هشام ناجح - الرواية العربية المتخاصمة مع الجسد..

إن البنية السردية محكومة في أصلها العام بالأفعال والوضعيات، لهذا فالشخوص الحقة لا تختفي وراء ملائكية الإنسان، إنها تعيش حياتها بالشكل الطبيعي والمرغوب فيه، المتماشي مع السلوكات التي تحددها المستويات الفاعلة نفسيا واجتماعيا؛ من أجل إمعان النظر في الإنسان بكل تجلياته وأسراره على مستوى الشعور أو اللاشعور، وهذه البنية تحتاج، بل، هي رهينة للتحليل النفسي كمقاربة ضرورية للإحاطة بالانغمارات، ورجرجة الاستبطانات؛ التي ستلقي بنا حتما إلى الكشف عن الحق الإيروسي لهذه الشخوص، بالرغم من الثقل الذي تكبلنا به اللغة، على أساس أنها لغة المقدس، وليس من حقها أن تكشف عن الجسد بكل ميولاته وغرائزه، وهنا سنقف عند الحواجز المفتعلة التي تعيق الرواية العربية التي لم تستطع الإمعان في الجانب الجمالي للجسد، والمقيدة حتما بالشروط العامة التي تطبع المجتمعات الشرقية المربوطة إلى وتد اللاهوتي، الممعن في الكبت، وعدم الكشف بدعوى الستر. ويمكن أن أدرج رواية " موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح التي أحدثت شرخا وصل حد التكفير، بالرغم من أن الرواية تحتفي بالحياة من جهة إنسانيتها لا أقل. ولا تفوتني كذلك رواية " الخبز الحافي" لمحمد شكري التي طالها المنع لسنين طويلة في المغرب، ومرد هذا المنع إلى أسلوب الكشف الذي كتبت به الرواية، مع العلم أنها تنقل الواقع الطنجاوي العادي لا غير. إننا نعيش حالة من الاغتراب مع أجسادنا، أو حالة خصام دائم، مادامت اللغة لا تسعفنا بالاحتفاء أو الاستماع إلى متطلبات هذا الجسد.
شخصيا أسعى إلى تحرير شخوصي، وترك المساحات الشاسعات لها، حد الكشف عن وعيها، ولاوعيها المجبول بالتصعيدات أحيانا، أو عدم فهم سيرورتها من خلال طرح الأسئلة المنسجمة مع ميولاتها الجنسية، أو رؤيتها الفلسفية المندوحة لتطلعاتها أحيانا أخرى. يمكن أن أقول: إنها تنقل حقها من العجيب والعصيان والإحسان، وتعيش حيواتها بين البيولوجيا والثقافة. فالشخوص الناجحة هي التي ترتبط بالحياة وتكشف عن جوانيتها بدون مركبات النقص، فتساعدنا على خلق أدب متحرر، تساهم بجسدها ونفسها في تبني الطرح الدينامي، الذي لولاه لما أمكننا أن نتطلع إلى الإنسان.
إن مناقشة الرواية الحقة على أرض ثابتة، والتي يمكن أن تؤرخ للأجيال القادمة، هي: الرواية الكاشفة، غير المتحرجة والمحتفية بالإنسان بأكمله، دون بتر أي عضو منه، سواء كان ماديا أو نفسيا في حيز الانفعالات، الوضعيات، التطلعات والانغمارات. إننا نتتبع دائما مسالك اللذة، لهذا يجب أن لا تحرمنا الرواية العربية من لذة النص.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى