أمل الكردفاني - هوية أم أكثر؟..

▪ لماذا نشاهد الافلام... ولماذا ننجذب اليها:
من يشاهد فيلم ويندمج فيه.. هو في الواقع يتحول الى بطل الفيلم... البطل الذي يكمل نقصه في الواقع.
الفيلم الرومانسي ينجذب اليه من لا يعيش قصة حب ، المحروم والمتألم من الوحدة والوحشة. هو يدخل الى عالم التوهم ليتحول الى بطل الفيلم...غالبا الواقع ليس فيه علاقات عاطفية كالافلام... حيث ينتحر الحبيبان في النهاية كروميو وجوليت. العالم الواقعي واقعي ولذلك سمي واقعي... الانسان الذي يعاني من العالم الواقعي ينغمس في شخصية بطل الفيلم.. يقبل الفتاة ويمسك يدها ويحتضنها ويبكي معها...الخ...وكلما تقمص هذا المشاهد شخصية بطل الفيلم ازداد غوصا في عالم الفيلم.
كذلك الامر بالنسبة لمن يشاهدون فيلم اكشن ؛ الطفل يعتبر نفسه سوبر مان او الرجل العنكبوت او كابتن ماجد او سلاحف النينجا .... ويعيش داخل الفيلم او المسلسل الكرتوني وهو يمارس تلك البطولات...
في الواقع وحين ينتهي الفيلم سنجد الطفل يمد شخصية البطل الى الواقع ؛ سوف يحمل الطفل عصاة ويبارز بها الهواء كبطل النينجا ، لكن الشخص البالغ لن يفعل ذلك غالبا ، لأن البالغ يدرك انه من المستحيل ان يكون البطل ، الانسان البالغ يخجل من ان يقع في قعر الخيال ، ويعرف انه لو تمثل شخصية البطل فسيصفه الآخرون بالجنون.
اعتقد أن الانسان وخلافا لما يشاع بأن لديه هويات عديدة (شخصيات) personalities ، في الحقيقة للإنسان شخصية واحدة فقط ، وهي شخصية تتطابق بين سن طفولته وسن كهولته وحتى شيخوخته ، غير أن المسألة كلها هي أن هذه الشخصية يتم كبح جماحها بالعقل ، أي بالخوف. فالخوف هو العقل. يمكننا أن نلاحظ كيف يعود الانسان الى شخصيته الأصيلة المقموعة بالعقل عندما يختبئ خلف شاشة حاسبه الآلي وباسم وهمي ، انه يطلق عقال شخصيته القديمة ويحررها من الكبت القسري والاجباري الذي يسببه الخوف ، الخوف من المجتمع ومن القانون ومن الآخر ، الخوف من المساءلة ومن المواجهة ، ومن الخطر والألم والقهر. الانسان في عمر الرابعة هو نفسه في عمر الاربعين ، مهما تقلصت بعض رغباته ، مهما توهم أنه لم يعد يحب الأيسكريم أو لا يملك الشغف القديم. كل مافي الأمر أنه يخجل من أن يجري بشغف وفرح نحو بائع الايسكريم . فهو يقمع شخصيته الحقيقية. يصب عجينتها ويدفعها دفعا داخل قالب نحته الخوف.
عندما يسقط الانسان في فخ الكوارث ؛ فيتخلى مجبرا عن ذلك القالب ، سيعود طفلا كما كان ، سيكون انانيا وشرها ولا يعبأ الا بالافلات من الكارثة عبر غريزة البقاء الأولية. إذا كان الانسان البالغ يتباطأ كثيرا في الذهاب للبوفيه المفتوح وملء طبقه خجلا من الآخرين ؛ فإنه في حالة المجاعات سيكون مستعدا لازهاق ارواح المنافسين. البالغ الذي يسمح للآخرين بالشراء قبله رغم أنه سبقهم لن يفعل ذلك حينما تحدث ندرة لذات السلعة ، كالخبز او البنزين او الغاز ، هنا لن يهتم ولن يكترث لرأي الآخرين فيه ، هنا يمارس سلوكه الغريزي ، وهذا ما عكسه جوزيه ساراماغو في رواية العمى ، إن الطفل ليس بريئا كما يظن الناس في الواقع هو الأكثر أنانية ، إنه يربط كل علاقته بتحقيق منفعته واشباع غرائزه وان كانت تبدو تافهة ، فالطفل لا يملك عقلا مكتملا يدفعه الى الخوف من اطلاق أنانيته ، أو وضع اعتبار للآخرين. يمكن للطفل أن يحرق نملة بالنار ، هو يتلذذ بذلك ، وهو يشاهدها تتلوى وتذوب ، ولكنه حين يعقل معنى النار ومعنى الألم يضع نفسه -كما قال نيتشه- في موضع النملة ، وحينها يخاف. إن الوعي لا يعني ان شخصيتنا الحقيقية تبدلت ولكنها في الحقيقة قمعت...هذا كل مافي الأمر.

*أمل الكردفاني*

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى