ابراهيم محمود - بعيداً عن مؤخرتها النمطية

المؤخرة شعر، والمقدمة نثر، فللأولى الخيال المحلّق، وللثانية الخيال المؤطَّر. والمؤخرة هي التي تنال صرخة إعجاب، أما المقدمة فتأملاً . يمكن للمرء أن يهتف مهللاً وهو يرى المقدمة : يا لهذا الجمال، أما إزاء المؤخرة، فـ: يا لهذا الكمال.

يمكن لمؤخرة المرأة أن تكون هواء مضغوطاً، ذلك ما يتضح لكل ذي نظر. أن تكون ماء ينبوعياً ينبجس من قلب صخرة جلمود محسود عليه، ذلك يتضح لكل ذي فلسفة. أن تكون ناراً ذات ألسنة شَعرية محلَّقة، ذلك يتضح لكل ذي حكمة. أن تكون تربة شديدة الخصوبة، ذلك يتضح لكل ذي رؤيا قلبية .

إن تحرَّيت بقليل من التروّي، والسمو بالرؤية، سوف ترى أن المرأة وهي تتقدم إليك تفسير جدير بالاهتمام، وأنها، وهي تعبرك، فترى مؤخرتها، تكون تأويلاً يفضي بك إلى اللاتناهي.

المؤخرة حركة تموجية، كما لو أنها نفاثة، كما لو أنها هيدروليكية، ولهذا، فهي تلهِم أكثر، ولهذا كان رهان الفنانين عليها، لهذا، كان الفاعل النعظي مؤخراتياً قبل كل شيء، ويكتم الأنفاس .

تؤخَذ المرأة بمؤخرتها، وليس بمقدمتها. المؤخرة عمل دعوي للمقدمة، ومن أراد نول رضا المقدمة، أن يلامس عتبة الجسد مقدماتياً، فلا بد من المرور بالمؤخرة، أن يتهيأ بدءاً منها .

كذب الشعراء الذين أطنبوا في وصف فرج المرأة، وكانوا جاحدين في تجاهل دور المؤخرة في هذا الإقبال الفرجي حدوثاً. إن مطلة الجسد، بوابة الدخول إلى عالم الجسد المتعوي للمرأة هي المؤخرة. يكفي أن يعيش المرء صفاء ويسترسل في مغيبات الفلقتين ليعلَن عنه شاعراً طليعياً.

تصوروا، ولو للحظة فالتة من الزمن، ومما متداول، لو أن وجه المرأة كان من الخلف، أي قيمة اعتبارية كان سيبقى للفرج المطموس؟ كيف كان الرجل يقيم علاقته بها/ معها؟

في وسع الفنان وحده، أن يتعمق في الدهشة المقدَّرة في اهتزازات مؤخرة المرء، أن يرسمها، وهي تمارس إغواء له ليمضي إلى ما وراء المعني وتبيُّن الجمال الخفي في جسدها .

ليست المرأة هي التي تحرّك مؤخرتها، إنما مؤخرتها هي التي تظهِرها هكذا. في كل حركة منها، ثمة إشهار بمعلَم غواية مختلف، إنه حقل الجاذبية ذو الترددات النافذة المفعول .

يقال، أو كثيراً ما يتردد أن سر المرأة لا يُسبَر. إنه ضرب من تلفيقات الرجل ليس إلا. فتش عن مؤخرة المرأة تجد هذا السر. أو جس نبض ذكورة الرجل، تعايِن هذا المستقَر اللحمي المواَّر.

عندما تمشي المرأة وتعبر رجلاً ما، تدرك بعمق طبيعة نظرته الفالقية، وتكون على علم تام أنه يغمرها بنظرته منطلقاً من مؤخرتها وعائداً إليها، فتمضي وملؤها ضحك عامر .

لا تحتاج المرأة لفتح جبهة مع الرجل، إن مؤخرتها تتكفل بتجريده من وقاره، وقد أسلس لها القياد. إن البنية التضاريسية للمؤخرة ونجاعة أثرها، تستدرجه إليها نازلاً من عليائه !

بين التجلي الأعظم للردفين المترجرجين والشّعب القائم بنصفه القوسي بينهما، يقوم عالم كامل، لا يكف الرجل عن التحليق بخياله وهو يتلمظ للجسد وقد تعرَّى، كما لو أن اللباس الذي يضيق ذرعاً بالمؤخرة، أو بالعكس، هو الاستثناء الوحيد الذي تتطلبه مؤخرة لتفعيل الاثر، ففي الملتصق اللحمي المكور، ما يسهم في إشعال كل سنّي عمر الرجل، ليعيش جمالية اللحظة هذه!

في كل مشاهدة لمؤخرة امرأة وهي تنفجر إغراء، سرعان ما يمرر الرجل يده على مؤخرته، كما لو أنه يستجديها لكيها تجلو عالماً مشابهاً، إنما لكي تحفّزه على لقاء محلوم به طويلاً . إنها مسألة علاقة اعتبارية للمؤخرة تبعاً للجنس، كأن اندفاعية مؤخرة الرجل مناظرة لربربة تلك، أي ما يخفف من الصدمة، إنما أيضاً، ما تثيره لحظة الملامسة/ الصدمة من إشعار بدخول العالم الذي يتقدم المؤخرة. ذلك أكثر من أداء خدمي، من تهيئة الجسد للحظة المنتظرَة .

بعكس فرجها، لا تدخلك مؤخرة المرأة إلى عالمها اللحمي، بمقدار ما تخرجك منك، لا لكي تفارقها، وإنما لتعانقها، وهي نقيض الصورة التقليدية: مخلوقة لوهْب المتعة .

الذين تكتموا في الحديث على مؤخرة المرأة، الذين لم يشأوا أن يشخّصوا جماليات المؤخرة هذه، الذين لم يعطوا إجابات عن أسئلة تعنيها، الذين رأوا مؤخرتها بعمق، لم يكن تصرفهم سلبياً، ليس عن جبن في الإجابة، عن تقوى مزيفة، إنما لأنهم كانوا يعيشون المرأة الأخرى تلك التي تحرّرك بمؤخرتها من تكوينك الأرض، وتهبُك علم ما لم تعلم بزوبعة مؤخرتها القائمة .



ابراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى