non-croyance qui rend, entre toutes, la compétition possible, loyale et surtout pacifique.

ليوضح تالياً: وبما أن العلمانية هي مبدأ البعد بامتياز ، والذي يستبعد الأحادية في أي ميل إيماني، لهذا، تكون معادلة "الأصولية العلمانية" دون معنى.

4- ليست العلمانية تسامحًا، إنها تخضع للتسامح، تخضع لحقوق الإنسان المتعالية.

Laïcité n’est pas tolérance. La laïcité soumet la tolérance au transcendantal des droits de l’homme.

ذلك، يوضّح لبساً في أصل المفهوم، بمقدار ما يعزّز اعتباراً للدين، وجعْل الإنسان قيمة مشتركة لهما.

5- عند افتراض التخلص من الممارسات القاتلة أو المؤذية. هل تكون تلك رموزاً دينية عادية في كل مكان؟ هو كذلك في المجال الخاص، والعام بالمقابل. ..إنما يجب إنشاء مساحة ثالثة للوصل بينهما، بغية عدم التعدي، وهو ما يخص عمل الدولة، وهي إشكالية كبيرة على مستوى المواطنة وآلية عملها.

6- أيمكن اعتبار الدولة هذه محايدة، لا سلطان لها ، في نطاق اختصاص الأديان، أو إقامة أي علاقة معها، على مستوى البوليس مثلاً ؟ ثمة غواية قائمة. لكنها نصْب آخر وقاتل:

La tentation existe. Mais c’est un autre piège mortel

أي جهة الحدود الفاصلة وهي غير فاصلة، وهي بالتالي، تعقّد عمل الدولة باعتبارها مؤسساته، وقانونية، أو ما يفترَض أنها هكذا !

7- كيف يتحدد المكان ، في ضوء ذلك، لأولئك الأشخاص ممن يجهلون أنفسهم وفي أي من الأبرشيات المتساوية جهة المسافة الفاصلة بينها؟ لنذكّر بقول جون لوك ، وهو مخترع العلمانية الأنجلو ساكسونية( لأن الكافرين أشرار). ومثله بقول بيير بايل ، وهو من جهته مخترع اللغة الفرنسية ( كونهم يؤمنون بالله فهم لا يؤمنون بالمجتمع). ولقد كان بايل محقاً باعتبار منطلق العلمانية مسألة عدم الإيمان. ليكون الاختبار المطلق كامناً في الطريقة التي لن تحفظ بها حرية الاعتقاد وحدها إنما حرية عدم الاعتقاد والتجديف كذلك.

Le test absolu, c’est la façon dont elle protégera, non seulement la liberté de croire, mais celle de ne pas croire et, aussi, de blasphémer.

8- وماذا عن الدولة ذاتها ، وهي تلزم نفسها بالدين ، حيث لا تنقص هذه الرابط إلى أي شيء تقريباً (كما في حال التمويل ، النظام الضريبي ، المساواة أمام القانون)؟ ألا تميل إلى الاستبداد، وما هو ديني (غواية روبسبير مع الكائن الأسمى ، من روسو وهو بدينه المدني)؟ سوى أن العلمانية ، تقاوم هذين الاسمين اسم آخر ، وهو الاسم الأخير: كوندورسيه والذي مات في السجن كونه اخترع دستوراً pour avoir inventé une Constitution، حيث تظاهر أنه يربط الرجال دون أن يكون له أي علاقة بالرابط. الدينية، ولأول مرة.

9- إن صفة هذا الرابط هي الهروب ، ودفعة واحدة، إلى اللاهوتية السياسية؟ إنه رابط خفيف يخلّف مجموعة كاملة من الأرواح من عقدةها. وهو مشكوك فيه لأنه يستند إلى كلمة فقدت صلاحية أن تكون كالبرق الساقط من السماء، بمقدار ما أصبح الآن موضوع تجارة حرة بين الرجال l’objet d’un libre commerce entre les hommes.

هنا، ألسنا نجد أنفسنا إزاء إشكالية مضاعفة كعملية فضل السلطات، ومأزق القانون في نسبه ؟

10 - وهناك حقيقة الرابط العلماني الذي لم يعد رابطاً دينياً وما له من عواقب نهائية. ليس هناك ما يعلوه قوة . ليس هناك أي أي تجاوز يطمئنه عليه. فنجد أن الحق يفترض الحق الحق، الصالح ، لكن من دون مردود يطمأن إليه . ...لهذا كانت الفكرة الضاربة بقوتها والتي أرعبت فولتير نفسه ينكمش حيث يرتد في نهاية المطاف إلى الدفة وهي لإله مغمور في صنع الساعات - لهذا كانت هذه البطولة قبول أن السماء فارغة

d’où cet héroïsme de la raison acceptant que le ciel soit vide

وعدم توفير التربة الصلبة لما هو قائم . ذلك هو التحدي الكبير للديمقراطية. حيث العلمانية لا تكون واحدة من المراجع ، إنما القلب المحرّك ، بالنسبة إلى فكرة الديمقراطية.

تلك هي مجموعة النقاط المسماة، أو المعتبَرة رئيسة في أصل المقال، آمل أنني تمكنت من تقريب فكرتها. ويبقى السؤال متعلقاً بما يعنينا، ما إذا كنا قادرين أن نسهم في إثراء هذا الحوار، ونصرّح بما نحن عليه داخلاً ؟ أم نبقى في وضعية الفرجة للآخرين، ومتفرجين على ما يجري، سواء بالنسبة إلى تجارب يسهل النظر فيها، حيث يتناغم كل من الديني والعلماني: اليابان، قبل كل شيء، وحتى بالنسبة لدولة قائمة، مهما كان موقف دول الجوار منها: إسرائيل، وكيف أنها تمتد ما بين أقصى الالتزام بما هو ديني، وأقصى الانفتاح على ما هو علمي: فكري، وتطبيقي. فإلى من يكون مقال ليفي موجَّهاً يا تُرى ؟

مصدر مقال : Qu’est-ce que la laïcité ?، والمنشور بتاريخ 9 نيسان 2018، هو موقع : قاعدة اللعبة، لبرنار هنري ليفي نفسه: https://laregledujeu.org/contributeur/bernard-henri-levy، واسم لمؤسسته !


ابراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى