يوسف القط - حزمة النور

في البدء ..
كانت هناك حزمة من النور.. فجأة توهجت من لا مكان..
في أول الأمر ارتعشت ارتعاشة هائلة .. ثم ثبتت إلى حين ، قبل أن تعود إلى الارتعاش من جديد ، ارتعاشات متوالية.. مجنونة، ومرت فترة طويلة من الوقت.. كانت قد ازدادت توهجا، وكانت في خلال ذلك، تخطو خطوات إلى الأمام.. إلى الأمام في شكل دائرة.. بعد أن تم لها ما أرادت، تقيأت من مكان الفم فيها شعاع طويل .. لم يلبث أن خرج منه شعاع صغير، وما بين الومضة والأخرى، كان يخرج من أحشاء الابن ابنا صغيرا .. حتى غمرت الأرض حزمة كبيرة من الأشعة، رسمت عليها أشكال غير معقولة الجمال.. ومرت فترة طويلة من الوقت..
ابتدأت تتوهج ، ثم تخبو .." جسم النور" تتوهج ثم تخبو..
.. النور ، وبطنها ينتفخ ويتضخم ، وقد راح الشعاع يبتلع أبناءه .. وأحفاده .. وأحفاد أحفاده .. وما أن أصبح الكل في كيانه يسرى، حتى فتحت الأم فمها الواسع، العميق الغور، وراحت تشفط لسانها الطويل ..
" الجسم المشع "بطنها انتفخ ، وتضخم .. بجوار المجرى الذي جف منه الماء . انفصل عنها جسم آخر مشع.. وسارت شوطا، وقد عاد من جديد.
الكبرى وهجها أقوى .. أكثر طغيانا من الوهج الضعيف ، وبين كل مسافة ، والأخرى كان ينفصل جزء من المتأخرة ليلحق بالمتقدمة ،وينضم إليها ، فيزيدها وهجا وبريقا ..
المتأخرة تزداد نحولا، تزداد هزالا .. المتقدمة تزداد جرما ، تزداد رسوخا ـ وثباتا ـ بعد أن تم لها ما أرادت ـ الكبرى ـ تقيأت من مكان الفم فيها شعاعا طويلا ، راح يتكور على نفسه ويقفز، من الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد ، غمرت الأرض حزمة كبيرة من الأشعة ..وابتدأت كتلة النور تأكل نفسها .. تتوهج ، ثم تخبو .. تتوهج ثم تخبو..
وهي تلملم نفسها ، وقد ابتدأ الشعاع الأب يبتلع أبناءه .. وأحفاده ، وأحفاد أحفاده ، وما أن سرى الكل في كيانه ، حتى فتحت الكتلة الأم فمها الواسع .. العميق ، وراحت تشفط لسانها الطويل.. كتلة النور.. بطنها انتفخ .. وتضخم .. ولم تلبث أن انفصلت عنها كتلة أخرى أصغر.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في كتاب " 9قصص " عن سلسلة " أقلام " ، سنة 1980، كما نشرت بعد ذلك في مجلة " أدب ونقد" ، العدد 22 ، يونيو 1986 ، ضمن ملف " الحركة الأدبية في دمياط " . وأعيد نشرها في كتاب " تحت السقف .. عالم يوسف القط القصصي" ، إعداد : محمد علوش ، سلسلة " إصدارات الرواد " ، فرع ثقافة دمياط ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، 2001. ص104 ، ص105.



* منقول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى