أمين الزاوي - التوحش الثقافي

هذا العالم الذي من حولنا يغرق أكثر فأكثر في طوفان التخلف، تكون المصيبة أهون حين ترتبط ظاهرة التخلف بالأمي و الجاهل في المجتمع، قد نتقبل الأمر لما عاشه هذا العالم العربي و المغاربي من فوضى و حروب و استعمار و لاحقا من فساد وطني داخلي منظم من قبل أنظمة تداولت على السلطة منذ مطلع الاستقلالات الوطنية، أي منذ خمسينات القرن الماضي،
و قد نفهم الأمر و نبلع هذا التخلف و بمرارة و تحسر حين نعرف بأن نسبة الأمية في العالم العربي و المغاربي مرتفعة و غير معروفة أساسا و أن عدد الأميين قد فاق الستين مليون نسمة أو أكثر، قد نتفهم أمر هذا التخلف حين ننظر إلى الخراب الشامل و الممنهج الذي لحق بالعراق و سويا و ليبيا و اليمن و الصومال و قبل سنوات بالجزائر، حيث أغلقت كثير من المؤسسات التربوية و تعذر على أطفال جيل كامل الذهاب إلى المدرسة لسنوات متتالية و هو ما سيجعلنا بعد سنوات أمام جيل كامل لا يعرف لا القراءة و لا الكتابة.
قد نتفهم كل هذا التخلف الذي تقف خلفه فساد الأنظمة التي لا تريد تداولا على السلطة أو بلدانا عاشت حروبا أهلية كان من ورائها الإرهاب و التعصب الذي صنعته المدرسة أساسا.
لكن أن يأخذ الجهل شكل العلم، أن يأخذ الجاهل صورة العالم، و أن يكون الجاهل حاملا للقب دكتور يشتغل في مؤسسة جامعية عريقة أو في معهد عال، فهذا هو الغريب و المخيف في مجتمعاتنا العربية و المغاربية.
أن تكتب دكتورة في الأدب كتابا بعنوان "تحريم العطور" على النساء لأن هذا يثير غريزة المرأة، فهذا من علامات قيام ساعة الكتاب و الكتابة و التفكير.
أن يكتب دكتور ينتمي إلى هيئة التدريس بالأزهر و هو المدعو الدكتور جهاد محمود الأشقر كتابا بعنوان "نكاح المعاق ذهنيا في الفقه الإسلامي"، أن يكتب كتابا و يطرحه في السوق للتداول و للقراءة، و نحن في العشرية الثانية من الألفية الثانية، فهذه عين الكارثة، و قمة الانحطاط الأخلاقي و الفكري، و الدليل الواضح على أمراض مستعصية تعاني منها (نخبنا) بين قوسين !
أن يكتب المدعو إبراهيم عبد العزيز النجمي كتابا بعنوان "ما يجوز و ما لا يجوز في نكاح العجوز" و يعرض الكتاب على القارئ العربي و المعرب، و يتم تداوله، فهذه علامة على عطب العقل العربي و دليل على ما يعانيه من أمراض بنيوية.
أن يكتب المسمى الشيخ أبو الإيمان كتابا بعنوان "المباح في جهاد النكاح" فهذه واحدة أخرى على مرض فكري، و دليل آخر على أن "النخب" المعطوبة لا تستطيع العيش إلا إذا كان المجتمع معطلا، و مثل هذه الكتابات المخلة بالحياة هي القاعدة التي تستنج عليها منظومة الفكر التكفيري في تخريب ما تبقى من بقايا المجتمع.
أن يكتب فضيلة الشيخ العلامة أبو جعفر بن حذيفة الأنصاري كتابا بعنوان "الطريقة النبوية السليمة في نكاح المرأة و البهيمة" و يقدمه للقارئ العربي و المعرب بدون حياء، في زمن تحاصر فيه كتب و أفكار محمد أركون و أدونيس و محمد الطالبي و غيرهم ، كل هذا يوحي بأننا لسنا على حافة الهاوية بل إننا في قاع الهاوية.
حين تسمع بتداول كتاب بعنوان "النعيم الجنسي لأهل الجنة" من تأليف المدعو عبد الله بن قاسم القاسمي فهذا يدل على هذه النخب التي "عهرت" الدين و جعلت من الجنة بكل رمزيتها ما يشبه "الماخور".
نحن لسنا ضد كتب التربية الجنسية و لا ضد الكتابة عن الجنس، بل إن طرح هذا الموضوع مسألة أساسية و بقدر ما نعتقد بأن مقاربة "الجنس" ضرورة فكرية و اجتماعية و إنسانية فإننا نؤمن بأن مسألة حساسة مثل هذه يجب أن يتولاها العلماء المختصون في هذا الباب، و ليس الفقهاء أو المتدروشون، فالجنس مسألة إنسانية عميقة لا يمكن تداولها بهذا الشكل المبتذل.
و أنا أتابع مثل هذه الإصدارات الرديئة، أشعر بخجل أنني أنتمي إلى هذا العالم الذي يوزع مثل هذه الكتب على أبنائه لقراءتها و ربما برمجتها في مقررات الجامعة على طلبة يعيشون عصر التكنولوجيا المعقدة و البحوث في الذكاء الاصطناعي
أشعر بمرارة ثقافية كبيرة أن تكون لنا دور نشر تقبل طباعة مثل هذه الكتب و مكتبات تعرض مثل هذه الأمراض المتخفية في الكتب المجلدة تجليا فنيا و التي تصنف عادة في باب كتب الفقه و الشريعة و الفتاوى.
إن الخطر الكبير على مجتمع هو يصبح "المتعالم" "جاهلا" مقدسا، و جهل المتعالم أكثر خطورة على المجتمع من الجاهل، و أخطر من ذلك حين يكون هذا المتعالم يعيش في مجتمع كالمجتمع العربي أو المغاربي اكتسحه الأمية و الفقر و الخرافة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى